مطلع النيرين المختصر من الصحيحين

حديث: ما فعل كعب بن مالك؟

          عن عبد الرَّحمنِ بن عبد اللهِ بن كعبِ بن مالكٍ: أنَّ عبد اللهِ بن كعبٍ كانَ قائِدَ كعبٍ _من بَنِيهِ_ حين عَمِيَ، وكان أعلمَ قومهِ وأوعاهُم لأحاديثِ أصحَابِ رسولِ الله صلعم، قالَ: سمعتُ كعبَ بن مالكٍ يحدِّثُ حديثهُ حين تخلَّفَ عن رسُولِ اللهِ صلعم في غزوَةِ تبوكَ، قال كعبٌ: لم أتخلَّفْ عن رسُولِ اللهِ صلعم في غزوَةٍ غزاهَا قطُّ إلا في غزوَةِ تبوكَ، غيرَ أنِّي قَد تخلَّفتُ في غزوةِ بدرٍ ولم يعاتِبْ أحداً تخلَّف عنهُ، إنَّما خرج رسولُ الله صلعم والمسلمونَ يريدونَ عِيْرَ قريشٍ حتى جمَعَ الله بينَهُم وبينَ عدوِّهم على غيرِ ميعادٍ.
          ولقد شهدتُ مع رسولِ الله صلعم ليلةَ العقبَةِ حين تواثَقْنَا على الإسلامِ، وما أحبُّ أنَّ لي بها مشهدَ بدرٍ وإن كانت بدرٌ أذكَرَ في النَّاس منها، فكانَ من(1) خبَرِي حينَ تخلَّفتُ عن رسُولِ اللهِ صلعم في غزوَةِ تبوكَ أنِّي لم أكن قطُّ أقوى ولا أيسَرَ منِّي حين تخلَّفتُ عنهُ في تلكَ الغزوَةِ، فواللهِ(2) ما جمَعْتُ قبلَهَا راحلَتَين قطُّ حتى جمعتُهُمَا في تلكَ الغزوَةِ.
          وللبخاري ☼ من حديثِ يونُسَ: ولم يكنْ رسولُ الله صلعم يريدُ غزوَةً إلا وَرَّى بغيرِهَا حتى كانَتْ تلكَ الغزوَةُ، فغزاهَا رسولُ الله صلعم في حرٍّ شديدٍ واستقبلَ سفراً بعيداً ومفازاً، واستقبلَ عدوًّا كثيراً، فجلَّا للمسلمينَ أمرَهُم ليتأهَّبُوا أهبةَ غزوِهِم فأخبرَهُم بوَجهِهِم الذي يريدُ والمسلمونَ مع رسولِ الله صلعم كثيرٌ، ولا يجمعُهُم كتابٌ حافظٌ(3)، يريدُ بذلك الدِّيوانَ، قال كعبٌ: فقلَّ رجلٌ يريدُ أن يتغيَّبَ إلَّا ظنَّ أن ذلك سيَخفَى ما لم ينزِل فيه وحيٌ من الله ╡.
          وغزا رسولُ الله صلعم تلك الغزوَةَ حين طابَتِ الثِّمارُ والظِّلالُ، فأنَا إليها أصعَرُ فتجهَّزَ رسولُ الله صلعم / والمسلمون معهُ، وطفِقتُ أغدُو لكي أتجهَّزَ معهم فأرجعُ ولم أقضِ شيئاً، وأقولُ في نفسِي: أنا قادرٌ على ذلك إذا أردتُ فلم يزل ذلك يتمادَى بي حتى استمرَّ بالنَّاس الجدُّ، فأصبحَ رسول الله صلعم غادياً والمسلمونَ معَه، ولم أقضِ من جهَازِي شيئاً، ثمَّ غدَوْتُ فرجعْتُ ولم أقضِ شيئاً، فلم يزلْ ذلكَ يتمَادَى بي حتَّى أسرَعُوا وتفارَطَ الغزوُ فهمَمْتُ أن أرتَحِلَ فأدرِكَهُم _فيا ليتَنِي فعلْتُ_ ثمَّ لم يقدَّرْ ذلكَ لي فطفقْتُ إذا خرجْتُ في النَّاسِ بعدَ خُروجِ رسُولِ اللهِ صلعم يحزنُنِي أنِّي لا أرَى لي أسْوةً إلَّا رجلاً مَغمُوصاً عليهِ في النِّفاقِ، أو رجُلاً ممَّن عذَرَ اللهُ من الضُّعفاءِ.
          ولم يذكُرنِي رسُولُ الله صلعم حتَّى بلغَ تبوكَ، فقال وهو جالسٌ في القومِ بتبوكَ: ((مَا فعلَ كعبُ بنُ مالكٍ؟)) فقال رجلٌ من بنِي سلمةَ: يا رسُولَ اللهِ، حبسَهُ بُردَاهُ والنَّظرُ في عِطفَيهِ، فقال لهُ معاذُ بن جبَلٍ: بئسَ ما قلتَ، والله يا رسُولَ اللهِ ما علِمنَا عليه إلَّا خيراً، فسكَتَ رسُولُ الله صلعم، فبينَمَا هوَ عَلى ذلكَ رأى رجُلاً مبيضاً يزولُ به السَّرابُ، فقال رسُولُ الله صلعم: ((كُنْ أبَا خيثمَةَ)) فإذا هوَ أبو خيثمَةَ الأنصَاريِّ وهو الَّذي تصدَّقَ بصَاعِ التَّمرِ حينَ(4) لمزَهُ المنافقونَ، قال كعبٌ: فلمَّا بلغنِي أنَّ رسُولَ الله صلعم قَد توجَّهَ قافلاً من تبوكَ، حضَرَنِي بثِّي فطفقْتُ أتذكَّرَ الكذِبَ وأقولُ: بمَ أخرجُ من سَخطِهِ غداً؟ وأستَعِينُ عَلى ذلكَ بكلِّ ذِي رأيٍ من أهلِي: فلمَّا قيلَ: إنَّ رسُولَ اللهِ صلعم قَد أظلَّ قَادماً، زاحَ عنِّي البَاطلُ حتَّى عَرْفتُ أنِّي لن أنجوَ منه بشَيءٍ أبداً، فأجمعْتُ صَدقَهُ.
          وصبَّحَ رسُولُ الله صلعم قَادماً، وكانَ إذا قدِمَ من سَفرٍ بدأَ بالمسجدِ فركَعَ فيهِ ركعتَينِ، ثمَّ جلسَ للنَّاسِ، فلمَّا فعلَ ذلك جَاءهُ المخلَّفونَ، فطفِقُوا يعتَذِرونَ إليه ويحلفُونَ لهُ _وكانُوا بضعَةً وثمانينَ رجلاً_ فقبلَ منهُم علانيتَهُم، وبايعَهُم واستغفَرَ لهم، ووَكَل(5) سرائِرَهم إلى اللهِ حتى جئتُ(6) فلما سلَّمتُ تبسَّمَ تبسُّمَ المغضَبِ، ثمَّ قالَ: ((تعالَ)) فجئتُ أمشِي حتى جلسْتُ بينَ يدَيهِ، فقال لي: ما خلَّفَكَ؟ ألم تكُن قَد ابتَعتَ ظهرَكَ؟)) قالَ: قلتُ: يا رسُولَ اللهِ، إنِّي والله لو جلسْتُ عندَ غيرِكَ من أهل الدُّنيا لرأيتُ أنِّي سأخرجُ من سخطِهِ بعذرٍ، لقد أُعطِيتُ جدَلاً، ولكنِّي _والله_ لقد علمْتُ لئنْ حدَّثتُكَ(7) حَديثَ كذِبٍ ترضَى بهِ عنِّي ليوشكنَّ اللهُ أن يُسخِطكَ عليَّ، ولئن حدَّثتكَ حَديثَ صِدْقٍ تجدُ عليَّ فيه إنِّي لأرجُو فيه عُقبَى اللهِ ╡ / _في رواية: عفوَ الله_ واللهِ ما كانَ لي من عُذرٍ، واللهِ ما كنتُ قطُّ أقوَى ولا أيسَرَ منِّي حينَ تخلَّفتُ عنكَ، قالَ: فقالَ رسولُ الله صلعم: ((أمَّا هذَا فقد صَدَقَ، فقُم حتَّى يَقضِيَ اللهُ فيكَ)) فقمْتُ.
          وثارَ رجالٌ من بني سلمَةَ فاتَّبعونِي، فقالوا لي: واللهِ ما علمنَاكَ أذنَبتَ ذنباً قبلَ هذَا لقد عجَزْتَ في ألَّا تكونَ اعتَذرتَ إلى رسُولِ الله صلعم بما اعتَذرَ إليه المخلَّفونَ، فقَد كانَ كافِيكَ ذنبَكَ استغفارُ رسُولِ الله صلعم لك، قالَ: فواللهِ ما زالوا يؤنِّبونَنِي حتى أردْتُ أن أرجِعَ إلى رسُولِ الله صلعم فأكذِّبَ نفْسِي، قالَ: ثمَّ قلتُ لهم: هل لَقِيَ هذا معِي من أحدٍ؟ قالوا: نعم لقِيَهُ معكَ رجلانِ قالا مثلَ ما قلتَ وقيلَ لهمَا مثلَ ما قيلَ لك، قالَ: قلتُ: مَن هما؟ قالوا: مُرارَةُ بن ربيعَةَ العامريُّ وهلالُ بن أميَّة الواقفِيُّ، قالَ: فذكَرُوا لي رجلَينِ صالحَينِ قَد شهِدَا بدراً فيهمَا(8) أسوَةٌ، قالَ: فمضَيتُ حين ذكروهمَا لي، قالَ: ونَهى رسول الله صلعم المسلمين عن كلامِنَا _أيُّها الثَّلاثة_ من بين من تخلَّفَ عنهُ.
          قال: فاجتنبَنَا النَّاسُ، أو قالَ: تغيَّرُوا لنَا حتى تنكَّرَتْ لي في نفسِي الأرضُ، فما هيَ بالأرضِ التي أعرِفُ فلبِثنَا على ذلك خمسينَ ليلَةً، فأمَّا صاحبَايَ فاستكَانَا وقعدَا في بيوتهما يبكِيَان، وأمَّا أنا فكنتُ أشَبَّ القومِ وأجلدَهُم، فكنتُ أخرجُ فأشهَدُ الصَّلاةَ وأطوفُ في الأسوَاقِ ولا يُكلِّمنِي أحدٌ وآتي رسولَ الله صلعم فأسلِّم عليه وهو في مجلسِهِ بعد الصَّلاةِ فأقول في نفسِي: هل حرَّكَ شفتيهِ بردِّ السَّلامِ أم لا؟ ثمَّ أصلِّي قريباً منه وأسارقُهُ النَّظرَ فإذا أقبلتُ على صلاتي نظرَ إليَّ، وإذا التفَتُّ نحوَهُ أعرَضَ عنِّي حتى إذا طالَ عليَّ ذلك من جَفوَةِ المسلمين مشيتُ حتى تسوَّرتَ جدَارَ حائطِ أبي قتادَةَ، وهو ابنُ عمِّي وأحبُ النَّاس إليَّ فسلمتُ عليه، فوالله ما ردَّ عليَّ السلامَ، فقلتُ له: يا أبا قتادةَ أنشُدُكَ بالله هل تعلَمُني أنِّي أحبُّ اللهَ ورسولَهُ؟ قالَ: فسكَتَ، فعدتُ فناشدتُهُ فسكَتَ فعدتُ فناشدتُهُ، فقال: اللهُ ورسولُهُ أعلمُ، ففاضَتْ عينَايَ وتولَّيتُ حتى تسوَّرتُ الجدَارَ، فبينما أنَا أمشِي في سوقِ المدينَةِ إذا نبطِيٌّ من نبطِ أهلِ الشَّام ممَّن قدِمَ بالطَّعامِ يبيعُهُ بالمدينةِ يقولُ: مَن يدلُّ(9) على كعبِ بن مالكٍ؟ قالَ: فطفِقَ النَّاسُ يشيرونَ له إليَّ، حتى جاءَني فدفعَ إليَّ كتاباً من مَلكِ غسَّانَ وكنتُ كاتباً(10) فقرأتُهُ فإذا فيه: أمَّا بعد: فإنَّهُ قَد بلغنا أنَّ صاحبَكَ قَد جفَاكَ ولم يجعلكَ اللهُ بدارِ هوانٍ ولا مضيعَةٍ، فالحَق بنا نُواسِكَ، / قالَ: فقلتُ حين قرأتُها: وهذِهِ أيضاً من البلاءِ.
          فتيمَّمتُ بها التَّنُّورَ فسجَرتُها، حتى إذا مضَتْ أربعونَ من الخمسينَ، واستلبَثَ الوحيُ إذا رسولُ رسولِ الله صلعم يأتيني فقال: إنَّ رسولَ الله صلعم يأمرُكَ أن تعتزِلَ امرأتَكَ، قالَ: فقلتُ: أطلِّقُها أم ماذَا أفعلُ(11)؟ قالَ: لا بل اعتزِلهَا فلا تقربَنَّها، قالَ: وأرسلَ إلى صاحبَيَّ بمثلِ ذلك، قالَ: فقلتُ لامرأتِي: إلحَقِي بأهلكِ فكونِي عندَهُم حتى يقضيَ اللهُ في هذا الأمرِ، قالَ: فجاءَت امرأةُ هلالِ بن أميَّةَ رسولَ الله صلعم فقالَتْ له: يا رسُولَ اللهِ إنَّ هلالَ بن أميَّةَ شيخٌ ضائعٌ ليس له خادمٌ فهل تكرَهُ أن أخدمَهُ؟ قالَ: ((لَا ولكنْ لا يَقربَنَّكِ)). فقالت: إنَّه _والله_ ما بهِ حركَةٌ إلى شيءٍ، ووالله ما زالَ يبكِي منذُ كانَ من أمرِهِ ما كانَ إلى يومِهِ هذا، قالَ: فقالَ لي بعضُ أهلِي: لو استأذَنْتَ رسُولَ الله صلعم في امرأتِكِ فقَد أذِنَ لامرأَةِ هلالِ بنِ أميَّةَ أن تخدمَهُ.
          قال: فقلتُ: لا أستأذِنُ فيها رسُولَ الله صلعم وما يُدرينِي ماذا يقولُ رسُولُ الله صلعم إذا استأذَنتُهُ فيها وأنا رجلٌ شابٌّ، قالَ: فلبثْتُ بذلكَ عشرَ ليالٍ فكمُلَ لنا خمسُونَ ليلَةً من حين نَهَى عن كلامنَا.
          قال: ثمَّ صلَّيتَ صلاةَ الفَجرِ صبَاحَ خمسينَ ليلَةٍ على ظَهرِ بيتٍ من بيوتِنَا، فبينَا أنا جالسٌ على الحالِ التي ذكرَ اللهُ منَّا قَد ضاقَتْ عليَّ نفسِي، وضاقَتْ عليَّ الأرضُ بما رحبَتْ، سمعْتُ صَوتَ صَارخٍ أوفَى على سَلْعٍ يقول بأعلَى صوتِهِ: يا كعبَ بنَ مالكٍ أبشِرْ، قالَ: فخرَرْتُ ساجداً، وعرفتُ أن قَد جاءَ فرَجٌ، قالَ: وآذنَ رسولُ الله صلعم النَّاسَ بتوبَةِ الله علينا حينَ صلَّى صلاةَ الفجرِ فذهبَ النَّاسُ يبشِّرونَنَا، فذهبَ قبلِ صاحِبَيَّ مبشرونَ وركضَ رجلٌ إليَّ فرساً، وسعَى ساعٍ من أسلَمَ قبلي وأوفَى على الجبلِ فكان الصَّوتُ أسرَعَ من الفرسِ، فلمَّا جاءَني الَّذي سمعتُ صوتَهُ يبشِّرني نزعتُ له ثوبَيَّ فكسوتُهُمَا إيَّاهُ ببشارتِهِ، والله ما أملكُ غيرَهُما يومئذٍ، واستَعرتُ ثوبينِ فلبستُهُما وانطلقتُ أتأمَّمُ رسولَ الله صلعم، يتلقَّاني الناسُ فوجاً فوجاً يهنِّئونَنِي بالتَّوبةِ ويقولون: ليَهنِكَ توبةُ اللهِ عليك، حتى دخلتُ المسجدَ، فإذا رسولُ الله صلعم حوله النَّاس فقامَ طلحةُ بن عبيد الله يهروِلُ حتى صافَحَنِي وهنَّأَني، والله ما قامَ رجلٌ من المهاجرينَ غيرُهُ، قالَ: وكان(12) كعبٌ لا ينسَاهَا لطلحَةَ، قال / كعب: فلمَّا سلَّمْتُ على رسول الله صلعم قالَ: وهو يبرُقُ وجهُهُ من السُّرورِ: ((أبشِرْ بخيرٍ يومٍ مرَّ عليكَ منذُ ولدَتكَ أمُّكَ)) قالَ: فقلتُ: أمِن عندِكَ يا رسُولَ اللهِ أم من عندِ الله؟ فقال: ((لَا، بل من عندِ اللهِ تعالى)) وكان رسولُ الله صلعم إذا سُرَّ استنارَ وجهُهُ حتى كأنَّ وجهَهُ قطعَةُ قمَرٍ، قالَ: وكنَّا نعرفُ ذلك، قالَ: فلمَّا جلستُ بينَ يدَيهِ، قلت: يا رسُولَ اللهِ، إنَّ من توبَتِي أن أنخلِعَ مِن مَالي صَدقَةً إلى اللهِ وإلى رسُولِهِ(13)، فقال رسُولُ اللهِ صلعم: ((أَمسِكْ بعضَ مالِكَ، فهُو خيرٌ لكَ)).
          قال: فقلت: فإنِّي أمسكُ سهمِي الَّذي بخيبَرَ، قالَ: وقلتُ: يا رسُولَ اللهِ، إنَّ الله إنَّما أنجاني بالصِّدقِ وإن من توبَتِي ألَّا أحدِّثَ إلا صدقاً ما بقيتُ، قالَ: فواللهِ ما علمتُ أحداً من المسلمينَ أبلاهُ الله في صدقِ الحديثِ منذ ذكرتُ ذلك لرسولِ الله صلعم أحسنَ ممَّا أبلاني اللهُ ╡، ووالله ما تعمَّدتُ كذبةً منذ قلتُ ذلك لرسولِ الله صلعم إلى يومِي هذا، وإنِّي لأرجو أن يحفظَنِي الله ╡ فيمَا بقيَ.
          قال: فأنزلَ الله ╡: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} حتى بلغَ: {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ . وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} حتى بلغ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:117 -119]، قال كعبٌ: والله ما أنعَمَ الله عليَّ من نعمةٍ قطُّ بعد إذ هدانِي الله للإسلامِ أعظَمَ في نفسِي من صدقِي رسولَ الله صلعم ألَّا أكونَ كذبتُهُ فأهلكَ كما هلكَ الذين كذَبُوا، إنَّ الله قال للَّذين كذَبُوا حين أنزل الوحيَ شرَّ ما قال لأحدٍ، فقال الله: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ . يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:95 -96] .
          قال كعب: كنا خلِّفنا _أيُّها الثَّلاثة_ عن أمرِ أولئك الذين قبِلَ منهم رسولُ الله صلعم حين حلَفُوا له فبايَعَهم واستغفرَ لهم وأرجأَ رسول الله صلعم أمرَنَا حتى قضَى الله فيهِ، فبذلك قال الله ╡: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة:118] وليس الذي ذكَرَ ممَّا خلِّفنا تخلَّفَنَا عن الغزوِ، وإنَّما هو تخليفُهُ إيَّانا وإرجاؤُهُ أمرَنا عمَّن حلفَ له واعتذرَ إليه فقبلَ منه.
          وفي رواية: ونهى النَّبي صلعم عن كلامِي وكلامِ صاحبيَّ ولم ينهَ عن كلامِ أحدٍ من المتخلِّفينَ غيرَنا فاجتنَبَ الناسُ كلامَنَا، / فلبثتُ كذلك حتى طالَ عليَّ الأمرُ، وما من شيءٍ أهمَّ إليَّ من أن أموتَ فلا يصلِّي عليَّ النبيُّ صلعم، أو يموتَ رسولُ الله صلعم فأكونَ من النَّاسِ بتلكَ المنزلةِ، فلا يكلِّمنِي أحدٌ منهم ولا يسلِّمُ عليَّ ولا يصلِّي عليَّ(14)، قالَ: فأنزلَ(15) الله توبتَنَا على نبيِّهِ صلعم حين بقيَ الثُّلثُ الآخر(16) من الليلِ، ورسولُ الله صلعم عندَ أمِّ سلمةَ وكانت أمُّ سلمَةَ محسنةً في شأني معنيَّةً بأمرِي، فقال رسول الله صلعم: ((يا أمَّ سلمَةَ تِيبَ على كعبٍ)) قالت: أفَلَا أرسلُ إليه فأبشِّرُهُ؟ قالَ: ((إذاً يحطِمُكُم الناسُ فيمنعونَكُم النَّوم سائر اللَّيلِ)) حتى إذا صلَّى رسول الله صلعم صلاةَ الفجرِ آذَنَ رسول الله صلعم بتوبةِ الله علينَا.
          وفي رواية: أنَّ النبيَّ صلعم خرجَ يومَ الخميسِ في غزوَةِ تبوكَ وكانَ يحبُّ أن يخرجَ يومَ الخميسِ.
          وفي رواية نحوه وفيها: أنَّ رسول الله صلعم كانَ لا يقدُمُ من سفرٍ إلَّا نهاراً في الضحى فإذا قدمَ بدأ بالمسجِدِ فصلَّى فيه ركعتَينِ ثمَّ جلس فيهِ.


[1] ((من)): ليس في (ف).
[2] في (ز) و(ف): ((والله)).
[3] في (ز): ((كتابٌُ حافظٌٍ)) كلاهما عليهما (معاً).
[4] في الأصل: ((حتى)).
[5] في (ز): ((ووَكَل)): فوقها (خف).
[6] ((حتى جئت)): ليس في (ف).
[7] في (ز) و(ف) زيادة: ((اليوم)).
[8] في (ف): ((فهما)).
[9] في (ف): ((يدلني)).
[10] في (ف): ((غسان وكتب كتابا)).
[11] ((أفعل)): ليس في (ف).
[12] في (ز): ((فكان)).
[13] في (ف) زيادة: ((قال)).
[14] ((ولا يصلي علي)): ليس في (ف).
[15] في (ز) و(ف): ((وأنزل)).
[16] في (ف): ((الآخير)).