جزء في أوهام وقعت في صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك

حديث أم رومان عند البخاري

          حدَّثنا الشَّيخُ أبو الحَسن بنُ مرزوقٍ: أخبرنا أبو بكرٍ أحمدُ بنُ عليِّ بن ثابتٍ / الخطيبُ في كتابه، وأخبرني عنه أبو الحَسن عليُّ بنُ أحمدَ بنِ عبدِ العزيز الأندلسيُّ الأنصاريُّ بالأهواز: حدَّثنا أبو نُعَيمٍ الحافظُ: حدَّثنا عبدُ الله بنُ جعفرِ بنِ أحمدَ بنِ فارسٍ: حدَّثنا يونسُ بنُ حَبيبٍ: حدَّثنا أبو داودَ(1): حدَّثنا أبو عَوَانةَ: عن حُصَينٍ، عن أبي وائلٍ، عن مسروقٍ، حدَّثتني أمُّ رومانَ أمُّ عائشةَ قالت: بينا أنا قاعدةٌ إذ دخلَتْ عليَّ امرأةٌ فقالت: فَعَلَ اللهُ بفلانٍ كذا وكذا، فقلت: وما له؟ قالت: إنَّه أنشأ الحديثَ _تعني ذِكرَ عائشةَ_ فقالت عائشةُ: سمع بهذا رسولُ الله صلعم ؟ قالت: نعم، قالت: فسمع بهذا أبو بكرٍ؟ قالت: نعم، فأخذها شيءٌ ما قامَتْ إلَّا بِحُمَّى، فألقيتُ(2) عليها ثيابَها، فدخل رسولُ الله صلعم فقال: ما شأنُ هذه؟ فقلت: أخذها حُمَّى بنافِضٍ، قالت: فقال رسولُ الله صلعم: «فلعلَّكِ من أجلِ حديثٍ حُدِّثْتِ به؟» فقعدَتْ عائشةُ فقالت: والله لئن حلفْتُ لا تُصدِّقوني، ولئن قلتُ لا تقبلوا منِّي، وما مَثَلي ومَثَلُكم إلَّا مَثَلُ يعقوبَ وبنيه: {وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىَ مَا تَصِفُونَ } [يوسف:18]. قال: فأنزل الله ╡ عُذْرَها، فقالت عائشةُ: بحمدِ الله لا بحمدِك، ولا بحمدِ أحدٍ.
          قال الخطيبُ: كذا رواه محمَّدُ بنُ فُضَيلِ بنِ غزوانَ عن حُصَينِ بنِ عبدِ الرَّحمن، وأورده محمَّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ في كتابه «الصَّحيح» من حديث أبي عَوَانةَ [خ¦4143] وابنِ فُضَيلٍ [خ¦3388] جميعًا. ولم يسمع مسروقٌ مِن أُمِّ رومانَ شيئًا.
          فحُدِّثتُ عن أبي عُمَرَ ابنِ حَيُّويَةَ: أخبرنا دَعْلَجُ بنُ أحمدَ: حدَّثنا إبراهيمُ بنُ إسحاقَ الحَرْبيُّ: حدَّثنا إبراهيم بنُ محمَّدٍ: حدَّثنا ابنُ فُضَيلٍ: عن حُصينٍ، عن أبي وائلٍ، عن مسروقٍ قال: (سألتُ أُمَّ رومانَ عن حديثِ الإفكِ فحدَّثتني...). قال إبراهيمُ الحَرْبيُّ: كان سألها وله خمسَ عشرةَ سنةً، ومات مسروقٌ وله ثمانٍ وسبعون سنةً، وأُمُّ رومانَ أقدمُ مِن كلِّ مَنْ حدَّث عنه مسروقٌ، وقد صلَّى / خلف أبي بكرٍ، وكلَّم عُمَرَ وعَليًّا وابنَ مسعود وزيدَ بنَ ثابتٍ وابنَ عبَّاسٍ وأبا موسى وخبَّابًا وأُبَيًّا وعبدَ الله بنَ عَمْرٍو وعائشةَ. قال الخطيب: والعجب كيف خَفِيَ على إبراهيمَ الحَرْبيِّ استحالةُ سؤالِ مسروقٍ أُمَّ رومانَ؛ مع محلِّ إبراهيمَ من العلمِ وعلوِّ قدْرِه فيه ومعرفتِه بأيَّامِ النَّاسِ؟! وذلك أنَّ أُمَّ رومانَ ماتت على عهدِ رسولِ الله صلعم.
          أخبرنا الحَسنُ بنُ أبي بكرٍ قال: كتب إليَّ محمَّدُ بنُ إبراهيمَ الجُوريُّ من شيرازَ(3) يَذكر أنَّ أحمدَ بنَ حمدانَ بنِ الخضرِ أخبرهم: حدَّثنا أحمدُ بنُ يونسَ الضَّبيُّ: حدَّثني أبو حسَّانَ الزِّياديُّ قال: السَّنةُ السَّادسةُ: فيها ماتت أُمُّ رومانَ بنتُ عامرٍ في ذي الحجَّةِ، وهي أُمُّ عائشةَ، فنزل رسولُ الله صلعم في قبرهِا.
          فأخبرنا(4) أبو عبد الله أحمدُ بنُ عبدِ الله بنِ الحُسينِ بنِ إسماعيلَ(5) المَحَامِليُّ: أخبرنا أبو القاسمِ عُمَرُ بنُ جعفرِ بنِ محمَّدِ بنِ سَلْمٍ الخُتَّليُّ قال: قال أبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ إسحاقَ الحَرْبيُّ: أسلمتْ أمُّ رومانَ فهاجرت إلى المدينةِ، وتوفِّيت بها في عهدِ رسولِ الله صلعم في ذي الحجَّةِ من سنة سِتٍّ من الهجرة.
          وأخبرنا أبو الفتحِ منصورُ بنُ ربيعةَ بنِ أحمدَ الزُّهريُّ الخطيبُ بالمدينةِ(6): حدَّثنا(7) أبو القاسم عليُّ بنُ أحمدَ بنِ عليِّ بنِ راشدٍ: حدَّثنا أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ محمَّدِ بنِ سليمانَ الباغَنديُّ ببغدادَ: حدَّثنا الحُسينُ بنُ أبي كَبْشَةَ: حدَّثنا عبدُ الرَّحمن بنُ مَهْديٍّ: حدَّثنا حمَّادُ بنُ سَلَمةَ: عن عليِّ بنِ زيدٍ، عن القاسمِ بنِ محمَّدٍ، عن أمِّ سَلَمةَ أنَّها قالت: لمَّا دُلِّيَتْ أمُّ رومانَ في قبرها قال رسولُ الله صلعم: «مَن سرَّه أنْ ينظرَ إلى امرأةٍ مِن حورِ العِينِ فلينظر إلى هذه». وقال الباغَنديُّ: حدَّثنا عليُّ بنُ عَمْرٍو الأنصاريُّ: حدَّثنا محمَّدُ بنُ أبي عُميرٍ: حدَّثنا حمَّاد بنُ سَلَمةَ: عن عليِّ بنِ زيدٍ، عن القاسمِ بنِ محمَّدٍ / عن عائشةَ، عن النَّبيِّ صلعم مثلَه.
          أخبرني محمَّدُ بنُ عبدِ الملك القُرَشيُّ: أخبرنا [أبو] الفضلِ عبيدُ اللهِ بنُ عبدِ الرَّحمنِ الزُّهريُّ: حدَّثنا أحمدُ بنُ عبدِ الله بنِ سابورَ: حدَّثنا سفيانُ بنُ وكيعٍ: حدَّثنا ابنُ أبي عَدِيٍّ: حدَّثنا حمَّادُ بنُ سَلَمةَ: عن عليِّ بنِ زيدٍ، عن القاسم، عن عائشةَ قالت: لمَّا دُلِّيَتْ أمُّ رومانَ في قبرها قال رسولُ الله صلعم: «مَنْ سرَّه أن ينظرَ إلى امرأةٍ من الحورِ العينِ فلينظر إلى هذه».
          قال الخطيبُ: وأحسبُ العلَّةَ الَّتي دخلَت على إبراهيمَ الحَرْبيِّ في إثباتِ سؤالِ مسروقٍ أمَّ رومانَ وتصحيحِ ذلك اتِّصالَ الحديث وثِقَةَ رجالِه، ولم يتفكَّر فيما وراءَ ذلك، وهي العلَّةُ الَّتي دخلَت على البخاريِّ حتَّى أخرجَ الحديثَ في «صحيحه». ومسلمُ بنُ الحجَّاج لم يخرجه في «صحيحه»، ورجالُه مِن شَرْطِه!، وأحسبه فَطِنَ باستحالته فتركَه، والله أعلمُ.
          وذكرَ إبراهيمُ الحَرْبيُّ أنَّ مسروقًا سأل أمَّ رومانَ وله إذ ذاك خمسَ عشرة سنةً، وكان موتُها في سنةِ ستٍّ من الهجرةِ، فعلى هذا كان له وقتَ وفاةِ رسولِ الله صلعم تسعَ عشرةَ سنةً، فما الَّذي مَنَعَه أن يسمعَ من رسولِ الله صلعم إن كان هذا الذي ذكرَه صحيحًا؟!
          وقد ذكرَ غيرُ إبراهيمَ مبلغَ سِنِّ مسروقٍ على خلافِ ما قال.
          أخبرنا أبو الحُسينِ ابنُ بِشْرانَ: أخبرنا الحُسين بنُ صفوانَ البَرْذَعيُّ: حدَّثنا عبدُ الله بنُ محمَّدِ بنِ أبي الدُّنيا: حدَّثنا محمَّدُ بنُ سعدٍ: قال مسروقُ بنُ الأجدعِ(8) تُوفِّي سنةَ ثلاث وستِّين بالكوفةِ. وأخبرني أبو الفرجِ الحُسينُ بنُ عليٍّ الطَّناجيريُّ: أخبرنا محمَّدُ بنُ زيدِ بنِ عليِّ بنِ مروانَ الكوفيُّ: أخبرنا محمَّدُ بنُ محمَّدِ بنِ عُقبةَ الشَّيبانيُّ: حدَّثنا هارونُ بنُ حاتمٍ: حدَّثنا الفضلُ بنُ / عَمْرٍو قال: مات مسروقٌ وله ثلاثٌ وسِتُّون. وهذا الأشبهُ بالصِّحةِ، فعلى هذا القول كان له وقتَ ماتت أمُّ رومانَ ستُّ سنين.
          ولم يزل حديثُ مسروقٍ الَّذي ذكرتُه يتخلَّجُ(9) في صدري أمرُه فأستنكرُه، وأُجيلُ(10) فكري فيه سنينَ كثيرةً فلا أعرف له علَّةً؛ لثقةِ رجاله واتِّصالِ إسناده، حتَّى أخبرنا الحَسنُ بنُ عليٍّ التَّميميُّ: أخبرنا أبو بكرِ بنُ مالكٍ: حدَّثنا عبدُ الله بنُ أحمدَ: حدَّثني أبي: حدَّثنا هاشمُ بنُ القاسمِ: حدَّثنا أبو جعفرٍ _يعني: الرَّازيَّ_ عن حُصَينٍ، عن شقيقِ بنِ سَلَمَةَ، عن مسروقٍ، عن أمِّ رومانَ _وهي أمُّ عائشةَ_ قالت: (كنت أنا وعائشةُ قاعدةً، فدخلَت امرأةٌ من الأنصارِ...) وذكر الحديثَ بطوله نحوَ رواية أبي عَوانة. وأخبرنا التَّميميُّ: أخبرنا ابنُ مالكٍ: حدَّثنا عبدُ الله: حدَّثني أبي: حدَّثنا عليُّ بنُ عاصمٍ: حدَّثنا حُصَينٌ: عن أبي وائلٍ، عن مسروقٍ، عن أمِّ رومانَ قالت: (بينا أنا عند عائشةَ إذ دخلَت عليها امرأةٌ من الأنصارِ فقالت: فَعَلَ اللهُ بابنها...) فذكر الحديث. فجَوَّزْتُ على هاتين الرِّوايَتَين أن يكون مسروقٌ أرسل الرِّوايةَ عن أمِّ رومانَ ولم يذكر الخبرَ، وقد ذُكِرَ أنَّ حُصينَ بنَ عبدِ الرَّحمن اختلطَ في آخرِ عُمُرِه، فلعلَّه روى الحديث لأبي عَوانةَ ولابن فُضَيلٍ في حالِ اختلاطه، فوهِم فيه إذ ذكر الخبر، على أنَّ أبا سعيدٍ عبدَ الله بنَ سعيدٍ الأشجَّ قد رواه عن ابنِ فُضَيلٍ فقال: (عن مسروقٍ قال: سألتُ أمَّ رومانَ)، كذلك أخبرني عليُّ بنُ محمَّدِ بنِ الحَسن السِّمسارُ: حدَّثنا عُمَرُ بنُ محمَّدِ بنِ عليٍّ الناقدُ قال: قرأتُ على أبي حفصٍ الكاغِديِّ عُمَرُ بنُ محمَّدِ بنِ الحكمِ قلتُ: حدَّثكم أبو سعيدٍ الأشجُّ: حدَّثنا محمَّدُ بنُ فُضَيلٍ: عن حُصَينٍ، عن شقيقٍ، عن مسروقٍ قال: سألتُ أمَّ رومان _وهي أمُّ عائشة_: أوَقِيل لها ما قيل؟ قالت: بينما أنا وعائشةُ إذ دخَلَت علينا امرأةٌ من الأنصارِ وهي تقول: فُعِلَ بفلانٍ كذا وكذا، فقالت لها عائشة: / وَلِمَ؟ قالت: لأنَّه فيمَن تحدَّث بالحديث، فقالت عائشةُ: وأيُّ حديث؟ فأخبرَتْها، فقالت: سمعَه النبيُّ صلعم وأبو بكرٍ؟ قالت: نعم، فخرَّت مغشيًّا عليها، فأفاقت بحُمَّى نافِضٍ، فدخل رسول الله صلعم فقال: «ما شأنُ هذه؟» قالت: حُمَّى أخذتها، قال لها: «فلعلَّه من أجل حديثٍ تُحُدِّث به؟»، قالت: فجلستْ فقالت: والله لئن حلفتُ لا تصدَّقوني، ولئن اعتذرتُ لا تعذُروني، فمَثَلي ومَثَلُكُم مَثَلُ يعقوبَ وبنيه: {وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىَ مَا تَصِفُونَ }[يوسف:18]. قالت: فخرج رسول الله صلعم، وأنزل الله عليه ما أنزل، فأتاها فأخبرها، فقالت: بحمد الله لا بحمد أحدٍ. وهذا إسنادٌ أشبهُ بالصحَّة، ومِن النَّاس مَن يكتب الهمزة ألفًا في سائر أحوالها؛ مِن رَفْعِها ونَصْبِها وخَفْضِها، فلعلَّ بعضَ النَّقَلَةِ كتب (سُئِلَتْ) بالألف، فقرأه القارئُ (سألتُ)، ورواه، ودُوِّن عنه كذلك(11)، وعبَّر عن هذه اللفظة مَن سمعها بـ (حدَّثني)، كما ذكرنا في حديث أبي داودَ عن أبي عوانةَ، والله أعلم.


[1] أي: الطيالسي.
[2] الضمير عائد على (أم رومان) لأنها من حدثت بهذا الحديث، وسياق البخاري أوضح وأتم من هذا السياق.
[3] في الأصل: «شيران»، والمثبت موافق لتاريخ بغداد.
[4] كذا في الأصل، ولعلها: «وأخبرنا».
[5] في الأصل: «الاعيد»، والمثبت موافق لكتب التراجم.
[6] كذا في الأصل، ولعلها: «بالدينور» كما في تاريخ بغداد وغيره.
[7] في الأصل: «وحدَّثنا».
[8] في الأصل: «الأجذع»، وهو تصحيف.
[9] يعني يتلجلج، كما في كشف المشكل لابن الجوزي.
[10] في الأصل: «وأحيل».
[11] في الأصل: «وكذلك».