الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث: أن رسول الله كان يصلي جالسًا فيقرأ وهو جالس

          1119- (فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ): قال ابنُ مالكٍ: (رُوِي «نحوٌ» بالرَّفعِ، ولا إشكالَ في روايتِه، وإنَّما الإشكالُ في «نحوًا» بالنَّصبِ، وفيه وجهان:
          أحدُهما: أنْ تكونَ «مِنْ» زائدةً، ويكونَ التَّقديرُ: فإذا بقِيَ قراءتُه نحوًا، فـــ«قِرَاءَتُهُ» فاعلُ «بَقِيَ»، وهو مصدرٌ مضافٌ إلى الفاعلِ، ناصبٌ «نحوًا» بمقتضى المفعوليَّةِ، وزيادةُ «مِنْ» على هذا الوجهِ لا يَراها سيبويه؛ لأنَّه يَشترطُ في زيادتِها شرطَينِ: أحدَهما: تقدُّمُ نفيٍ، أو نهيٍ، أو استفهامٍ، الثَّاني: كونُ المجرورِ بها نكرةً، والأخفشُ لا يشترطُ ذلكَ، وبقولِه أقولُ؛ لثبوتِ زيادتِها دونَ(1) الشَّرطينِ نثرًا ونظمًا، فمِنَ النثرِ: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} [الكهف:31]، وقولُ عائشةَ هذا(2) في روايةِ النَّصبِ، ومِنْ ثبوتِ ذلكَ نظمًا: قولُ عمرَ ابنِ أبي ربيعةَ: / [من المتقارب]
وَيَنْمَى لَهَا حُبُّهَا عِنْدَنَا                     فَمَا قَالَ مِنْ كَاشِحٍ لَمْ يَضِرْ
          والوجهُ الثَّاني: أنْ يُجعلَ «مِنْ قِرَاءَتِهِ» صفةً لفاعلِ «بَقِيَ» قامتْ مَقامَه لفظًا، ونُوِيَ ثبوتُه، ويُجعلَ «نَحْوًا» منصوبًا على الحالِ، والتَّقديرُ: فإذا بقيَ باقٍ مِنْ قراءتِه نحوًا مِنْ كذا.
          وهذا الحذفُ يَكثُرُ قبلَ[41أ] «مِنْ»؛ لدلالتها على التَّبعيضِ، ومنه قولُه صلعم: «حتَّى يكونَ منهنَّ ثلاثًا وثلاثينَ».
          ومنه على أجودِ الوجهينِ: {وَلَقدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام:34]، أي: ولقد جاءَك جاءٍ، وأشرتُ بقولي: «على أجودِ الوجهينِ» إلى(3) جَعْلِ الأخفشِ «مِنْ» زائدةً.
          وتقديرُ الفاعلِ المحذوفِ [باسمِ فاعلِ الفعلِ كـــ«باقٍ» بعدَ «بقيَ»، و«جاءٍ» بعدَ «جاءَ»](4) أَولى مِنْ تقديرِ غيرِه؛ لدلالةِ الفعلِ عليه لفظًا ومعنًى، ولا يُفعَلُ هذا الحذفُ غالبًا دونَ صفةٍ مقرونةٍ بـــ«مِنْ» إلَّا بعدَ نفيٍ أو نهيٍ. /
          وقد تقدَّمَ الاستشهادُ على وقوعِ ذلك بعدَ النَّهيِ في قراءةِ هشامٍ: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران:169]، وأنَّ معناهُ: ولا يَحسبنَّ حاسبٌ الَّذين قُتلوا في سبيلِ اللهِ أمواتًا، ومثلُ قراءةِ هشامٍ: قولُه صلعم: «وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَزِيدَنَّ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبَنَّ عَلَى خِطْبَتِهِ»، ومثلُه وإنْ لم يكنْ بصيغةِ النَّهيِ: «نهى رسولُ الله صلعم أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلَ(5) مِنْ مجلسِه، ويَجْلسَ فيه»، ومثلُه: «نهى صلعم عن بيعتينِ، عنِ اللِّماسِ والنِّباذِ، وأن يشتملَ الصَّمَّاءَ، وأنْ يحتبيَ في ثوبٍ واحدٍ». /
          ومِنْ حَذفِ الفاعلِ بعدَ النَّفيِ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِيْنَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِيْنَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ») انتهى. / /


[1] في (ب): (بدون).
[2] (هذا): ليست في (ب).
[3] زيد في (ب): (أن).
[4] ما بين معقوفين ليس في (ب).
[5] في النسختين: (الرجلُ الرجلَ) بذكر الفاعل والمفعول معًا ولا شاهد فيه حينئذٍ، والمثبت موافق لمصدره.