النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح

باب: إذا قال الواقف لا نطلب ثمنه إلا إلى الله فهو جائز

          ░34▒ باب إِذَا قَالَ الْوَاقِفُ: لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّاْ إِلَى اللَّهِ، فَهْوَ جَائِزٌ.
          لعلَّ البخاريَّ أراد من هذه الترجمة الرَّدَّ على أبي حنيفة وغيره / من فقهاء الكوفة؛ إذ منعوا الوقف، ورأوه من قبيل السائبة؛ لأنَّ الواقف يجعل الموقوف ملكًا لله؛ فقالوا: هذا يشبه جعل المشركين الشيء ملكًا للآلهة.
          ووجه القياس عندهم: أنَّه تعطيل لملك الناس، وصرفه إلى من لا يستفيد من الملك؛ فلذلك كان شريح إذا سُئل عن الوقف، يقول: لا سائبة في الإسلام.
          وأُثِر ذلك أيضًا عن أبي حنيفة، فكان استدلال البخاريِّ بقول الأنصار للنَّبيِّ صلعم: (لا نطلب ثمنه إلا إلى الله) إبطالًا لهذا القياس، فإنَّهم جعلوه بيعًا لله، وثمنه هو ثواب الله، وصرفوا ملكهم عن الموقوف إلى الله، فليس في قولهم ذلك شبه بالسائبة، وكان ذلك عقدًا صحيحًا؛ فبطل قول أبي حنيفة: إنَّ الوقف باطلٌ شرعًا.
          ويترتَّب على البطلان عدم ترتُّب آثار العقد التي منها لزومه للواقف، فهو عندهم باطل غير لازم، خلافًا لمن تأوَّل عن أبي حنيفة أنَّه عنى عدم اللزوم لا البطلان الشرعي.