الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث: لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم

          1251- (فَيَلِجَ): قال ابنُ بطَّالٍ كما نقلَه البِرْماويُّ عنه: (بالنَّصبِ جوابًا للنَّفيِ بالفاءِ).
          ورأيتُ في كلامِ الطِّيبيِّ نقلًا عنِ الأشرفِ: (إنَّما تنصبُ الفاءُ الفعلَ المضارعَ بتقديرِ: «أَنْ» إذا كانَ بينَ ما قبلَها وما بعدَها سببيَّةٌ، ولا سببيةَ ههنا؛ إذْ لا يجوزُ أنْ يكونَ موتُ الأولادِ ولا عدمُه سببًا لولوجِ أبيهِم [النارَ]، فالفاءُ بمعنى الواوِ الَّذي(1) للجَمعيَّةِ، وتقديرُه: لا يَجتمعُ لمسلمٍ(2) موتُ ثلاثةٍ مِنْ أولادِه ووُلوجُهُ النارَ. /
          ونظيرُه ما وردَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ، وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللهِ الَّذي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، فَيَضُرَّهُ شَيْءٌ» بالنَّصبِ، وتقديرُه: لا يجتمعُ قولُ عبدٍ(3) هذِه الكلماتِ في هذِه الأوقاتِ، ومضرَّةُ شيءٍ إيَّاه.
          أقولُ: إنْ كانتِ الرِّوايةُ على النَّصبِ(4) فلا مَحيدَ عن ذلك، والرَّفعُ يدُلُّ على أنَّه لا يوجدُ وُلوجُ النَّارِ عقيبَ موتِ الأولادِ إلَّا مقدارًا يسيرًا، ومعنى فاءِ التَّعقيبِ كمعنى الماضي في قولِه تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ} [الأعراف:44] في أنَّ ما سيكونُ بمنزلةِ الكائنِ، وأنَّ ما أخبرَهُ الصَّادقُ عنِ المستقبَلِ كالواقِعِ) انتهى.
          وقالَ ابنُ الحاجبِ ما معناهُ: (إنَّه ليسَ مثلَ: «ما تأتيْنا فتحدِّثَنا» إذا كان المعنى: أنَّ الإتيانَ سببٌ للتَّحديث؛ لأنَّه يؤدِّي إلى عكسِ المقصودِ؛ إذْ يصيرُ المعنى: إنَّ موتَ الأولادِ سببٌ لِوُلوجِ النَّارِ، فإنْ حُمِلَ على معنى: «إنَّك(5) لا تأتينا فتُعقِبَ إتيانَك بحديثِكَ» استقامَ؛ إذْ يصيرُ المعنى: لا يكونُ عقبَ موتِ الأولادِ مسُّ النَّارِ بل دخولُ الجَنَّةِ؛ إذْ لا منزلةَ بينَ الجنَّةِ والنَّارِ في الآخرةِ).
          وقال شيخُنا الحافظ ابنُ حجر _متَّع الله المسلمين بحياته_: (وفي كلامِ الطِّيبيِّ / نظرٌ؛ لأنَّ السببيَّةَ حاصلةٌ بالنَّظرِ إلى الاستثناءِ؛ لأنَّ الاستثناءَ بعدَ النَّفيِ إثباتٌ، فكأنَّ المعنى: إنَّ تخفيفَ الوُلُوجِ مُسبَّبٌ عن موتِ الأولادِ، وهو ظاهرٌ؛ لأنَّ الولوجَ عامٌّ، وتخفيفُه يقعُ بأمورٍ؛ منها: موتُ الأولادِ بشرطِه، وما ادَّعاهُ أنَّ الفاءَ بمعنى الواوِ الَّتي للجمعِ فيه نظرٌ) انتهى.
          وقال السُّخُوميُّ: (قيل: الفاءُ ههنا بمعنى الواوِ الذي(6) للجَمعيَّة، أي: لا يَجتمعُ لمسلمٍ موتُ ثلاثةٍ مِنَ الأولادِ ووُلُوجُه النَّارَ) انتهى.


[1] كذا في النسختين تبعًا لمصدره، ويصح على إرادة الحرف.
[2] في (ب): (مسلم).
[3] في (ب): (عند).
[4] في (ب): (بالنصب).
[5] (إنك): ليست في (ب).
[6] في (ب): (التي)، ويصح المثبت على إرادة الحرف.