النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح

باب قول الله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين}

          ░8▒ باب قول الله تعالى: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:11]
          فيه قول البخاريِّ: / وَقَدْ قَالَ رسول الله صلعم: «إِيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَديث».
          وهو صدر حديث رواه مالك في ((الموطأ))، وأسنده البخاريُّ عنه في كتاب الأدب، وهو أصل عظيم.
          والمراد بالظن المحذَّر منه، الظنُّ الذي لا دليل عليه. والبخاريُّ كغيره، من الذين جعلوا الأثر هو الأصل الأول في الفقه، يرون أنَّ الظنَّ الذي لم يعضده الكتاب أو السنة لا يحتجُّ به؛ لأنَّه عرضة للخطأ، فلذلك جعل هذا الحديث أصلًا ردَّ به على أبي حنيفة في استدلاله بالاستحسان كما هنا، وفي مواضع أخرى تأتي في أبواب هذا ((الجامع)).
          فمقصده من ذكر هذا الحديث هنا الردُّ على ما حكاه عنه بقوله: ثُمَّ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: يَجُوزُ إِقْرَارُهُ بِالوَدِيعَةِ وَالبِضَاعَةِ والمُضَارَبَةِ؛ أي: أثبت تفرقة فيما تسلط عليه الإقرار لا دليل عليها من السنة، وليس مراد البخاريِّ الردَّ على قول أبي حنيفة: لا يجوز إقرار المريض بالدَّين للوارث لسوء الظنِّ بالمقرِّ؛ لأنَّ سوء الظن إذا كان بمعنى التهمة، كما أراده أبو حنيفة، يبعد أن يكون دليلًا، فقد قال به كثير من العلماء في مواضع، وفي مقدمتهم مالك بن أنس في هذا الباب؛ باب الإقرار على تفضيل فيه، وهذا مجال واسع للاجتهاد، وقد أظهر البخاريُّ فيه رأيه الذي أصَّله في مواضع كثيرة.