شرح الأحاديث الأولى من صحيح البخاري

حديث: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي

          الحديث الثاني:
          (عبد الله(1)): بفتح المهملة.
          (يُوْسُف) بتثليث السين، مع الهمزة وتركها؛ أي: جميل الوجه.
          (مالك(2)): أحد الأئمَّة الأربعة التي لم يجز تقليد غيرهم على ما صرَّح به ابن الصلاح وغيره.
          (هِشام) بكسر الهاء، وتخفيف المعجمة.
          (عُرْوَة) بضمِّ المهملة، وسكون الأخرى، وفتح الواو.
          (ابن الزبير) أحد الفقهاء السَّبعة(3).
          (عائشة(4)) بالهمز، القسطلانيُّ(5): وعامَّة المحدِّثين يبدلونها ياءً، حبيبة حبيب الله، المأمورة بحبِّها بضعة رسول الله، عليه وعليهما صلوات مِن الله، أمُّ المؤمنين، قال تعالى: { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6] أي: في حكم النِّكاح والاحترام، لا النظر ونكاح البنات(6) وإن أطلق عليهنَّ الأخوات، ورجَّح ابن حجر جواز أن يقال: أمَّهات المؤمنات، لكنَّ الشيخ ابن كثير وبعض العلماء المحقِّقين قالا: إنَّ الأصح في مذهب الشافعيِّ ألَّا يقال، وبه جزم البغويُّ، وبه تُشعِر عبارة «الرَّوضة»، وقد صحَّ عن عائشة: (أنا أمُّ رجالكم، لا نسائكم)، وقد فصَّلناه في «شرح الشِّفا».
          (الحَارِث(7)): بمدِّ مهملة، وكسر أخرى، ومثلَّثة.
          (سَأَلَ رَسُولَ اللهِ): الطِّيبيُّ: إنَّه بحضور عائشة، وابن حجر: يحتمل سماعها مِن حارث، فهو من مرسل الصحابة، لكنَّه كالموصول عند الجمهور، ويؤيِّده / ما جاء عن عائشة عن حارث، والأوَّل هو المشهور الذي اعتمدوا عليه.
          أقول: لعلَّ ذلك لأنَّ الرِّواية محمولةٌ على الإدراك ما لم يكن صارف، وما نُقِل؛ فهو بعد ثبوته ليس بصارف؛ لجواز اجتماع جهتي العلم؛ فتدبَّر.
          (فَقَالَ: كَيفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟): سؤال عنه إمَّا باعتبار نفس الوحي، أو حامله، أو أعمِّ، والوحي لا يتَّصف بالإتيان حقيقةً، ففي الكلام استعارة بالكناية(8) بتشبيه الوحي برجل مثلًا، وإثبات لازمه له، أو مجازٌّ عقليٌّ بجعل صفة الحامل صفةَ المحمول بتأويلٍ في غير الطَّرفين.
          أقول: أو الإتيان مجازٌ عمَّا يتَّصف به الوحي من العلم والوصول ونحوهما(9)، والله أعلم.
          (فقال): وعند أبي ذرٍّ وابن عساكر وأبي الوقت: (قال).
          (أحيانًا): (الحين): الوقت كثُر أو قلَّ ولو لحظة، ظرفٌ.
          (لَيأْتِيني): أقول: قدَّم ليدلَّ أوَّلًا على التنويع، (مِثْل) أي: مماثل صوته(10).
          (صِلْصَلَة) بلام ساكنة بين صادين مهملتين مفتوحتين، ثمَّ لام مفتوحة: الصوت الممتدُّ المتوهَّم له ترجيع، والنَّوويُّ: المتدارك، وابن حجر: أُطلِق على كلِّ ما له طنين.
          (الجَرَس): بفتحتين، الجلجل الذي على عنق الدَّوابِّ غالبًا، والتشبيه يقتضي مشاركة ما، فلا يقبَّح بالقبيح شرعًا عند قصد التَّفهيم، وهذا الصوت قيل: صوت المَلك في الأداء، وقيل: صوت أجنحته، والعلم عند الله، ومن فوائده: تفرُّغ السمع والقلب.
          (وَهُوَ أَشَدُّهُ) أي: هذا النَّوع أشدُّ الوحي، وهو يفيد أنَّ في الوحي كلِّه شدَّةً، وتلك بحيث قد يتربَّد لونه ويحمرَّ، وهو يغطُّ وناقته تضع عنقها على الأرض، ابن حجر: والظَّاهر أنَّه لا يختص بالقرآن، / ومن فوائد الشدَّة زيادةُ الزُّلفى والدَّرجات.
          أقول: فالدلالة على أنَّه ليس مِن مخترعات البشر، وامتياز خالق القِوى والقدر.
          (فيَفْصِم): بالفاء؛ كـ(يضرب)، وروي مجهولًا، مِن الفصم بمعنى: القطع من غير إبانة، بخلاف يقصم؛ بالقاف، وكـ(يكرم) معروفًا بمعنى: يقلع لازمًا، والمعنى: يقلع وتنجلي شدَّتُه، أو المراد: مفارقة المَلَك، أو انتهاء الوحي، وفي إيثار الفاء على القاف إشارةٌ إلى أنَّه يفارق ليعود.
          (وَقَدْ وَعيت): بفتح الواو والعين المهملة، حاليَّة، أي: حفظت وجمعت قبل الانقطاع عنه ما قال، الضميران للمَلك الدال عليه السياق، وإسناد القول إليه بحسب الظَّاهر؛ نحو: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة:40]، وأمَّا جهة الشدَّة وكيفيَّة الورود وغيرُهما من التفاصيل؛ فعلمها عند الله، ومن أراد البيان؛ فلم يأت بما يشفي الغليل، فقال الخطَّابيُّ: الكرب والشدَّة لثقل القول وشدَّة ما تأخذ به نفسه؛ لحسن فهمه وحفظه، أو من خوف التَّقصير، أو لامتلاء صبره، والمراد من التشبيه أنَّه متداركٌ [لا] يتثبَّت(11) أوَّل ما يقرع سمعه حتَّى ينفهم فيعيه، وفي الفهم عن مثله صعوبةٌ لا يخفى؛ فلذا كان أشدَّ، وقال التُّوْرَبَشْتيُّ(12): المقصود: ضربُ مَثَلٍ بصوت لا يُفهَم منه بشيء؛ تنبيهًا على أنَّه يرد على القلب في أُبَّهة الكبرياء، فيأخذ هيبة الخطاب، فلاقاه مِن ثقل القول ما لاعلم له به مع وجوده، فإذا سُرِّي عنه؛ وجد / المنزل ملقًى في الرَّوع؛ كالمسموع، وهذا النوع شبيه بالوحي إلى المَلَك، وهو أشدُّ؛ لأنَّه يُرَدُّ فيها عن الطبيعة البشريَّة إلى الأوضاع الملَكيَّة بغَلَبَة الروحانية، وفي الثاني بالعكس، وهو أيسر، قال الطِّيبيُّ: لا بُعدَ في أن يتحقَّق صوت يُدهِش النفس حقيقة، ويفهمه القلب، وإذا أفاق النفس؛ يتلقَّى من القلب.
          (يتمثَّل): يتشكَّل لي، قيل: لأجلي.
          (الملك): أي: جبريل، كما روي أيضًا(13).
          (رجلًا) حال مُقدَّرة؛ أي: على هيئة أو تمثُّل رجل، أقول: أو فيه حذف وإيصال؛ أي: تشكَّل رجل، يؤيِّده رواية أبي الوقت بدل (رجلًا): (أي: على مثال رجل)(14)، والله أعلم.
          (فَأَعِي): أي: حين التكلُّم أو بعده، بخلاف الأوَّل، فإنَّه قبل الانفصام، فحاصل الجواب: أنَّ الوحي إمَّا أن يأتي به المَلَك غير مُتشكِّل برجل ومعه الصَّوت المذكور، فيرد على القلب بشدَّة، فيجده بعد انجلائه محفوظًا(15)، وإمَّا أن يأتي به مُتمثِّلًا برجل وكان كلامًا متعارفًا، ففي القسمين بيان حال الوحي(16)وحامله، فصحَّ التعميم في السُّؤال.
          فإن قلت: الوحي قد يكون في النوم، والإلهام، والنفث في الرَّوع، [و]وَقْعِ دويِّ النَّحل، وبغير وساطة، وبوساطة غير جبريل، وبوساطته في خِلقته الأصليَّة.
          أُجيبَ: بعد تسليم المغايرة بأنَّ المقصود في الحديث بيانُ الغالب، لا الحصر(17) وإن سُلِّم، فما كان في زمن السؤال، لا مطلقًا، على أنَّ الظاهر أنَّ السؤال عمَّا اختصَّ وخفي وفيه واسطة، فخرج النَّوم والإلهام وما لا واسطةَ فيه.
          أقول: الذي يظهر / أن يقال المسؤول عنه والمبيَّن حال القرآن؛ لشيوع الوحي فيه، والمذكورات لم تُثبِت طرقًا له(18)، وإن سلم العموم؛ فالحصر فيها ادِّعائيٌّ مبالغةً واهتمامًا، فالكلام على الظاهر؛ فتدبَّر.
          وأمَّا ما مرَّ أوَّلًا؛ فيأباه ما في (بدء الخلق) عن عائشة أيضًا: «كلُّ ذلك يأتيني»؛ أي: الكلُّ حالتان، قاله ابن حجر، إلَّا أن يُحمَل الكلُّ على الجلِّ، على أنَّ في مغلوبيَّة النَّوم والإلهام؛ تأمَّل، وثانيًا: ففيه أنَّ خلوَّ بعض الأوقات عن الرؤيا والإلهام بعيدٌ جدًّا، وقول الكرمانيِّ: الوحي بالرؤيا أوَّل البعثة أبعدُ، وأمَّا ما مرَّ ثالثًا؛ ففيه أنَّ الظاهر أنَّ السؤال عمَّا خصَّ وخفي كونه طريقًا للوحي، لا حقيقته، والنَّوم كذلك؛ فتدبَّر، والله أعلم.
          والمَلَك: ذو جسم لطيف، يتشكَّل بأشكال مختلفة من غير تبديل في ذاته، قال إمام الحرمين: بإفناء الزائد أو إزالته عنه، ثمَّ إعادته، واختار الإمام عبد السَّلام الثاني، وقال: انتقال الروح لا يوجب موت الهيئة الأولى عقلًا، بل هو أمر ادِّعائيٌّ، وقيل: أو بالقبض والبسط؛ كالقطن، ابن حجر: الظاهر أنَّ الزَّائد لا يزول ولا يفنى، بل يخفى على الرَّائي.
          أقول: فيه ما لا يخفى على الرَّائي، والصَّواب: إحالة العلم على الله.
          (قَالَتْ عَائِشَةُ) إمَّا ألَّا يكونَ بالإسناد الأوَّل السَّابق، بل يكون تعليقًا؛ لبيان الشدَّة، أو به، وهو الذي جزم به ابن حجر، وقال: حيث يريد التَّعليق قال بالعاطف، ويؤيِّده في الجملة تصريح مسلمٍ براوٍ فيه عن عروة.
          أقول: وعلى هذا فهو انقطاع من المُصنِّف أو مِن أحد الرُّواة، وعلى التَّقديرين لا يلزم مخالفةُ الجمهور في حذف / العاطف؛ لجواز ألَّا يريد العطف، فكأنَّه قال: قالت عائشة بالسند المُقدَّم، ثمَّ إنَّ هذا الانقطاع إمَّا لأنَّ عائشة قد سمعت الأوَّل ورأت الثَّاني، كما قيل، أو لئلَّا يُتوهَّم أنَّه من كلام غير عائشة، أو لأنَّ عروة قد رواه مفصولًا.
          (وَلَقَد): الواو قسميَّة، وتحتمل العطف والتَّأكيد؛ للاهتمام، أو لأنَّه ممَّا يُنكَر؛ لغرابته أو للتبرُّك والرَّواج.
          (يَنْزِل): عند أبي ذرٍّ والأصيليِّ: (يُنزَل) مجهولًا.
          (يَفْصِمُ): كـ(يَضْرِب) المعروف، ولمعروف الأفعال.
          (جبينه): هو طرف الجبهة، قيل: أي: جبينيه، وأُفرِدَ للملازمة بينهما في العرف عادةً، وكذا في كلِّ اثنين لا يغني أحدهما عن الآخر، يقال: عينُه حسنة؛ أي: كلاهما.
          (يَتَفَصَّد): أي: يسيل، (عرقًا) بفتحتين، تمييزٌ؛ نحو: (سال الوادي ماءً)، وقالا: من الفَصد؛ وهوقطع العِرق؛ لإسالة الدَّم، فشَّبه جبينه بالعِرق المفصود، والتَّمييز لتوضيح المُبهَم؛ أي: المخرج؛ فتدبَّره.
          تتمَّة: ليس في الحديث ابتداء كيفيَّة الوحي، فلا يناسب الباب، وهو غير واردٍ على رواية البدء؛ بمعنى: الظهور.
          وأجيب: بأنَّ السؤال عن حال الابتداء، وضعَّف ابن حجر بأنَّ صيغة المستقبل تُشعِر بخلافه، وليس ههنا قرينةٌ صارفةٌ، وأجاب بأنَّ الجواب يدلُّ على الانحصار، فيشمل الابتداء، وبأنَّ التَّرجمة اشتملت على الآية المتضمِّنة؛ لأنَّ الوحي إليه كالوحي إلى الأنبياء، فناسب بيان الوحي وحامله إشارة إلى عدم التباين.
          أقول: فيهما نظر، والأَوْلى أن يُقال: إنَّ السؤال عن الحالة الثانية من غير ملاحظة زمان، فيشمل / الابتداء(19)، والمضارع بمعنى المصدر، أو للاستمرار في الأزمنة، فإنَّ (كيف) إنَّما يُسأَل به عن الحالة المستمرَّة غالبًا، كما صرَّح به السَّيِّد الشريف قُدِّس سرُّه، وظاهرٌ أيضًا أَنَّ ليس المقصود: بيان حالِ الوحي حين السؤال أو المستقبل، وقد مرَّ في أوَّل الباب(20) ما يحسم مادَّة الشبهة؛ فتدبَّره، والله أعلم، وإنَّما قدَّم هذا الحديث؛ تعقيبًا لشيخه المكِّيِّ بالإمام المدنيِّ.


[1] في هامش الأصل: (هو تنيسيُّ المنزل، دمشقيُّ الأصل).
[2] في هامش الأصل: (هو الإمام مالك بن أنس الأصبحيُّ، إمام دار الهجرة، وروى الترمذيُّ بإسناده عن رسول الله صلعم أنَّه قال: «يوشك أن يضرب النَّاس آباط الإبل المطيِّ في طلب العلم، فلا يجدون عالمًا أعلم مِن علماء المدينة»، وحمله سفيان بن عيينة وغيرُه على الإمام مالك «كرماني»).
[3] في هامش الأصل: (وهم عروة، وسعيد بن المسيَّب، وعبيد الله بن عبد الله بن عيينة بن مسعود، والقاسم بن محمَّد بن أبي بكرٍ الصِّدِّيق، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت، وفي السابع أقوال: هل هو أبو سلمة أم هو سالم، أم أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام؟ وقد جمعهم الشَّاعر على هذا القول الأخير فقال:
فخذهم عبيد الله عروة قاسم                     سعيد أبو بكر سليمان خارجة
«كرماني»).
[4] في هامش الأصل: (لها في البخاريِّ مئتان واثنان وأربعون حديثًا، «قس»).
[5] في هامش الأصل عند رمز (قس): (هذا معناه بالعبرانيَّة).
[6] في هامش الأصل: (أي: ولا الخلوة والمسافرة، «قس»).
[7] في هامش الأصل: (أي: مدًّا طبيعيًّا؛ يعني بإثبات الألف في العطف وإن حذفت من الرسم؛ تخفيفًا، كما أشار إليه «قس»).
[8] في هامش الأصل: (أي:على طريق الاستعارة المصرَّحة التبعيَّة).
[9] في هامش الأصل: (:فالوحي بمعناه، وكذا الإتيان، لكن أريد بهذه العبارة إتيانُ حامله لا بطريق الحذف كما توهَّمه البرماويُّ، بل أراد من المجموع: المجموعَ مجازًا؛ أي: فالتجوُّز في الإسناد، لا في الطرفين؛ كما هو شأن المجاز العقليِّ، وكأنَّ البرماويَّ خلط الإعراب).
[10] في هامش الأصل: (وفي «شرح القسطلانيِّ»: أي: يأتيني الوحي إتيانًا مثل... إلخ، أو حالًا: أي يأتيني مشابهًا صوتُه صلصلةَ الجرس انتهى، فهو إمَّا نعت مصدر محذوف دلَّ عليه الفعل المذكور، أو حال، ويمكن حمل كلام المؤلِّف على هذا الثَّاني، أو أنَّ في العبارة تحريفًا).
[11] في الأصل: (نتشبث).
[12] في هامش الأصل: (قال القسطلانيُّ: بضمِّ الفوقيَّة، وسكون الواو، بعدها راءٌ، فموحَّدة مكسورة، ثمَّ شين معجمة ساكنة، ففوقيَّة مكسورة، انتهى).
[13] في هامش الأصل: (في «شرح القسطلانيِّ» ما نصُّه: وفي «تفسير ابن عادل»: أنَّ جبريل نزل على النبيِّ صلعم أربعة وعشرين ألف مرَّة، وعلى آدم اثنتي عشرة مرَّة، وعلى إدريس أربعًا، وعلى نوح خمسين، وعلى إبراهيم اثنتين وأربعين، وعلى موسى أربع مئة، وعلى عيسى عشرًا، كذا قال، والعهدة عليه).
[14] في هامش الأصل: (إنَّ هذا اللَّفظ رواية أبي الوقت، ولفظ «أي» من جملة الرواية، كما يعلم من «شرح قس»).
[15] في هامش الأصل: (لعلَّه مقابل لما أسلفه عن ابن حجر، من أنَّ الظَّاهر أنَّه لا يختصُّ بالقرآن أوَّلًا، فيطلب التَّوفيق).
[16] في هامش الأصل: (قال في المصابيح: وأقسام الوحي: رؤيا المنام الصَّادقة، ونزول إسرافيل أوَّل البعثة، كما ثبت في الطُّرق الصِّحاح أنَّه ◙ وُكِّل به إسرافيل ثلاث سنين، ويأتيه بالكلمة من الوحي والشيء، ثمَّ وُكِّل به جبريل، وكان يأتيه في صورة رجل، وفي صورة دحية؛ وفي صورته التي خُلِقَ عليها مرَّتين، وفي صورة رجلٍ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشَّعر، وعورض بأنَّ ظاهره أنَّه إنَّما جاء سائلاً عن شرائع الإسلام، ولم يبلغ فيه وحيًا إليه، انتهى كلام القسطلانيِّ، نقله عن «المصابيح»، ثمَّ قال: وفي مثل صلصلة الجرس، والوحي إليه فوق السَّماوات من فرض الصَّلاة وغيرها بلا واسطة، وإلقاء المَلَك في رَوعِهِ وقلبه من غير أن يراه؛ أي: ولا يسمع صوته، واجتهاده ◙؛ فإنَّه صواب قطعًا، وهو قريب مِن سابقه إلَّا أنَّ هذا مسبَّب عن النظر، لكن يَعكِر عليه أنَّ ظاهر كلام الأصوليِّين أنَّ اجتهاده ◙ والوحي قسمان، ومجيء الملك الجبالَ ممكنًا عن الله تعالى، أمره أن يطيعه، قال: وفي «تفسير ابن عادل»: أن َّ جبريل نزل على النَّبيِّ صلعم أربعةً وعشرين ألف مرَّة، وعلى آدم اثني عشر ألف مرَّة، وعلى إدريس أربعًا، وعلى نوح خمسين، وعلى موسى أربعَ مئة، و على عيسى عشرًا، كذا قاله، والعهدة عليه).
[17] في الأصل: (انحصر).
[18] في هامش الأصل: (أي: للقرآن).
[19] في هامش الأصل: (فإنَّ الأوَّل ينافي ما مرَّ من أنَّ الحصر غير مراد، والثَّاني: مقتضاه أنَّ الوحي على باقي الأنبياء على الطريقتين، وهو ممَّا لا سند له منه).
[20] في هامش الأصل: (وهو أنَّ هذا الحديث لبيان مطلق الوحي، فإنَّ في التَّرجمة ذكر «بدء الوحي»، والوحي معًا؛ ولذا ذكر الآية في التَّرجمة منه).