مطلع النيرين المختصر من الصحيحين

وحشي بن حرب الحبشي

          وَحشيُّ بنُ حَربٍ الحبَشيُّ
          من سُكَّانِ مكَّةَ، مَولى جُبيرِ بنِ مُطعِمٍ، ويُقالُ: هو مَولًى لطُعَيمةَ بنِ عَديٍّ، يُكْنى: أبا دَسِمةَ، وهو الذي قتَلَ حمزةَ بنَ عبدِ المطَّلِبِ يومَ أُحدٍ، وكان يومَئذٍ كافراً، ثمَّ أسلمَ وحشيٌّ بعد أخذِ الطائفِ، وشَهِدَ اليَمامةَ، ورمَى مُسيلِمةَ بحَربتِه التي قتَلَ بها حمزةَ، وكانَ يقولُ: قتَلتُ بحربَتي هذه خيرَ الناسِ وشرَّ الناسِ(1).
          وهو من أفرادِ البخاريِّ.
          له حديث واحد من رواية جعفرِ بن عمروِ بن أميَّة الضَّمريِّ قالَ: خرجت مع عبيدِ اللهِ بن عديِّ بن الخيارِ فلمَّا قدمنا حمصَ قال لي عبيدُ الله: هل لكَ في وحشيٍّ نسألُهُ عن قتلِ حمزةَ؟ قلت: نعم، وكان وحشيٌّ يسكنُ حمصَ فسألنا عنهُ، فقيل لنا: هو ذاكَ في ظلِّ قصرهِ كأنَّه حميت.
          قال: فجئنا حتى وقفنَا عليه نسيرُ فسلَّمنا فردَّ السلامَ وعبيدُ الله معتجرٌ بعمامةٍ ما يَرى(2) وحشيُّ إلا عينَيهِ ورجليهِ، فقال عبيدُ الله: يا وحشيُّ أتعرفنِي؟ قالَ: فنظرَ إليه، ثمَّ قالَ: لا(3)، إلا أني أعلمُ أنَّ عديَّ بن الخيارِ تزوَّج امرأةً يقال لها: أمُّ قتالٍ بنتُ أبي العاصِ، فولدَت له غلاماً بمكَّة فكنتُ أسترضِعُ له فحملتُ ذلك الغلامَ معَ أمِّه فناولتُها إيَّاه قال(4): فلكأنِّي نظرتُ إلى قدميكَ،(5) فكشفَ عبيدُ الله عن وجهِه، ثمَّ قالَ: ألا تخبرُنا بقتلِ حمزةَ؟ قالَ: نعَم إنَّ حمزةَ قتلَ طعيمةَ بن عديِّ بن الخيار ببدرٍ، فقال لي مولَاي جبيرُ بن مطعمٍ: إن قتلتَ حمزةَ بعمِّي فأنتَ حرٌّ فلمَّا أن خرجَ الناسُ عن عَينَينِ _وعينينِ: جبلٌ بحيالِ أحدٍ_ بينَه وبينهُ وادٍ خرجتُ مع النَّاس إلى القتالِ فلمَّا أن اصطفُّوا للقتالِ خرجَ سباعٌ، فقال: هل من مبارِزٍ؟ فخرج إليهِ حمزةُ، فقال: يا سباع يا ابنَ أمِّ أنمار مقطعةُ البظورِ أتحادُّ اللهَ ورسولَهُ؟ قالَ: ثمَّ شدَّ عليه(6) فكانَ كأمسِ الذَّاهبِ.
          قال: وكمنتُ لحمزةَ تحت صخرةٍ فلمَّا دنا منِّي رميتُه بحربتي فأضعُها تحتَ ثديَيهِ حتى خرجَت من بينِ وركَيه(7) فكانَ ذاك العهدُ به، فلمَّا رجعَ النَّاس رجعتُ معهم فأقمتُ بمكَّةَ حتى فشَا / فيها الإسلامُ، ثمَّ خرجتُ إلى الطَّائف فأرسلُوا إلى رسولِ الله صلعم رسلاً، فقيل له(8): لا يهيجُ الرسلَ.
          قال: فخرجتُ معهُم حتى قدمتُ على رسولِ الله صلعم فلما رآني قالَ: ((أنتَ وحشيٌّ؟)) قلتُ: نعم، قالَ: ((أنتَ قتلتَ حمزةَ؟)) قلت: قَد كانَ من الأمرِ ما بلغَكَ، قالَ: ((فهل تستطيعُ أن تغيِّبَ وجهَكَ عنِّي؟)) قالَ: فخرجتُ، فلمَّا قبضَ رسولُ الله صلعم فخرجَ مسيلمةُ الكذَّاب، قلت: لأخرجنَّ إلى مسيلمَةَ فلعلِّي أقتلُهُ فأكافئَ بهِ حمزةَ، قالَ: فخرجتُ مع النَّاس، فكانَ من أمرِهِ ما كانَ فإذا رجلٌ قائمٌ في ثلمَةِ جدارٍ كأنَّه جملٌ أورقُ ثائرُ الرَّأسِ، قالَ: فرميتُهُ بحربتِي فأضعُها بينَ ثديَيهِ حتَّى خرجَت(9) بينِ كتفَيهِ، قالَ: ووثبَ إليهِ رجلٌ من الأنصارِ فضربَه بالسَّيف على هامتِهِ.
          قال عبدُ الله بن الفضلِ: وأخبرَني سليمانُ بن يسارٍ، أنَّه سمع عبدَ الله بن عمرَ يقول: فقالَتْ جاريةٌ على ظهرِ بيتِهِ: وا أميرَ المؤمنينَاه، قتلَهُ العبدُ الأسودُ.


[1] من قوله: ((من سكان مكة... إلى قوله: ...وشر الناس)): ليس في (ز) و(ف).
[2] ((ما يرى)): ليس في (ف).
[3] في (ز) زيادة: ((والله)).
[4] ((قال)): ليس في (ز).
[5] في (ز) زيادة: ((قال)).
[6] في (ز) و(ف) زيادة: ((حمزة)).
[7] في (ز) زيادة: ((قال)).
[8] في (ز) و(ف): ((فقيل إنه)).
[9] في (ز) و(ف) زيادة: ((من)).