تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم

حديث: أنه سمع معاوية يوماً_ وسمع المؤذن_ فقال

          2901- يُقالُ: (تأذَّنَ وأذَّنَ) بمعنى أعلَم، والأَذَانُ: الإعلامُ، ويُقالُ: الأذانُ والإيذانُ والأَذِيْنُ بمعنى واحدٍ، وقيلُ: الأَذِينُ: المؤذِّنُ، والمؤذِّنُ: المُعْلِمُ بأوقاتِ الصلاةِ، فعيل بمعنى مفعولٍ، ودليلُهُ قول الشاعرِ: شِدَّ عَلَى أَثَرِ الوَرْدِ مِئْزَرَهَ لَيْلاً وَمَا نَادَى أَذِيْنُ المَدَرَه
          أي مؤذِّنُ المدينةِ.
          ويُقالُ: إن الأَذِينَ أيضاً المكانُ الذي يأتيهِ الأذانُ من كل ناحيةٍ، وتصلُ الأصواتُ بهِ إليه، ويكون أَذِنَ بمعنى عَلِمَ وبمعنى سَمِعَ، قالَ تعالى: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق:2]، أي سمعتْ وأطاعَتْ، وآذنتُهُ: أعلمتُهُ، قالَ تعالى: {آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ} [فصلت:47]، أي أعلمناكَ.
          (أَوَّلُ الأَذَانِ: اللهُ أَكْبَرُ) قيلَ: معناهُ الكبيرُ، فوضعَ أفعلَ موضِعَ فعيلٍ، كما قالَ ╡: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه} [الروم:27]، أي هَيِّنٌ عليهِ، وكما قالَ الشاعرُ:
إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا                      بَيْتاً دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ
          أي دعائمُه عزيزةٌ طويلةٌ، وكقول الآخر:
          لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَأَوْجَلُ
          أي لَوَجِلٌ.
          وقيلَ: معناهُ اللهُ أكبرُ من كُلٍّ، فحُذفَتْ (من) لوضوحِ معناها لأنها صلةٌ لأفعلَ، وأفعلُ خبرٌ ولا يُنْكَرُ الحذفُ في الأخبارِ، تقولُ: أخوكَ أفضلُ وأبوكَ أَعْقَلُ، تريدُ: أفضلُ من غيرِهِ وأعقلُ ممَّنْ سواهُ، قالَ أبو بكرِ ابن الأنباريِّ: والناسُ يَضُمُّوْنَ الراءَ / من قولهم: اللهُ أكبرُ، وكانَ أبو العباسِ يقولُهُ بإسكانِ الراءِ ويحتجُّ بأنَّ الأذانَ سُمِعَ مَوْقُوْفاً غيرَ مُعْرَبٍ في مقاطِعِهِ، وكذلكَ حَيَّ عَلَى الصَّلاةْ حَيَّ عَلَى الفَلَاحْ فالأصلُ السكونُ، ونَقْلُ فتحةِ الألفِ من الله تعالى عندَهُ جائزٌ.
          (أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ) أي أعلمُ أنه لا إلهَ إلا هُوَ وأُبيَّنُ ذلكَ، ودليلهُ قولهُ تعالى عن المشركينِ {شَاهِدِيْنَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [التوبة:17]، أي مُبَيِّنِيْنَ ذلكَ ومُعلنينَ بهِ، وقوله: {شَهِدَ الله} [آل عمران:18]، أي بيَّن الله لكُم وأعلمَكُمْ، ومنه شَهِدَ الشَّاهِدُ، أي بَيَّنَ ما عندَهُ وأعلمَ به الحاكمَ، وقيلَ: معنى قولِهِ {شَهِدَ الله}، أي قضى اللهُ أنَّهُ لا إله إلا هُوَ، قالَ ابنُ الأنباريِّ: الأولُ أحسنُ، ومعنى الشهادةِ في الأصلِ: الإخبارُ بما قَدْ شُوْهِدَ. وأشهدُ أن محمداً رسولُ اللهِ: أي أعلمُ وأُبَيِّنُ أنَّ محمداً متابعٌ للأخبارِ عن اللهِ، والرسولُ معناهُ في اللغَةِ: الذي يتابعُ أخبارَ الذي بَعَثَهُ.
          (وَحَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ) أي هَلُمُّوْا إلى الصلاةِ وأَقْبِلُوْا إليها، وفُتْحَتْ الياءُ من حَيَّ لسكونِهَا وسكونِ الياءِ التي قَبْلَهَا كما قيلَ: ليتَ ولعلَّ، وقولُ ابنِ مسعودٍ: (إذا ذُكِرَ الصالحونَ فَحيَّ هَلا بِعُمَرَ)، معناه فأقبلوا على ذكرِ عُمَرَ.
          (وَحَيَّ عَلَى الفَلاحِ) فيهِ قولانِ: قيل معناهُ هَلُمُّوْا إلى الفوزِ، والحُجَّةُ لهُ قولُهُ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُوْنَ} [البقرة:5] معناهُ الفائزونَ، وقيلَ: حيَّ على الفلاحِ معناهُ: هَلُمَّ إلى البقاءِ، أي أَقْبِلُوْا إلى سببِ البَقَاءِ في الجَّنَّةِ، واحتجَّ بقولِ الشاعرِ:
وَالمَسْيُ وَالصُّبْحُ لَا يَدُوْمُ مَعَهُ
          أي لا بقاءَ معهُ.
          معنى (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) لا حِيْلَةَ ولا قوَّةَ إلا باللهِ، يُقالُ: ما لرجلٍ حيلةٌ وما لهُ حَوْلٌ وما له احتيالٌ وما له مُحتالٌ وما له مَحَالةٌ بمعنىً واحدٍ وما للرجُلِ مِحْتَالٌ بكسر الميم، وما له مَحَالٌ بفتح الميمِ، فإذا كُسِرَتْ الميمُ فالمعنى: ما لهُ مكرٌ ولا عُقُوْبَةٌ، ومن هذا قولهُ تعالى: / {وَهُوَ شَدِيْدُ الْمِحَالِ} [الرعد:13]، أي شديدُ المكرِ والعُقُوْبَةِ، وإذا فُتحتْ الميمُ في قولِهِ: مَا لَهُ مَحالٌ فالمعنى ما لَهُ حَوْلٌ، ويُقالُ: قد حَوْقَلَ الرجلُ وحولَقَ؛ إذا قال لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ، كما يُقَالُ: بَسْمَلَ إذا قالَ بسمِ الله، وهَيْلَلَ: إذا قالَ لا إله إلا الله، وحَيْعَلَ: إذا قالَ حَيَّ على الصلاةِ.