شرح الأحاديث الأولى من صحيح البخاري

تنبيهات

          تنبيهاتٌ:
          الأوَّل: أنَّ الحديث دالٌّ على أنَّ أول نازل مِن القرآن: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} الآيات [العلق:1-5]، وفي «الكشَّاف»: أنَّه فاتحة الكتاب، وقال جابرٌ: {يا أيُّها المُدَّثِّر} [المدثر:1] كما سيجيء، قال النَّوويُّ: الأوَّل هو الصَّواب الذي عليه الجمهور، والأخيران باطلان، ولا تغترَّ بجلالة مَن نقلا عنه، فإنَّ المخالفين هم الجماهير، ثمَّ إنَّا نتمسَّك بالدَّلائل الظاهرة، انتهى، وقد جمع بعض المحقِّقين بأنَّ أوَّل نازل مِن الآيات: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} الآيات [العلق:1-5]، وأوَّل آياتٍ نزلت بعد الفترة: {يا أيها المدَّثِّر} [المدثر:1] الآيات، وأوَّل سورة نزلت فاتحةُ الكتاب.
          الثاني: المتابعةُ موافقة راوٍ(1) معتبرٍ لراوي الحديث أو أحد مشايخه في المتن والإسناد، فإن كانت الموافقة في رجال السند كلِّها _كمتابعة أبي صالح_ تُسمَّى تامَّةً، وإلَّا؛ فناقصةٌ؛ كمتابعة / هلال، وهو يشبه التَّعليق، فلو وافق الصحابيُّ المذكورُ في السند صحابيًّا آخر؛ فهو أيضًا متابعةٌ، صرَّح به النوويُّ، والطِّيبيُّ، لكن ذكر ابن حجر في «شرح النخبة» أنَّ الاقتصار في المتابعة تامَّة أو ناقصة على اللَّفظ، بل لو جاءت بالمعنى؛ لكفى، لكن اختُصَّ بكونها مِن رواية ذلك الصحابيِّ، فإن وُجِد متنٌ براوية صحابيٍّ آخر يشهد بلفظه ومعناه أو معناه فقط؛ فشاهدٌ، وقد تُختَصُّ المتابعة بما حصل باللَّفظ من رواية صحابيٍّ أوَّلًا، والمتابعة تفيد التَّقوية، فيُذكَر من الضعيف المعتبَرُ.
          قال النَّوويُّ: إذا قلنا: تابعه مالكٌ عن أيَّوب؛ فظاهر، وإن اقتصرنا على مالك؛ فلا يَعرف لمن المتابعة إلَّا مَن يعرف طبقات الرُّواة.
          الثَّالث: أنََّ قوله: (قال معمر) تعليقٌ، وهو إسقاط شيخ أو أكثر مِن أوَّل الإسناد، فما وُجِدَ منه في «الصَّحيحين» بلفظ دالٍّ على الجزم بثبوته؛ كـ«روى» أو «قال» واتَّصل الإسناد منه بشرطهما؛ فهو كالمتَّصل الصَّحيح؛ لما عُرِفَ مِن حالهما وشرط مؤلِّفهما فيهما، والحذف إنَّما هو لغرض، ومن هذا القبيل ما رويا عن مبهم محتجِّين به؛ كـ«حدَّثني بعض أصحابي» أو «حُدِّثت» وليس كذلك الانقطاع الثابت عن غيرهما، وما وُجِدَ فيهما بلفظٍ غير جازم؛ كـ«قيل» أو «رُوِيَ» على المجهول أو «في الباب كذا»؛ فهو ليس في حكم السَّابق، بل يُستأنس به، هذا ملخَّص كلام النَّوويِّ، لكنَّ المفهوم من كلام ابن حجر في «شرح النخبة» عن ابن الصلاح أنَّ كلَّ كتاب التزمت صحَّته كالبخاريِّ، والله أعلم.


[1] في الأصل: (راوي).