مجلس في ختم صحيح البخاري

الكلام على الترجمة

          الكلام على ذلك من وجوه:
          الأوَّل: في الترجمة:
          اعلمْ وفَّقك الله تعالى أنَّ البخاري ☼ جمع في هذه الترجمة بين فوائد:
          منها: وصف الأعمال بالوزن، ومنها: إدراج(1) الكلام(2) يوزن في الأعمال، ومنها: وصف الكلمتين / بالخفَّة على اللسان، والثقل في الميزان، فدلَّ على أنَّ الكلام يوزن، ومنها: أنَّه ختم كتابه بهذا التسبيح، [وقد ورد(3) في الحديث ما يدلُّ على استحباب ختم المجالس بالتسبيح](4)، وأنَّه كفَّارة لما نقله(5) في الكلام ممَّا ينبغي محوُه.
          ولمَّا كان ذلك مندوبًا إليه عند أواخر المجالس؛ جعل البخاري كتابه كمجلس علم، فختم به كتابه، وقصد ☼ بذلك آخر كلامه(6) تسبيحًا وتحميدًا؛ كما أنَّه ابتدأ كتابه(7) بحديث: «الأعمال بالنيَّات»؛ إرادة لبيان إخلاصه فيه رحمةً، فقد تأدَّب ☼ في فاتحة كتابه وخاتمته بآداب السُّنَّة، أمَّا في الابتداء؛ فبإخلاص القصد والنيَّة، وأمَّا في الانتهاء؛ فبمراقبة الخواطر، ومناقشة النفس على المعاصي من النزغات الداخلة في خبر في ميز اللغوات(8).
          وروى(9) الترمذي في «جامعه» وغيره من حديث أبي هريرة ☺ قال: قال رسول الله صلعم: «من جلس في مجلس كثُر فيه لفظُه، فقال قبل أن يقوم منه: سبحانك اللهمَّ ربَّنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك؛ إلَّا غُفِر له ما كان من مجلسه ذلك».
          وفي «الحِلية» لأبي نعيم: «من أراد أن يكتال له(10) بالمكيال الأوفى؛ فليقل عند إرادة القيام من مجلسه: / {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ}» [الصافات:180].
          ويروى: أنَّه صلعم قال: «من جلس مجلسًا ولم يصلِّ عليَّ فيه؛ كان عليه من مجلسه ذلك حسرة، فإن جعل آخر مجلسه الصلاة عليَّ؛ غُفِر له ما كان في مجلسه ذلك».
          واعلم أنَّ في ترتيب البخاريِّ ☼ كتابَه على هذا الوجه [أوَّلًا وآخِرًا إشعارًا بما كان عليه المؤلِّف ☼ في حالتَيه](11) أوَّلًا وآخرًا، ظاهرًا وباطنًا؛ من الإخلاص والتأدُّب بآداب السنَّة، والتأسِّي بالسلف الصالح، وغير ذلك.
          ورأيت فيما نقلته من كلام شيخ الإسلام البلقينيِّ ☼: لمَّا كان أصل العصمة أوَّلًا وآخرًا هو توحيد الله تعالى؛ ختم البخاريُّ كتابه(12) بكتاب التوحيد، ولمَّا كان آخر الأمور التي يظهر بها المفلِح من الخاسر ثقل الموازين وخفَّتها؛ جعله آخر تراجم(13) الكتاب، فبدأ بحديث: «الأعمال بالنيَّات»، وذلك في الدنيا، وختم بأنَّ الأعمال توزن، وذلك في الآخرة، وأشار إلى أنَّه إنَّما يُتقبَّل منها ما كان بالنيَّة الصالحة لله تعالى.


[1] في (ب): (إدراك).
[2] (الكلام): ليس في (ب).
[3] (وقد ورد): سقط من (ج)، وزيد فيها: (وأنه كفارة لما)، وهو سبق نظر.
[4] ما بين معقوفين ليس في (ب).
[5] في (أ): (أثقله).
[6] (كلامه): سقط من (ج).
[7] في (ج): (كلامه).
[8] في (ب) و(ج): (الهفوات).
[9] في (ب) و(ج): (روى).
[10] (له): ليس في (ب) و(ج).
[11] ما بين معقوفين تكرر في (ج).
[12] في (ب) و(ج): (كلامه).
[13] في (ج): (ترجمة).