كشف النقاب لرشف الرضاب للأبياري

المقدمة

          ♫
          بحَمْدِ مَن أَلَّفَ بينَ المُخْتَلِفاتِ تَسْتَهِلُّ يَرَاعَةُ(1) كُلِّ مُؤلَّف، وبشُكْرِ مَنْ جَمَعَ بين المُفْتَرِقات، تَتَواتَرُ النِّعَمُ على كُلِّ مُكلَّف، فلهُ(2) الحَمْدُ حَديثًا وقَديمًا، ولهُ الشُّكْرَ أَن أَوْلانا بِرًّا عَميمًا، وخَيرًا جَسيمًا، وبالصلاةِ والسَّلامِ على مَن أَزالَ الاشْتِباه، وأزاحَ ظُلَمَ الجَهالَةِ بنورِ اللهِ، سَيِّدِنا مُحمَّدٍ الجامعِ لِمَا تَفرَّقَ مِن الجَمالِ، تَتواصَلُ أسبابُ الكَمالِ، وتَتراسَلُ أنواعُ الأفضالِ، فَسَلْسِلِ اللَّهُمَّ صِلاتِ صَلاتِكَ وسَلامِكَ عليهِ وعلى آلهِ، وجَمِّل أَحْوالَنَا بِلُبْسِ صِدَارِ آثارِهِ وشِعَارِهِ(3)، وشِعَارِ أعْمَالهِ.وبَعْد:
          فيقولُ فَقيرُ(4) الحِجَا عَبْدُ الهَادِي نَجَا: هذا شرحٌ مُخْتَصَرٌ، وبَيَانٌ مُقْتَصَرٌ، لِمَنْظُومَتِي المَوْسُومَةِ بـ«رِضَابُ المُرْتَشِف فِي نَظمِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنَ المُؤْتَلِفِ والمُخْتَلِف(5)»، مُلَقَّبٌ بـ«كَشْفُ النِّقَابِ لِرَشْفِ الرِّضَابِ»، عَمِلْتهُ للمُبْتَدِئِين؛ فَأَخْلَيْتُهُ مِن التَّطْوِيلِ وعَنِ التَّحْسِينِ، فأَسْأَلُ اللهَ بِجاهِ نبيِّهِ النَّبيهِ صلعم(6)، أَنْ ينتفعَ بهِ كُلُّ مُتَشَبِّثٍ بهِ، رَاغِبٍ فيهِ، آمين.
          ♫ /
حَمْدًا لِمَنْ أَبْدَعَ الأَشْيَاءَ مُؤْتَلِفًا                     مِنْهَا وَمُخْتَلِفًا حَتَّى بَدَتْ غُرَرَا
          الكلامُ على البسملةِ والحمدلَةِ قُبضَ عِنانُهُ هُنا، [و] بَسْطُهُ في الكُتُبِ المختصَرَةِ والمُطَوَّلَةِ.
          و(أبْدعَ الأشْياءَ)؛ أي: أَوْجدها على غيرِ مِثالٍ سابقٍ ما يأتلفُ منها لنحو اتِّحادِ جنسهِ، أو اختلفَ لنحو اختلافه.
          (حَتَّى بَدَتْ)؛ أي: ظهرتْ في الوجودِ مُتحققةً تحقُّقَ الشيء النَيِّرِ الِّذِي هو كالغُرر، جمع (غُرَّة)، وأَصلُها: البياض في جبهةِ الفَرَسِ، يُسْتعارُ لِكُلِّ نَيِّرٍ، فَيُكْنَى بهِ عن كُلِّ مُتحققٍ.
          والمُؤْتلف والمُخْتلف(7) الذي استهلَّت به يَرَاعة(8) المطلع في المُصطلح مِن الأسماءِ والأنسابِ ونحوها؛ فنٌّ جَلِيلٌ.
          قال في «التقريب»: يَقْبُحُ جَهْلُهُ بأهل العلم، لاسيَّما أهل الحديث، ومَن لم يعرِفْهُ يكثر خطؤه، ويُفْتَضَحُ بين أهلِه.
          وهو ما اتَّفقتْ صورتهُ خطًّا، واختلفت صيغتُهُ لفظًا؛ كَعُبيدٍ(9) وعَبِيْدٍ _بالتصغير والتكبير(10)_، وأُبَيٍّ _بضمِّ الهمزة وفتح الموحَّدة_ وآبِي(11) _بمدِّ الهمزة وكسر الموحَّدة_، وَكَبُسْرٍ وَبِشْرٍ؛ بضمِّ الموحَّدة وبالمهملة(12) في الأولى(13)، وكسر الموحَّدة وبالمعجمة في الثاني.
          وهو / خِلافُ المُتَّفِق المفترق(14)؛ فإنَّه: ما اتَّفقَ لفظًا وخطًّا؛ كالحَنَفِيِّ والحنَفَيِّ؛ نسبة لبني حَنِيفةَ في أحدهما، ولِمَذْهب أبي حَنِيفَةَ في الآخَر.
          ومِنَ الأوَّل: عَبْدُ الكبير أبو بَكْرِ بنُ عبدِ المجيدِ الحَنَفِيُّ، وأَخُوه عُبيدُ(15) الله، أخرج لهما الشَّيْخان، وكثيرٌ من المُحَدِّثين ينسبون إلى الأوَّل بزيادة ياء؛ للفرق، وأباه أكثرُ النُّحَاة؛ وصوَّبه السُّيُوطِيُّ في «شرح التقريب» قال: وأخذتُه(16) مِن قوله صلعم: «بُعِثْتُ بِالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ(17)»؛ فأثبت الياء في اللفظ المنسُوب إلى الحَنِيفِيَّة(18).
          ومنه(19):
          - مَن سُمِّيَ بمحمَّدِ بنِ إدْرِيس، وهم سبعة: أحدُهم: الإمامُ الشّافعيُّ، وبقيَّتهم ذكرناه في «سُعُود المُطالع».
          - ومَن سُمِّيَ بعُمر بن الخطَّاب وهم كذلك، أحدهم: أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين، وباقيهم في ذلك الكتاب.
          وأقسام هذا النوع سبعة:
          ما اتَّفق في اسم الذات والأب أو الجدِّ(20)، وفرَّق بينهم النسبة أو الصفة أو غيرهما، وما اتَّفق في الاسم واللقب أو الكُنية(21)؛ أي(22): في أحدهما مع النسبة، وافترق في غيره، إلى آخر ما فصَّلْناه في ذلك الكتاب. /
          وأمَّا ذلك القسم _أعني: ما نحن بصدده من المؤتلف والمختلف(23)_ فنوعان:
          - عامٌّ لا يختصُّ بكتاب من كتب المُحدِّثين(24).
          - وخاصٌّ بما في «الصَّحيحين» فقط، أو مع «الموطَّأ»، أو في أحد الثلاثة(25)؛ فالأول بَسَطَتْهُ المَبْسُوطات، والثاني ما ذكرناه هنا بعد قولنا:
ثُمَّ الصّلاةُ عَلى شَمْسِ الوُجُودِ وَمَنْ                     لَهُ انْتَمَى مَا زَها رَوْضٌ وَمَا زَهَرَا
          وهذا البيت لا يحتاجُ(26) في حلِّ معناه للنَّبيه إلى إيضاح أو تنبيه؛ لكنَّ (الروض) ربَّما يُظنُّ أنَّه مفردٌ، وليس كذلك، بل جمعُ (رَوضة)؛ كـ(رياض)، وهي الموضع المعجب بالزهور، سُمِّيت بذلك؛ لاستراضة المياه السائلة إليها؛ أي: سكونها بها؛ كما في «المصباح».
          (وَزَها) من زها النَّبْت: ظهرت ألوانُه من صُفرةٍ وحُمرةٍ، وبعضُهم يقول: أزهى أيضًا.
          وأما (زَهَرَا)(27) بألف الإطلاق: من زَهَرَ الشيء يزهَرُ _ بفتحتين _: صفا لونه، ويقال: أزهرَ النبتُ: أخرجَ زهره، و(زَهَر) لُغَيَّةٌ في (أزهرَ).
          ثمَّ ما بعد هو قولنا:
وَبَعْدُ فاصغ إلى نَظْمٍ لمُشْتَبهٍ                      جَافِي «الصَّحيحينِ» مِمَّنْ قَدْ رَوى ودَرى /
وذاكَ مُؤْتَلِفٌ رَسْمًا ومُخْتَلِفٌ                     لَفْظًا لِتَأْمَنَ تَصْحِيفًا لَهُ حُظِرَا
مِمَّا لهُ النَّوَوِي في «شَرْحِ مُسْلِمٍ» اسْـ                      تَقْصَى وزِدْتُ عَلَيْهِ البَعْضَ مُخْتَصِرا
مُرَتِّبَنهُ على نَظْمِ الحُرُوُفِ بنَظْ                     ـمٍ قَدْ جَلا وحَلا في ذَوقِ مَنْ نَظَرَا
فاللهُ يَقْبَلُهُ فَضْلًا ويَجْعَلُهُ                     نَفْعًا لأَهْلِ الحَدِيثِ السَّادةِ النُّظَرَا
          (اصغ): أمْرٌ من الصَّغْي؛ كالضرب، وهو الإمالة بالسَّمع، يقال: صغى إليه صغيًا: مالَ بسمعه له.
          والمُشتبه بالنَّظم(28): يشمل كِلَا القسمين المذكورين، إلَّا أنَّه لمَّا كان المقصدُ المؤتلفَ [و]المختلفَ؛ خصَّصه بقوله: (وذاك...) إلى آخره، [قوله: (يشمل القسمين)؛ يعني: المتفق والمفترق(29)، والمؤتلف والمختلف(30)](31).
          ولفظ: (جا) في البيت بالقصر للنَّظم.
          و(الصَّحيحان): «البخاريُّ» و«مسلم».
          و(مِمِّنْ قد روى): إمَّا بيان (لمشتبهٍ)؛ لأنَّه في قوَّة ما اشتبه(32)، أو متعلِّق بـ(جاء)، وكِلَا مفعولَي (رأى) و(درى) محذوفٌ؛ إمَّا للعِلْمِ به من ذكر «الصَّحيحين»، أو لعدم تعلُّق الغرض بذكره.
          و(التَّصْحِيف): تغيير اللفظ حتَّى يتغيَّر المعنى المراد ويلتبس، فهو والتحريفُ سواءٌ، وفرَّق بعضُهم بينهما بما ذكرتُه / في «الفواكه».
          و(حُظِرَ) _ بمهملة فمعجمة، ألفه إطلاق _: من الحظر، وهو المنع؛ أي: مُنِع منه في رجال الحديث؛ لحصول اللَّبْس به المؤدِّي إلى عدم الوثوق بالرواية.
          ثمَّ ما نظمناه في هذا النظم(33) استقصاه(34) النَّوَوِيُّ في مقدِّمة «شرح مسلم» مع زيادةٍ نصَّ عليها أئمَّة الحديث مختصرةً من مواضعها، مرتَّبًا على نظم حروف المعجم؛ أي: انتظامها وترتيبها، مُقَدَّمًا(35) فيه ما أوَّله الهمزة، فما أوَّله الباء، وهكذا إلى الياء، بحسب المستثنى تارةً، والمستثنى منه أُخرى.
          (بنظم)؛ أي: وزن على أحد البُحور الشِّعريَّة، وهو البسيط الذي أجزاؤه: (مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن) مرتين.
          (قَدْ جَلَا) بالمعجمة؛ أي: ظهر؛ من جلا الخبرُ للناس جَلاءً _ بالفتح والمدِّ _: وضح وانكشف، فهو جَلِيٌّ، وجَلَوْتُهُ: أَوْضَحْتُهُ؛ يتعدَّى ولا يتعدَّى.
          وقوله: (وحَلا) بالمهملة: من الحلاوة، وفعله: حَلا يَحْلو؛ كـ(دعا يدعو)، سواء ما أُضيف إلى الفم والعين، على ما في «الصِّحاح»، يقال: حَلا الشيء في فمي، وبعيني، يحلو.
          وروى / الأصْمعيُّ الفرق بينهما، فيقال: حَلا الشيء في فمي يَحْلو، وحَلِيَ بعيني يَحْلَى(36) _ كرضي يرضى _أي: حَسُن عندي وأعجبني.
          قال ابن بَرِّي: وكلاهما من الحلاوة، إلا أنَّه غُيِّر بناؤهما؛ للفرق بينهما، والاسمُ منها(37) حُلْوٌ، ولا يُقَال: حالٍ؛ إذ هو المتحلِّي بالحلي خلاف العاطل، وفعله حَلِيَ؛ كـ(رَضِيَ) أيضًا، يُقال: حَلَيْتُ الجاريَةَ حَلْيًا؛ بفتح فسكون، وتَحَلَّت: لبست الحُلِيَّ كذلك، جمعه(38) حُلِيٌّ؛بضمٍّ فكسر، والأصل على فُعُول؛ كَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ، ومثلُ (حَلا) في اختلاف تصريفه باختلاف معناه: (علا)؛ فإنِّه إن كان في المكان؛ فكـ(دعا يدعو)، أو في المرتبة؛ فكـ(رضي) كما نقلتهُ في «الفواكه»، وذكرت فيها من نظائر ذلك أيضًا غيرَه.
          و(مَنْ نَظَرَا) في البيت: من النظر؛ بمعنى التأمُّل وإدارة الفكر، ولذلك كانت بالذَّوق أمسَّ، وفي جانب الحلاوة لا الجلاء أنسب، وإلَّا فلك أن تقول: حَلا وجَلا في عين من نظرا _ بإهمال الأوَّل، وإعجام الثاني _، وغير ذلك مما يجلو ويحلى، والاقتصار أولى سيَّما على ما نقله الأصمعيُّ، وإن كان توسيعُ الدائرة أجلى, / و(النُّظَرَا) في البيت الأخير؛ كَـ(كُرَما) جمع (نظير)؛ كـ(كريم).


[1] في الأصل الخطي: (برااعة).
[2] في الأصل الخطي: (فلله).
[3] (وشعاره): ليس في الأصل الخطي.
[4] في الأصل الخطي: (ضعيف).
[5] في الأصل الخطي: (المختلف).
[6] (صلعم): ليس في الأصل الخطي.
[7] في الأصل الخطي: (المختلف).
[8] في الأصل الخطي: (براعة).
[9] في المطبوع: (كعبد).
[10] في الأصل الخطي: (بالتكبير والتصغير).
[11] زيد في الأصل الخطي: (اللحم).
[12] (وبالمهملة): مثبت من الأصل الخطي.
[13] في الأصل الخطي: (الأول).
[14] (المفترق): مثبت من الأصل الخطي.
[15] في الأصل الخطي: (عبد)، وهو تحريف.
[16] في الأصل الخطي: (وقد أخذته).
[17] في الأصل الخطي: (السمحاء).
[18] في الأصل الخطي: (الحنيفة).
[19] في هامش الأصل الخطي: (قوله: «ومنه»؛ أي: من المتفق المفترق).
[20] في الأصل الخطي: (أو والجد).
[21] في الأصل الخطي: (أو والكنية).
[22] في الأصل الخطي: (أو).
[23] في الأصل الخطي: (المختلف).
[24] في الأصل الخطي: (الحديث).
[25] في هامش الأصل الخطي: (قوله: «الثلاثة»؛ يعني: «الصحيحين» و«الموطأ»).
[26] في الأصل الخطي: (احتياج).
[27] في الأصل الخطي: (زهر).
[28] في الأصل الخطي: (في النظم).
[29] في الأصل الخطي: (المفترق).
[30] في الأصل الخطي: (المختلف).
[31] ما بين معقوفين جاء في هامش الأصل الخطي بلا تصحيح، ولعلَّ الصواب ذكره في الحاشية.
[32] في هامش الأصل الخطي: (انظر هذا التعليل).
[33] زيد في الأصل الخطي: (هو ما).
[34] زيد في الأصل الخطي: (الإمام).
[35] زيد في المطبوع: (ما)، ولعل حذفها أولى.
[36] في المطبوع: (يحلو).
[37] في الأصل الخطي: (منهما).
[38] في الأصل الخطي: (وجمعه).