التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح

باب قول الله تعالى: {أحل لكم صيد البحر}

          ░12▒ (الطَّافِي) غير مهموز: المرتفع على الماء ميتًا.
          (وَقَالَ شُرَيْحٌ صَاحِبُ النَّبِيِّ صلعم : كُلُّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ فمَذْبُوحٌ) كذا جعله من قول شريح، وأسنده في «تاريخه الكبير»، فقال: حدَّثنا مسدد قال: حدَّثنا يحيى عن ابن جريح، قال: أخبرني عمرو بن دينار وأبو الزبير: سمعا شريحًا رجلًا أدرك النبي صلعم قال: «كل شيء في البحر مذبوح».
          لكن صاحب «الاستيعاب» جعله من روايته عن الصديق، قال: «كل شيء في البحر مذبوح ذبحه الله لكم، كل دابة خلقها في البحر».
          وقال القاضي في «المشارق»: «وقال شريح» كذا للكافة، وعند الأصيلي: «وقال أبو شريح»، والصواب الأول، وهو شريح بن هاني أبو هاني.
          (الْجِرِّيُّ) بكسر الجيم والتشديد، وحكى السَّفَاقُسِي فتح الجيم، ضربٌ من السمك يشبه الحيات، قاله الخطابي.
          وقال غيره: إنه نوع عريض الوسط رقيق الطرفين، وقيل: ما لا قشر له، ويقال فيه: «الجريت»، وكذا روي في بعض طرق البخاري.
          (وقِلاتُ السَّيْل) بكسر القاف جمع قَلْت بفتحها وسكون اللام، وهي النقرة في الجبل يجتمع فيها ماء المطر، ووقع في رواية الأصيلي: «قلاث» بالثاء المثلثة.
          (والسُّلَحْفَاة) بضم السين وفتح اللام وسكون الحاء.
          (وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فِي الْمُرِي: ذَبَحَ الْخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ) قال الجوهري: المُرِّي بالضم وتشديد الراء (1) ، الذي يؤتدم به كأنه منسوب إلى المرارة، والعامة تخففه وهو صحيح.
          وقال صاحب «المحكم»: في باب الراء والميم والياء: المُري معروف، وقيده بضم الميم وإسكان الراء، واشتقه أبو علي من المريء، فإن كان كذلك فليس هذا بابه، يشير إلى أنَّه من باب الهمزة.
          (والنِّينان) بكسر النون: الحيتان، جمع نون كعود وعيدان، وأصله نونان فقلبت الواو ياء لكسرة النون، قال صاحب «النهاية».
          وهذه صفةُ مُرِّيٍّ يعمل بالشام يؤخذ الخمر فيجعل فيها الملح والسمك ويوضع في الشمس فيتغير طعم الخمر إلى طعم المرِّي فتستحيل عن هيأتها كما تستحيل إلى الخلِّيَّة، يقول: كما أن الميتة حرام والمذبوحة حلال، فكذلك هذه الأشياء ذبحت الخمر فحلَّت، فاستعار الذبح للإحلال.
          وقال القاضي في «المشارق»: ويروى: «ذَبَحَ» بفتح الحاء ونصب راء الخمر على المفعول، ويروى بسكون الباء ورفع الحاء على الابتداء وإضافة ما بعده إليه، يريد طُهرها واستباحتها، وحَلَّها: صُنعُها مرِّيًا بالحوت المطروح فيها وطبخها بالشمس، فيكون ذلك لها كالذكاة للحيوان، وهذا على مذهب من يجيز تخليل الخمر، وهي مسألة خلاف.
          وقال الحافظ أبو موسى المديني: عبَّر عن قوة الملح والشمس وغلبتهما على الخمر وإزالتهما طعمها وريحها بالذبح، وإنَّما ذكر النينان دون الملح / لأن المقصود من ذلك هي دون الملح وغيره الذي فيها، ولا يسمى المعمول من ذلك إلا باسمها دون ما أضيف إليها، ولم يرد أن النينان وحدها هي التي حللته، وذهب البخاري إلى ظاهر اللفظ وأورده في طهارة صيد البحر وتحليله مريدًا أن السمك طاهر حلال، وأن طهارته وحله تتعدى إلى غيره كالملح حتى تصير الخمر الحرام النجسة بإضافتها إليها طاهرة حلالًا، وكان أبو الدرداء ممن يفتي بتحليل تخليل الخمر، فقال: إن الشمس (2) بالآلة التي أضيفت إليه من الملح وغيره قد غلب على ضراوة الخمر التي كانت فيها وأزالت شدتها، كما أن الشمس تؤثر في تخليلها فصارت خلًا فلا بأس به.
          «فالخمر» مفعول مقدم و«النينان» و«الشمس» فاعلان له، ومعناه أن أهل الريف بالشام وغيرها قد يعجنون المرِّي بالخمر، وربما يجعلون فيه أيضًا السمك المرِّي بالملح والأبزار ونحوه مما يسمونه الصحناء، إذ القصد من المري وأكله هضم الطعام فيضيفون إليه كل ثقيف أو حريف (3) ليزيد في جلاء المعدة واستدعاء الطعام بثقافته وحرافته.
          وكان أبو الدرداء وأبو هريرة وابن عباس وغيرهم من التابعين يأكلون هذا المري المعمول بالخمر ولا يرون به بأسًا، ويقول أبو الدرداء: إنَّما حرم الله الخمر بعينها وسكرها، وفيما ذبحته الشمس والملح فنحن نأكله لا نرى به بأسًا.
          واعلم أن البخاري جزم بهذا التعليق عن أبي الدرداء، وقد رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» من طريق مكحول عن أبي الدرداء ولم يسمع منه (4) .


[1] قال محب الدين البغدادي: غير معروف.
[2] في [ب] : السمك.
[3] في [ب] : خريف.
[4] قال ابن حجر رحمه الله: هذا قصور من المصنف، قد رواه إبراهيم الحربي في «غريب الحديث» بسند متصل، وأخرجه أيضًا أبو بشر الدولابي في «الكنى» كما بينت ذلك في «تغليق التعليق».