مطلع النيرين المختصر من الصحيحين

قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي

          قيسُ بنُ سَعدِ بنِ عُبادةَ(1)
          يُكْنى: أبا عبدِ اللهِ، وقيل: أبا الفَضلِ، وأمُّه: فُكَيهةُ بنتُ عُبيدِ بنِ دُليمٍ، أنصاريٌّ خَزرَجيٌّ، كانَ أحدَ القُضاةِ الجُلَّةِ، وأحَدَ الدُّهاةِ من العرَبِ، ومن أهلِ الرَّأيِ والكَرَمِ والمَكيدَةِ في الحُروبِ والشَّجاعةِ، وكان شريفَ قَومِهِ غيرَ مُداقعٍ، صحِبَ هو وأبوه وأخُوه سعيدٌ رسولَ اللهِ صلعم، وكانَ بمَنزلةِ صاحِبِ الشَّرِطةِ بين يدَي رسولِ اللهِ صلعم، وأعطاهُ رسولُ اللهِ صلعم الرايةَ يومَ فتحِ مكَّةَ بعد أبيهِ سعدٍ، وكان مع عليٍّ في حُروبِه بعد رسولِ اللهِ صلعم، وروى عمرُو بنُ دينارٍ أنَّ قَيساً قال فيمَا جرى بين مُعاويةَ وعليٍّ: لولا الإسلامُ لَمكَرتُ مَكْراً لا يُطيقُه العربُ.
          وروى جابرٌ قالَ: خرَجْنا في بعثٍ، فكانَ علينا قيسُ بنُ سَعدٍ، فنحرَ لنا فقال رسولُ اللهِ صلعم: ((إنَّ الجُودَ من شِيمةِ هذا البَيتِ)) وهو القائلُ: اللَّهمَّ ارزُقْني حَمداً ومَجداً، فإنَّه لا حمدَ إلا بفِعالٍ، ولا مجدَ إلا بمالٍ.
          وروى جُوَيريَةُ قالَ: كتَبَ مُعاويةُ إلى مروانَ أنِ اشترِ دارَ كثيرِ بنِ الصَّلتِ منه، فأبى علَيهِ، فكتَبَ معاويةُ إلى مروانَ أن خُذْه بالمالِ الذي عليه، فإنْ جاءَ به وإلَّا بِعْ عليه دارَه، فأرسَلَ إليه مروانُ، فأخبَرَه وقال: إنِّي أؤجِّلُك ثلاثاً، فإنْ جِئتَ بالمالِ، وإلا بِعتُ عليك دارَكَ، قالَ: فجمَعَها إلا ثلاثينَ ألفاً، فقال: مَنْ لي بها، ثمَّ ذكَرَ قيسَ بنَ سَعدٍ، فأتاهُ فطلَبَها منه، فأقرَضَه، فجَاءَ بهَا إلى مروانَ، فلمَّا رآهُ أنَّه قَد جاءَه بها ردَّها إليه وردَّ إليه دارَه، فرَدَّ كثيرٌ الثَّلاثين ألفاً على قيسٍ، فأبى أن يقبَلَها منه، وقال: إنَّا لا نعودُ في شَيءٍ أعطَيناه، وتُوفِّيَ أبوه عن جَمَلٍ لم نعلَمْ به، وكانَ قسَمَ مالَه حين خُروجِه من المدينةِ بين ولَدِه، فكلَّمَ أبو بكرٍ وعمرُ في ذلك قَيساً، وسألاهُ أن ينقُضَ ما صنَعَ سعدٌ من تلك القِسْمةِ، فقال: نَصيبِي للمَولودِ، ولا أنقُضُ ما فعَلَ أبي.
          وكان له ديونٌ كثيرةٌ على النَّاسِ، فمَرِضَ واستبَطأَ عُوَّادَه، فقيلَ له: إنَّهم يستَحيُون من أجلِ دَينِكَ، فأمَرَ مُنادِياً، فنادَى: كلُّ مَنْ كانَ لقَيسِ بنِ سَعدٍ عليه دَينٌ فهو له، فأتاه الناسُ حتى هدَمُوا درجةً كانوا يصعَدونَ عليها إليه، وكان طُوَالاً سِباطاً، وكان مع ذلك جميلاً، وكانَ بعد موتِ عليٍّ مع الحسَنِ في خمسةِ آلافٍ مع أصحابِه قَد تَبايَعُوا على الموتِ، فلمَّا دخَلَ الحسَنُ في بيعةِ معاويَةِ أبى قَيسٌ أن يدخُلَ، وقال لأصحَابِه: إن شئتُم جالَدتُ بكم حتى يموتَ الأعجَلُ، وإن شئتُم أخذْتُ لكم أماناً، فقالوا: خُذْ لنا أماناً، فأخَذَ لهم كذا وكذا، فلمَّا ارتَحلَ نحوَ المدينةِ ومَضَى بأصحَابِه جعَلَ ينحُو لهم كلَّ يومٍ حتى وصَلُوا، ووفَّى لهم معَاويةُ ما اشترَطُوه عليهِ، ثمَّ لزِمَ قَيسٌ المدينةَ وأقبلَ على العبَادةِ حتى ماتَ بها سنةَ ستِّينَ في آخرِ خِلافةِ مُعاويةَ.
          ذكَرَ الحُميديُّ أنَّه(2)


[1] في (ز) و(ف) زيادة: ((الأنصاري الخزرجي رضي الله عنهما)).
[2] من قوله: ((يكنى أبا عبد الله... إلى قوله: ...الحميدي أنه)): ليس في (ز) و(ف).