مجلس في ختم صحيح البخاري

مقدمة

          ♫
          ربِّ يسِّر(1)
          المجلس الأول: في الكلام على قول الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47]، وقوله صلعم: «كلمتان حبيبتان إلى الرحمن» إلى آخره.
          وذلك عند ختم «صحيح البخاريِّ» في سنة تسع وخمسين وثمان مئة.
          قال ☺: الحمد لله الذي أوضح الدلائل على وحدانيَّته وكشفها، وبيَّن مناهج الهدى بمنِّه ووصفها، ومنح القلوب مطالعة(2) معرفته وعرَّفها، وأوجد الأشياء كما شاء وصرَّفها، وجمع المتفرِّقات بصنعته وألَّفها، وأنعم بنعمٍ جمَّةٍ أعطاها وأسداها، وخاطب النفوس فحرَّم وأحلَّ(3) وكلَّفها، ووصف لها الجنَّة وظَرَّفها، والنار وأسفها، وذكرها عرضها(4) وموقفها، ونصب موازين العدل لمن طغى ولها، فقال تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء:7].
          أحمدُه سبحانه فهو القائمُ على كلِّ نفس بما كسبت، الرقيبُ على كلِّ جارحة بما اجترحت، المطَّلع على ضمائر القلوب إذا هجست، الحسيبُ على الخواطر إذا اختلجت، الذي لا يعزب عن علمه مثقالُ ذرَّة في السماوات والأرض تحرَّكت أو سكنت، المحاسبُ على النقير(5) والقِطْمير والقليل والكثير من الأعمال وإن خفيت، المتفضِّل بقَبول طاعات العباد وإن صغُرت، المتطوِّل بالعفو عن / معاصيهم وإن كثُرت.
          وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ عبد اصطفاه إلى المنهج الرشيد، والمسلك السديد، وأنعم عليه بشهادة التوحيد، يُثقل بها موازين مَن قالها خالصًا من قلبه بريئًا من التشكيك والترديد، ويفوز بها يوم الحساب من عرَف أنَّ(6) ربه سبحانه واحدٌ لا شريك له، فردٌ لا مثيل(7) له، صمدٌ لا ضدَّ له، منفرد لا ندَّ له، قديم لا أوَّل له، أزليٌّ(8) لا بداية له، أبديٌّ لا نهاية له، مستمرُّ الوجود لا آخِر له، قيُّوم لا انقطاع له، دائم لا انصرامَ له، لم يزل ولا يزال منعوتًا بنعوت الجلال، لا يقضى(9) عليه بالانقضاء بتصرُّم الآباد وانقضاء الآجال، بل {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3]، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(10)} [الشورى:11]، لا يحدُّه المقدار، ولا تحويه الأقطار، ولا تحيط به الجهات، ولا تكتنِفُه الأرَضون والسماوات، وهو إلى العبيد أقربُ من حبل الوريد، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [سبأ:47].
          وأشهد أنَّ سيِّدنا محمَّدًا عبده ورسوله، الذي رقت رتبته في سماء نبوَّته، وأسرعت الخوارقُ إلى جنابه حين دعاها لإظهار معجزته، ودعا الناس إلى الله سبحانه فاستجاب الخلائق لدعوته، وتوافقت القلوب على صدق محبَّته، والتذَّ الخلق بسماع حديثه وأخباره الواردة عنه / في غيبته؛ شوقًا إلى رؤيته(11)، الذي بشَّر أمته _صلعم، وهو الصادق المصدوق_ بأنَّ موازينهم تثقل يوم القيامة بشهادة أن لا إله إلا الله، وبالتسبيح والتحميد، وترجح بها حسناتهم، كلُّ ذلك برحمة الله وبركته(12)، صلعم وعلى آله وصحابته، سادة الخلق وأئمَّته، وقادة الحق وأزمَّته، وسلَّم تسليمًا.


[1] (رب يسر): ليس في (ب) و(ج).
[2] في (ج): (مطلقة).
[3] في (ب) و(ج): (وأكل).
[4] في (ب) و(ج): (وعرضها).
[5] في (ب): (القير).
[6] في (ب) و(ج): (الله).
[7] في (ب) و(ج): (مثل).
[8] في (ج): (أولي).
[9] في (أ) و(ج): (يقتضي).
[10] في (ج): (العليم).
[11] في (ج): (رايته).
[12] في (ج): (وبركاته).