تحفة السامع والقاري في ختم صحيح البخاري

نبذة من حياة المصنف

          كان ⌂ في الورع بغاية لا يَرى الرائي له فيه شبهة، بحيث قال عند موته: لا أعلم في مالي دِرهمًا فيه شُبهة.
          وامتنع من الاستعانة بكتاب أمير بلده الوجيه في خلاص حقٍّ كبير له؛ خشيةً من طمع الأمير لذلك فيه.
          وتحامى تولِّي الشراء والبيع فيما قلَّ أن يستغني عنه الإنسان؛ لما فيه من التخليط بالزيادة والنقصان.
          ونوى إعطاء بضاعة لتجَّارٍ سألوه فيها بربح معين، ثم حضر إليه غيرهم بزيادة كثيرة، فما انثنى(1) عما كان نواه مع أنه لم يكن له بيَّن.
          وقال على سبيل التحدُّث بالنِّعمة: إنِّي لأرجو أن ألقى الله تعالى ولا يحاسبني أنِّي اغتبت أحدًا من الأُمَّة.
          ولَسَعَه زُنبور وهو في صلاته سبع عشرة مرَّةً، فلم يبطلها، ولِشدَّة الخشوع فيها ما تأوَّه.
          ورفع إنسانٌ من لحيته ☺ قَذاةً وطرحها في أرض المسجد وهو ينظر إليه، فلا زال يلحَظ الناس حتى غفلوا عنه، فأخذها وأدخلها في كمه، فلما خرج طرحها في الأرض؛ صونًا للمسجد عمَّا ينزه شعر لحيته عن استمراره عليه.
          وكان ☺ قليل الكلام فيما لا يعنيه، تاركًا للطمع، غير مشتغل بأمور الناس، بل إذا فرغ من التحديث / أو التصنيف؛ قام فركع.
          ومن شعره قدَّس الله روحه:
اغتنمْ في الفراغ فضلَ ركوعٍ                     فعسى أن يكون موتُك بَغْتَةْ
كم صحيحٍ رأيتَ من غير سقمٍ                     ذهبتْ نفسُه الصحيحةُ فَلْتَةْ
          رُوي عنه أنَّه كان يختم في رمضان في النهار في كلِّ يومٍ ختمةً، ويقوم بعد التراويح كلَّ ثلاث ليال بختمةٍ.
          ومناقبه ☺ تنقسم إلى: حفظ، ودراية، واجتهاد (في التحصيل، ورواية، ونسكٍ، وإفادة، وورع، وزهادةٍ، وتحقيق)(2)، وإتقان، وتمكُّن، وعِرفان، وأحوال، وكرامات، وغيرها من أنواع المكرمات، ولله دَرُّه في «جامعه» الذي أبدع فيه، وجعله حُجَّةً واعتمادًا للمحدِّث والفقيه، وتصدَّى للاقتباس من أنوار الكتاب والسُّنَّة البهيَّة الصحيحة الانتساب تقريرًا واستنباطًا، وكَرَع في مناهلها الروية انتزاعًا وانتشاطًا، ورُزق بحُسن نيَّتِه السعادةَ فيما جمع ونطق فيه بالحق، وصدع حتى أذعن له المخالفُ والموافق، وتلقَّى كلامَه في التصحيح بالتسليم المطاوعُ والمفارق، ورُجِّحَ كتابُه على غيره من الكتب بعد كتاب الله، وتحرَّكتْ بالثناء عليه الألسُنُ والشفاه.


[1] في (ب): (انثنى).
[2] ما بين قوسين ليس في (ب).