الوجه الصبيح في ختم الجامع الصحيح

تدوين السنة

          فمِن(1) أوَّل مَن دوَّن الحديث الزُّهريُّ بأمر عمر بن عبد العزيز بن مروان، وكذا دوَّنه الرَّبيع بن صُبيح وسعيد بن أبي عَروبة وغيرهم من أهل(2) هذا الشَّأن، وكانوا يضعون كلَّ باب منه على حِدَةٍ وَحْدَهُ، حتَّى ظهر من أظهر الله(3) تعالى كماله ومجده؛ الإمام السَّالك، عالم طيبة الإمام مالك، فدوَّن(4) الأحكام، وصنَّف «الموطَّأ»، وسلك ذلك الطَّريق أخدانُه وأقرانُه، وما عداها أحدٌ منهم ولا تخطَّا، وكان «الموطَّأ» عين تلك المؤلَّفات الفخيمة، حتَّى قال إمامنا الشَّافعيُّ ☺ صاحب المناقب العظيمة: «ما تحت أديم السَّماء أصحُّ من موطَّأ مالك»، وحسبُ كتابه من الفخر العالي شهادة الإمام الورع(5) الذَّكيِّ له بذلك، ثمَّ تلاهم مَن جاء بعدهم من أهل العصر الثَّاني،واعتنى بإفراد الحديث عن سواه في المؤلَّفات المسنَدة على رأس المائتين أعيان؛ كمُسدَّد بنِ مُسرهَد البصريِّ، و(6) نُعيم بن حمَّادٍ الخُزاعيِّ وغيرهم من ذوي المسانيد.
          وقلَّ إمامٌ إلَّا وصنَّف مسنَداً؛ كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه(7) وغيرهم من الأئمة الذين ظهر فضلهم وبدا، فظهر إمام السُّنة الكبير، وحافظ الإسلام ذو القدر الشَّهير، الحافظ النَّبيل محمد بن إسماعيل البخاريُّ، فرأى ذلك كلَّه فسلك مسلكاً أشرفَ من ذلك وأسمى، وأعلى مقاماً(8) في الصَّحيح والتَّحقيق وأنما، وقد دلَّ ذلك منه على كمال الكمال، فلذا أُفردتْ في ترجمته المؤلَّفات الشَّهيرة الطِّوال، ومن ذلك في صدر «فتح الباري» المنهلُ الرَّويُّ؛ لما ذكره فيه ممَّا يميِّز الطَّالب ويرويه فيه يرتوي.


[1] بهامش (ظ): «مطلب أصحُّ الكتب بعد القرآن موطَّأ مالك».
[2] في (ظ) هنا: «وغيرهم بل من أهله» والمثبت من (ن).
[3] سقط اسم الجلالة من (ن).
[4] في (ظ): «قدوة» والمثبت من (ن).
[5] قوله: «الورع» مثبت من (ن).
[6] في (ظ): «وأبو» وهو غلط.
[7] في (ظ) و(ن): «راهوية» بتاء آخره.
[8] في (ظ): «وأعلاها ما» والمثبت من (ن).