الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة

خطبة الكتاب

          ♫(1)
          الحمد لله الملك الجليل الذي أرسل محمدًا صلعم بواضح الدليل، وأذلَّ لوطأته أهل الشرك والأباطيل، بعثه من خير القرون في أعزِّ قبيل، ونوَّه بقدره وقدرهم في آيٍ كثيرة من التنزيل، وأظهر لنا أمثالهم في التوراة والإنجيل فقال تعالى مثنيًا عليهم في صورة التمثيل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:29]، وصلى الله(2) عليه وعليهم ما ناح هديل، ورسا حِراءٌ وطَفِيل.
          وبعد:
          فإنَّه لما اختصَّ أصحاب(3) النبي صلعم بشرف الصحبة، وامتاز الآلُ منهم بفضيلة القُربى، وكانوا كالوالدِينَ لنا حيث كانوا نَقَلة ديننا، والمُؤَدِّين إلينا عن نبينا، وقَبُحَ(4) منا أنْ نجهلهم، أو نقصِّرَ فيما يجب لهم، ولزم من ذلك ذكرُ تواريخهم، وفضائلهم، والإبانةُ عن حسن شمائلهم، وكان في الاشتغال(5) بذلك خدمةً للسنن النَّبوية، وربما يكون داعيًا للنفوس إلى التخلق ببعض(6) أخلاقهم الزَّكية، دعاني ذلك إلى جمع مختصرإن شاء الله يتضمَّن التعريف لمن صح له في «الصحيحين» رؤيةٌ ورواية، مُرتبًا له على الحروف، ذاكرًا في كل واحد منهم كم روى / فيهما على الإطلاق، ثم ما اتفقا عليه من سنده(7)، ثم ما انفرد به البخاري عنه، إنْ كان، ثم مسلم كذلك، ثم أذكر في آخر الحرف ما انفرد به كل واحدٍ منهما من الرجال، وكم روى عنه، وأذكرُ في كل واحد منهم من شارك «الصحيحين» في التخريج عنه من الكتب الأربعة التي هي: سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، مع بيان ما أمكن من الضبط في الاسم، والنَّسب، واللَّقب، وبيان(8) البلد، والمولد، والوفاة، وطرف من مناقبه، وعيون أخباره.
          وأُقدِّم على جميع ذلك مقدمةً تتضمن فصولًا(9) عظيمة الفوائد، واضحة المراشد، يغتبط بها العارف والمنصف(10)، ويمجُّها المنحرفُ المتعسِّفُ، واعتمادي في جميع ذلك على التتبع والنقل عن أئمتنا وسلفنا، أهلِ السابقة والفضل، وكان أول باعث لي على ذلك رجاء الإتقان؛ إذ من المعلوم أنَّ من عُني بشيء(11) وترصيفه، وأبلى نفسه فيه، حريٌّ أنْ يُتقنه.
          ثم رجوتُ أنْ ينفعني الله به وغيري، وأن يكون من جملة الأعمال الزَّاكية، والحسنات النَّامية، والأعمال بالنيَّات، وبها نظام الأمور الدينيات، وأسأل الله الإعانة والهداية والصيانة، وسلوك سُبل الخيرات، وتجنب(12) جميع المخالفات، والدوامَ على ذلك حتى الممات، لي(13) ولوالدي ومشايخي وسائر إخواننا وأحبائنا والمسلمين والمسلمات. وحسبنا الله ونعم الوكيل،(14) نعم المولى ونعم النصير.


[1] في (ص) زيادة: «وبه نستعين».
[2] في (ص) : «فصل اللهم عليه».
[3] في (ص) نقص: «أصحاب».
[4] في (ص) : «قبح».
[5] في (ص) نقص: «الاشتغال بـ».
[6] في (ص) نقص: «ببعض».
[7] في (ص) : «مسنده».
[8] في (ص) نقص: «بيان».
[9] في (ص) : «فضولا».
[10] في (ص) «المنصف».
[11] في (ص) : «لشيء».
[12] في (ص) : «يجنب».
[13] في (ص) نقص: «لي».
[14] في (ص) زيادة: «و».