الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة

المقدمة

          المقدمة:
          فصل في فوائد تتعلق(1) بالصحابة ♥
          إحداها:
          اختُلف في حدِّ الصحابي، فقال البخاري في «صحيحه»: مَنْ صَحِبَ النبي صلعم ، أو رآه من المسلمين، فهو من أصحابه، وهذه طريقة المحدِّثين.
          قال أبو المظفر السَّمْعَانِي: وهذا لِشرف منزلة النبي صلعم أَعْطُوا كلَّ من رآه شرف(2) حُكم الصحبة، وحُكيَ عن الأصوليين، أو بعضهم أنَّ الصحابي: من طالت صُحبتُه، وتكرَّرت مجالستُه، على مقتضى العُرف.
          وقد يطلق اسم الصحبة في اللغة على الشيئين، إذا كان بينهما ملابسةٌ، وإنْ قَلَّت، / أو مناسبةٌ أو مشابهة من بعض الوجوه، وتكون حقيقيةً ومجازيةً، وقد نطق مجموع الكتاب والسنة بالأمرين.
          ثم يُعرف كون الصحابي صحابيًا بالتواتر، والاستفاضة القاصرة عن التواتر، وقوله(3) أو قول صحابي بشرط العدالة.
          الثانية:
          أجمعَ من يُعتد به على تعديل الصحابة في الظاهر، ومن لابسَ الفِتَن منهم فكذلك، إحسانًا للظِّن بهم، ونظرًا إلى ما تمهَّد لهم من المآثر، قال ابن الصلاح: وكأنَّ الله أتاح الإجماع على ذلك.
          قال الحاكم المُعتزلي: كانت أحوال المسلمين يومئذ مستقيمة مستغنية عن اعتبارها، وكأنَّ العدالة كانت في الصحابي(4) منوطة بالإسلام لا غير، ويدلُّ عليه قوله صلعم : «أُوْصِيْكُمْ بِأَصْحَابِيْ، ثُمَّ الذِيْنَ يَلُوْنَهُمْ، ثُمَّ الذِيْنَ يَلُوْنَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ(5) وَلَا يُسْتَشْهَدُ» رواه جماعة من المحدِّثين بسند جيد.
          قلتُ: ويَخرج من هذا العموم من شذَّ منهم، وتغيَّر حاله، وتفاحش أمره، ولابس الفِتَن بغير تأويل، كالوليد بن عُقْبة، بُسْرُ بْنِ أَرْطَاة.
          ثم إنَّه لم يذهب أحدٌ إلى أنَّ الصحابة معصومون في الباطن والظاهر، لكنْ أجمعوا على عصمتهم في الإجماع، وإجماعهم حجة قطعية، وهذا وإن كان لازمًا في غيرهم، فإنَّما ذكرتُه؛ لأنَّه تساهل قومٌ في دِيْنِهم، فأقدموا على تَخْطِئتهم، حيث أجمعوا على(6) التقدم على عليِّ كرم الله وجهه في الخلافة، فَرَكِبوا عظيم الأخطار، واجترؤوا على هدم(7) القواعد الكبار، والله المستعان.
          الثالثة:
          أكثرهم حديثًا عن رسول الله صلعم : أبو هريرة مع تأخر إسلامه؛ وذلك لخصوصيةٍ له من رسول الله صلعم ، وأكثرهم بَعْده: ابن عمر، وعائشة، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأنس.
          و(8) أكثرهم فُتْيا: ابن عباس، وأوسعهم علمًا: عليٌّ وعمر، وأفرضُهم: زيد بن ثابت.
          وعن مسروق قال: انتهى عِلْم الصحابة إلى ستة: عمر، وعليٍّ، وأُبَيٍّ، وزيد، وأبي الدَّرْدَاء، وابن مسعود؛ ثم انتهى علم الستة إلى: علي، وابن مسعود(9).
          ومن الصحابة: العبادلة، فإذا(10) أجمعوا على مسألة، قيل: هذا قولُ العبادلة، وهم: ابن عمر، وابن عباس، / وابن الزُّبير، وابن عمرو بن العاص، وليس ابن مسعود منهم، ولا من تَسمَّى(11) عبد الله من الصحابة، وهم نحو مئتين وعشرين.
          الرابعة:
          جَمَعَ القرآنَ حفظًا على عهد رسول الله صلعم ، عشرة: علي، وعثمان، وأُبي بن كعب، ومُعاذ بن جبل، وأبو الدَّرداء، وزيد بن ثابت، وأبو زيد الأنصاري، وتميم الدَّاري، وعُبادة بن الصامت، وأبو أيوب(12) ♥ .
          الخامسة:
          لا يُعرَفُ في الصحابة أبٌ وابنه شَهِدا(13) بدرًا إلا مَرْثَد وأبوه، ولا أب، وابنه، وابن ابنه، وابن ابن ابنه، صحابيون، كلهم إلا أبو قُحَافَة والد أبي بكر، وقد(14) ثبت ذلك في بنيه من وجهين.
          وفي الصحابة سبعةُ إخوة مهاجرون، قيل: وشهدوا الخندق، وهم: بنو مُقَرِّنٍ المُزَنيُّون، النعمان وإخوته: مَعقِل، وعَقِيل، وسُوَيد، وسِنَان، وعبد الرحمن، وسابعٌ لم يُسَمَّ.
          قال ابن الصلاح، وتبعه النووي: لم يشاركهم _فيما ذَكَرَهُ ابن عبد البر وجماعةٌ_ في هذه المكرمة غيرهم.
          قلتُ ذَكَر ابن الجوزي في «عجائب النساء» أن عفراء بنت عُبيد بن ثعلبة ♦ شَهِدَ لها سبعةُ بنين مسلمين بدرًا، تزوجت الحارث بن رِفَاعة، فولَدَتْ له مُعاذًا ومُعوِّذًا، وتزوجت بعده بُكَيْر بن عبدِ ياليل الثقفي، فولدت له إياسًا، وخالدًا، وعاقلًا، وعامرًا، ثم رجعت إلى الحارث، فولدت له عوفًا، فشهدوا كلهم بدرًا، واستُشهد بها منهم: مُعاذ، ومعوِّذ، وعاقل، واستُشهد خالد يوم الرَّجيع، وعامر ببئر مَعُونَة، وإياس(15) باليمامة ♥ .
          وذكر أيضًا في عجائبهن هند بنت عُتبة، شهد لها بدرًا أربعة إخوة وعمَّان، أخَوَان وعمٌّ مع المشركين، وأَخَوانِ وعمٌّ مع المسلمين، فالأخوان المسلمان: أبو حُذيفة بن عُتبَة، ومُصعب بن عُمَير، والعمُّ المسلم: مَعمَر بن الحارث، والأخوان المشركان: الوليد بن عُتبة، وأبو عُزير، والعم المشرك: شيبة بن ربيعة.
          السادسة:
          سُئل أبو زُرْعة الحافظ عن حَمَلَة حديث رسول الله صلعم ، فقال: ومن يُحصيه! قُبِض رسول(16) الله صلعم ، عن مئة / ألفٍ، وأربعة عشر ألفًا من الصحابة ممَّن روى عنه، وسمع منه، فقيل له: هؤلاء أين كانوا، وأين سمعوا؟ قال: أهل المدينة ومكة وما بينهما، ومن(17) الأعراب، ومن شهد معه حجة الوداع، كلٌّ رآه وسمع منه.
          ثمَّ ذكر المحدِّثون أنَّهم ينقسمون إلى ثنتي(18) عشرة طبقة:
          الأولى: قدماء السابقين الذين أسلموا بمكة، كالخلفاء الأربعة.
          ثم أصحاب دار النَّدوة.
          ثم مُهاجرة الحبشة.
          ثم أصحاب العقبة الأولى.
          ثم الثانية.
          ثم المهاجرون الأولون الذين أدركوا(19) النبي صلعم بقُباء قبل أن يدخل المدينة.
          ثم أهلُ بدرٍ.
          ثم المهاجرون بين بدر والحُدَيبية.
          ثم أهل بيعة الرِّضوان.
          ثم من هاجر بين الحُدَيبية وفتح مكة.
          ثم مُسْلِمة الفتح.
          ثم الصبيان والأطفال الذين رأوا رسول الله صلعم في الفتح وحجة الوداع.
          وأهل المزايا منهم الذين نطق القرآن بفضلهم: قرابة رسول الله صلعم ، وأهلُ بيته السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وهم الذين صلوا إلى القِبْلتين، وقيل: أهل بيعة الرضوان، وقيل: أهل بدرٍ.
          ثم إنَّ ذكرهم على الإجمال والتفصيل، وبيان أهل المزايا منهم بابٌ واسع يظهر لك بمراجعة كتب هذا الفن، وأوعبُها(20) وأكثرها فائدةً كتابُ: «أُسد الغابة في معرفة الصحابة» لأبي السعادات ابن الأثير الجَزَري، ثم بعده كتاب: «الاستيعاب» للحافظ أبي عمر بن عبد البرِّ، وقد عَابَ عليه ابن الصلاح حكايته فيه لما شَجَرَ بين الصحابة، وروايته عن الإخباريين، لا المحدِّثين.
          السابعة:
          قال الإمام أبو منصور البغدادي: أصحابنا مجمعون على أنَّ أفضلهم الخلفاءُ الأربعة، ثم تمام العشرة، ثم أهلُ بدر، ثم أُحد، ثم بيعة الرضوان.
          قلتُ: وقد تجتمع وجوه التفضيل(21) في شخص واحد، وقد يتفق لبعضهم بعضًا(22)، ويفوته(23) الباقي.
          ثم اختلف السلف في أولهم إسلامًا، فقيل: خديجة، وقيل: علي، وقيل: أبو بكر، وقيل: زيد بن حارثة؛ والصوابُ: أنَّ ترتيبهم في ذلك كما ذكرنا، والأورعُ أن يقال: من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن الصبيان / علي، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن العبيد بلالٌ، والله أعلم(24).
          الثامنة:
          الصَّحيح في سِنِّ رسول الله صلعم ثلاثٌ وستون سنة، وكذلك أصحابه: أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، وعائشة.
          والزبير أربع وستون سنة.
          واثنان من أصحابه عاشا ستين في الجاهلية(25)، وستين في الإسلام، وماتا بالمدينة سنة أربع وخمسين، وهما: حكيم بن حزام(26)، وحسان بن ثابت بن المنذر(27) بن حَرَام، وقيل(28) : ثبت ذلك لحسان وآبائه الثلاثة.
          التاسعة:
          آخر الصحابة موتًا أبو الطُّفيل عامر بن وَاثِلة، مات سنة مئةٍ من الهجرة، وآخرهم قبله أنس، وهو آخر من مات منهم من الأنصار.
          وآخر من مات من أهل الصُّفَّة جابر بن عبد الله، قيل: وهو آخر الصحابة بالمدينة موتًا.
          وآخر المهاجرين موتًا(29) بالمدينة سعد بن أبي وقاص، وهو أيضًا آخر العشرة.
          وآخر من مات من البدريين أبو اليَسَر.
          وآخر من مات منهم بمكة عبد الله بن عمر، وقيل: أبو الطُّفَيل، وبالبصرة أنس، وبالكوفة عبد الله بن أُبي، وفي مصر(30) عبد الله بن الحارث بن جَزْء، وبالشام عبد الله بن بُسْر، والله أعلم.


[1] في (ص) : «يتعلق».
[2] في (ص) نقص: «شرف».
[3] في (ص) : «قوله».
[4] في (ص) : «العدالة في الصحابة كانت منوطة».
[5] في (ص) نقص: «الشاهد».
[6] في (ص) : «في التقدم».
[7] في (ص) : «هذه».
[8] في (ص) نقص: «و».
[9] في (ص) نقص: « ثم انتهى علم الستة إلى: علي، وابن مسعود.».
[10] في (ص) : «وإذا».
[11] في (ص) : «يسمى».
[12] في (ص) زيادة: «الأنصاري».
[13] في (ص) : «شهد».
[14] في (ص) نقص: «وقد».
[15] في (ص) : «الياس».
[16] جاء في حاشية الأصل: «عدد من قبض صلى الله عليه....روى عنه وسمع منه حديثه........».
[17] في (ص) نقص: «من».
[18] في (ص) : «اثنتي».
[19] في الأصل: «ذكروا»، والمثبت من (ص).
[20] في (ص) : «أوعيها».
[21] في (ص) زيادة: «كلها».
[22] في (ص) : «بعضها».
[23] في الأصل: «يفوتها»، والمثبت من (ص).
[24] في حاشية الأصل: «أول من أسلم، وأما أمير المؤمنين فولد على الفطرة، واستمر إلى أن استشهد لم يتعلق به شرك ساعة من نهار، ☺......»
[25] في (ص) : «عاشا في الجاهلية ستين».
[26] في (ص) : «حرام».
[27] في (ص) زيادة: «والمنذر بن حرام».
[28] في (ص) : «قيل».
[29] في (ص) نقص: «موتًا».
[30] في (ص) : «عبد الله بن أبي أوفى، وبمصر».