مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفية

حديث: كان جريج رجلا عابدا فاتخذ صومعة فكان فيها

          1704- (ق) أبُو هُرَيرَةَ ☺: «كَانَ جُرَيجٌ رَجُلًا عَابِدًا فَاتَّخَذَ صَومَعَةً فَكَانَ فِيهَا، فَأتَتهُ أُمُّهُ وهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَت: يَا جُرَيجُ. فَقَالَ: يا(1) رَبِّ، أُمِّي وصَلَاتِي. فَأقبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانصَرَفَت، فلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ أَتَتهُ وهُوَ يُصَلِّي(2)، فَقَالَت: يَا جُرَيجُ. فَقَالَ: يا(3) رَبِّ، أُمِّي وصَلَاتِي. فَأقبَلَ عَلَى صَلاتِهِ، فَانصَرَفَت، فَلمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ أَتَتهُ(4) فَقَالَت: يَا جُرَيجُ. فَقَالَ: أَي رَبِّ، أُمِّي وصَلَاتِي. فَأقبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَقَالَت: اللَّهُمَّ لَا تُمِتهُ حتَّى يَنظُرَ إِلى وُجُوهِ المُومِسَاتِ. فَتَذَاكَرَ بَنُو إسرَائِيلَ جُرَيجًا وعِبَادَتَهُ، وكَانَت امرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسنِهَا، فَقَالَت: إِن شِئتُم لأَفتِنَنَّهُ لَكُم. قَالَ: فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَلَم يَلتَفِت إلَيهَا، فَأتَت رَاعِيًا كَانَ يَأوِي إلَى صَومَعَتِهِ، فَأَمكَنَتهُ مِن نَفسِهَا، فَوَقَعَ عَلَيهَا فَحَمَلَت، فَلمَّا وَلَدَت قَالَت: هُوَ مِن جُرَيجٍ. فَأَتَوهُ فاستَنزَلُوهُ وهَدَمُوا صَومَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضرِبُونَهُ، فَقَالَ: مَا شَأنُكُم؟ فَقَالُوا: زَنَيتَ بِهَذِهِ البَغِيِّ، فَوَلَدَت مِنكَ، فَقَالَ: أينُ الصَّبِيُّ؟ فَجَاؤُا بِهِ، فَقَالَ: دَعُونِي حتَّى أُصَلِّي، فَصَلى فَلمَّا انصَرَفَ أُتِيَ بالصَّبِي فَطَعَنَ في بَطنِهِ وقَالَ: يَا غُلَامُ، مَن أَبُوكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ الرَّاعِي. قَالَ: فَأقبَلُوا عَلَى جُرَيجٍ يُقَبِّلُونَهُ ويَتَمَسَّحُونَ / به، وقَالُوا(5) : نَبنِي لَكَ صَومَعَتَكَ مِن ذَهَبٍ. قَالَ: لَا، أَعِيدُوهَا مِن طِينٍ كَمَا كَانَت. فَفَعَلُوا. وبَينَا صَبِيٌّ يَرضَعُ مِن أُمِّهِ فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وشَارَةٍ حَسَنَةٍ، فَقَالَت أُمُّهُ: اللَّهُمَّ اجعَل ابنِي مِثلَ هَذَا، فَتَرَكَ الثَّديَ وأَقبَلَ إلَيهِ فَنَظَرَ إلَيهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَجعَلنِي مِثلَهُ. ثُمَّ أَقبَلَ عَلَى ثَديهِ فَجَعَلَ يَرتَضِعُ، قَالَ: فَكَأنِّي أَنظُرُ إِلى رَسُولِ اللهِ صلعم وهُوَ يَحكِي ارتِضَاعَهُ بِإصبَعِهِ السَّبَّابَةِ فِي فَمِهِ، فَجَعَلَ يَمُصُّهَا(6). وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وهُم يَضرِبُونَهَا ويَقُولُونَ: زَنَيتِ، سَرَقتِ، وهِيَ تَقُولُ: حَسبِيَ اللهُ ونِعمَ الوَكِيلُ. فَقَالَت أُمُّهُ: اللَّهُمَّ لَا تَجعَل ابنِي مِثلَهَا. فَتَرَكَ الرَّضَاعَ ونَظَرَ إلَيهَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجعَلنِي مِثلَهَا. فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الحَدِيثِ، فَقَالَت أُمُّهُ: حَلْقَى، مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الهيئَةِ فَقُلتُ: اللَّهُمَّ اجعَل ابنِي مِثلَهُ، فَقُلتَ: اللَّهُمَّ لا تَجعَلنِي مِثلَهُ، ومَرُّوا بِهَذِهِ الأَمَةَ وهُم يَضرِبُونَهَا ويَقُولُونَ: زَنَيتِ سَرَقتِ(7)، فَقُلتُ: اللَّهُمَّ لَا تَجعِل ابنِي مِثلَهَا، فَقُلتَ: اللَّهُمَّ اجعَلنِي مِثلَهَا! قَالَ: إنَّ ذَاكَ(8) الرَّجُلَ كَانَ جَبَّارًا، فَقُلتُ: اللَّهُمَّ لَا تَجعَلنِي مِثلَهُ، وإنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَها: زَنَيتِ ولَم تَزنِ، وسَرَقتِ ولَم تَسرِق، فَقُلتُ: اللَّهُمَّ اجعَلنِي مِثلَهَا». [خ¦2482] [م:2550]


[1] في (ف): «أي» وأشار في هامش (ل) أنها نسخة.
[2] قوله: «وهو يصلي» ليس في (ف).
[3] في (ف): «أي» وأشار في هامش (ل) أنها نسخة.
[4] زاد في (ل): «وهو يصلي».
[5] في (ل): «فقالوا».
[6] زاد في (ف) و(ر): «قال».
[7] في (ر): «وسرقت».
[8] في (ف): «ذلك».