حاشية على صحيح البخاري

كتاب الجنائز

          ░░23▒▒ (كتاب الجنائز).
          ░1▒ قوله: (بابُ مَا جاءَ فِي الجَنَائِزِ، وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ): الجنائز جمع: جنازة، بالفتح والكسر لغتان للميِّت؛ وقيل: بالكسر للنَّعش، وبالفتح للميِّت، والمراد هاهنا الميِّت، وقوله: ((ومن كان آخر كلامه)) ...إلخ عطفٌ على الجنائز بمنزلة التَّفسير، فصار المعنى: باب ما جاء فيمن كان آخر كلامه لا إله إلا الله.
          وقيل: مراده بقوله: ((من كان آخر كلامه)) ذكر حديث رواه أبو داود بإسنادٍ حسنٍ، والحاكم بإسنادٍ صحيحٍ إلَّا أنَّه حذف جواب من وهو: دخل الجنَّة.
          قلت: ولا يخفى بعده، ثمَّ إنَّه جعل هذه التَّرجمة كالشَّرح لأحاديث الباب، وأشار بها إلى حمل أحاديث الباب على من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، وطريق حمله أن يجعل قوله: ((لا يشرك بالله)) كنايةً عن التَّوحيد بالقول وهي جملةٌ حاليَّةٌ، فتفيد مقارنة الموت بالتَّوحيد باللِّسان / وطريق تلك المقارنة هو أن يكون آخر كلامه: لا إله إلا الله، كما جاء في حديث أبي داود والحاكم، وهذا مسلكٌ دقيقٌ لتأويل أحاديث الباب يغني عمَّا ذكروا في تأويلها من حمل قوله: ((دخل الجنَّة)) على دخوله ولو بالآخرة، وهو بعيدٌ غير مستقيمٍ، إذ يلزم أن يدخلَ جاحد النُّبوَّة وغيرها الجنَّة إذا لم يشرك بل يلزم أن من لم يشرك ولم يوحِّد بأن كان شاكًّا مثلاً يدخل الجنَّة، فلا بدَّ من تأويلٍ آخر وهو جعل قوله: ((لا يشرك بالله شيئاً)) كناية عن نفي مُطلق الكفر، فافهم.
          ولا يخفى أنَّه يحمل دخول الجنَّة على ما فهمه المصنف على الدُّخول ابتداءً، كما هو المتبادر إذ لا يستبعدُ أن يكون إجراء الله تعالى هذه الكلمة السَّعيدة على لسانهِ في هذه الحالة من علامات أنَّه سبقت له المغفرة من الله تعالى والرَّحمة، فيكون أهل هذه الكرامة من الَّذين قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:101] والله تعالى أعلم. والعجب ممَّن قال: كأنَّ المؤلِّف أرادَ أن يفسِّر معنى قوله: ((من كان آخر كلامه)) ...إلخ بالموت على الإيمان مطلقاً.
          قلت: ولا يخفى ما فيه أمَّا أولاً فلأنَّ حمل قوله: ((من كان آخر كلامه)) (1) على هذا المعنى بعيدٌ جدًّا، وأمَّا ثانياً، فلأنَّه مخالفٌ للمعهود إذ المعهود وضع التَّرجمة شرحاً للحديث، أو مسألةً يستدلُّ عليها بالحديث لا وضع التَّرجمة ليكون الحديث شرحاً له، وأمَّا ثالثاً فلأنَّ حديث أبي ذرٍّ ونحوه معلومٌ بالإشكال محتاجٌ إلى التَّأويل بخلاف حديث: ((من كان آخر كلامه))، فينبغي أن يحملَ حديث أبي ذرٍّ ونحوه على حديث: ((من كان آخر كلامه)) ليزول به الإشكال، وأمَّا حمل حديث: ((من كان آخر كلامه)) على حديث أبي ذرٍّ ونحوه فهو ممَّا (2) يزيد في الإشكال، فأيُّ فائدةٍ في هذا الحمل، والله تعالى أعلم.


[1] من قوله: ((الخ بالموت ... إلى قوله: آخر كلامه)): ليس في (م).
[2] في (م): ((فمما)).