غاية النفع في شرح تمثيل المؤمن بخامة الزرع

شرح الحديث ما يستفاد منه

          ففي هذهِ الأحاديثِ أنَّ النَّبيَّ صلعم ضربَ مثلَ المؤمنِ في إصابةِ البلاءِ لجسدِهِ بخامَةِ الزَّرعِ التي تُقَلِّبُهَا الرِّياحُ يمنةً ويسرةً، والخامَةُ الرَّطبةُ من النَّباتِ، ومثَّلَ المنافِقَ والفاجرَ بالأرزةِ، وهي الشَّجرةُ العظيمَةُ التي لا تُحرِّكُها ولا تزعزِعُهَا حتَّى يرسلَ الله عليها ريحاً عاصفاً فتقلَعُها من الأرضِ دفعةً واحدةً، وقد قيلَ أنَّها شجرةُ الصَّنوبرِ. /
          قالَهُ أبو عبيدٍ وغيره(1).
          ففي هذا فضيلةٌ عظيمَةٌ للمؤمنِ بابتلائهِ في الدُّنيا في جسدِهِ بأنواع البِلى، وتمييزٌ له على الفاجرِ والمنافق بأنَّهُ لا يُصيبُهُ البلاءُ حتَّى يموتَ بحالِهِ فيلقى اللهَ بذنوبِهِ كُلِّها فيستحقُّ العقوبةَ عليها.
          والنُّصوصُ في تكفيرِ ذنوبِ المؤمنِ بالبلاءِ والمصائبِ كثيرةٌ جداً:
          ففي الصَّحيحِين عن عائشةَ ♦ عن النَّبيِّ صلعم قالَ: <مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ المُسْلِمَ إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا>.
          وفيهما أيضاً عن عطاءِ بن يسارٍ عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ ☺ وأبي هريرةَ عن النَّبِيِّ صلعم قالَ: <مَا يُصِيْبُ المُؤْمِنَ مِنْ بَلاءٍ وَلا نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حَزَنٍ وَلا أَذَى وَلا غَمٍّ؛ حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا خَطَايَاهُ>.
          وفيهما أيضاً عن ابنِ مسعودٍ عن النَّبِيِّ صلعم قالَ: <مَا مِنْ مِسْلِمٍ يُصِيْبُهُ أَذَىً مِنْ مَرَضٍ، فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَتَّ اللهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا يَحُتُّ وَرَقَ الشَّجَرَةِ> وفي روايةٍ: <يُصِيْبُهُ أَذَىً شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا سَيِّئَاتُهُ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا>.
          وخرَّجَ الإمامُ أحمدُ والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ من حديثِ سعدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ ☺ عن النَّبِيِّ صلعم قالَ: <مَا يَزَالُ البَلاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرَكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيْئَةٌ>.
          وخرَّجَ الإمامُ أحمدُ والتِّرمذيُّ وابنُ حبَّانَ من حديثِ أبي هريرةَ ☺ عن النَّبِيِّ صلعم / قال:<مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي جَسَدِهِ، وَمَالِهِ، وَوَلَدِهِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ، وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ>.
          وفي صحيحِ ابنِ حبَّانَ عن أبي هريرةَ عن النَّبيِّ صلعم قالَ: <إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُوْنُ لَهُ عِنْدَ اللهِ المنزلةَ فَمَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلٍ، فَلا يَزَالُ اللهُ يَبْتَلِيْهِ بِمَا يَكْرَهُ حَتَّى يُبْلِّغَهُ إِيَّاهَا>.
          وفي ((المسندِ)) عن جابرٍ ☺ عن النَّبِيِّ صلعم قالَ: <مَا يَمْرَضُ مُؤْمِنٌ وَلَا مُؤْمِنَةٌ وَلَا مُسْلِمٌ وَلَا مَسْلَمَةٌ إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ> وخرَّجَهُ ابنُ حبَّانَ، وزادَ: <كَمَا يَحُطُّ الوَرَقُ عَنِ الشَّجَرِ>.
          وفيهِ عن أبي الدَّرداءِ عن النَّبيِّ صلعم قالَ: <مَا يَزَالُ البَلاءُ؛ الصُّدَاعُ وَاللِّيَّةُ، بِالمُؤمِنِ وِإِنَّ ذَنْبَهُ مِثْلُ أُحُدٍ، فَمَا يَدَعُهُ وَعَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ قَدْرُ البَلاءِ إِذَا كُشِفَ الغِطَاءُ يَوْمَ القِيَامَةِ> كمَا في التِّرمذيِّ عن جابرٍ ☺ عن النَّبِيِّ صلعم قالَ: <يَوَدُّ أَهْلُ العَافِيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ، لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ قُرِضَتْ بِالمَقَارِضِ فِي الدُّنْيَا>.
          وفي ((سننِ أبي داودَ)) عن عامرٍ قالَ: جَلَسْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلعم فذكرَ الأَسْقَامَ، فقالَ: <إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَصَابَهُ السَّقَمُ ثُمَّ أَعْفَاهُ اللهُ مِنْهُ، كَانَ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ، وَمَوْعِظَةً لَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ إِذَا مَرِضَ ثُمَّ أُعْفِيَ كَانَ كَالْبَعِيرِ، عَقَلَهُ أَهْلُهُ، ثُمَّ أَرْسَلُوهُ فَلَمْ يَدْرِ لِمَ عَقَلُوهُ، وَلَمْ أَرْسَلُوهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ حَوْلَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْأَسْقَامُ؟ / وَاللَّهِ مَا مَرِضْتُ قَطُّ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلعم: قُمْ عَنَّا، فَلَسْتَ مِنَّا>.
          وهذا كما قالَ للذي سألَهُ عن الحُمَّى فلم يعرفْهَا: <مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا> فجعلَ الفرقَ بين أهلَ الجنَّةِ وأهلِ النَّارِ إصابةَ البلاءِ والمصائبِ، كما جعلَ ذلكَ فرقاً بين المؤمنينَ والمنافقين والفجَّارِ في هذهِ الأحاديثِ المذكورَةِ ههُنا.
          وفي ((المسندِ)) عن أبي هريرةَ ☺ أَنَّ النَّبِيَّ صلعم ذَكَرَ أَهْلَ النَّارِ، فَقَالَ: <كُلُّ شَدِيْدٍ جَعْظَرِيٍّ هُمُ الَّذِينَ لَا يَأْلَمُونَ رُؤوسَهُمْ>.
          وفي ((المسندِ)) عن أنسٍ ☺ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صلعم فَقَالَتْ: إِنَّ بِنْتِي كَذَا وَكَذَا، ذَكَرَتْ حُسْنَهَا وَجَمَالَهَا، أَتُرِيْدُهَا؟ قَالَ: قَدْ قَبِلْتُهَا، فَلَمْ تَزَلْ تَمْدَحُهَا حَتَّى ذَكَرَتْ أَنَّهَا لم تَصْدَعْ وَلَمْ تَشْتَكِ شَيْئَاً قَطُّ، قَالَ: <لَا حَاجَةَ لِيْ فِيْ ابْنَتِكِ>.
          وخرَّجَهُ ابنُ أبي الدُّنيا من وجهٍ آخرَ مُرسلاً، وفيهِ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: <لَا حَاجَةَ لِيْ فِيْ ابْنَتِكِ تَجِيْئُنَا تَحْمِلُ خَطَايَاهَا؛ لَا خَيْرَ فِيْ مَالٍ يُرْزَأُ فِيْهِ وَجَسَدٍ لَا يُنَالُ مِنْهُ>.
          وروى بإسنادِهِ عن قيسِ بنِ أبي حازمٍ قالَ: طَلَّقَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيْدِ امْرَأَتَهُ ثُمَّ أَحْسَنَ عَلَيْهَا الثَّنَاءَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا سُلَيْمَانَ لِأَيِّ شَيْءٍ طَلَّقْتَهَا؟ قَالَ: مَا طَلَّقْتُهَا لإِمْلَالٍ مِنْهَا وَلَكِنْ لَمْ يُصِبْهَا عِنْدِي بَلَاءٌ.
          وبإسنادِهِ عن عمَّارِ بنِ ياسرٍ أنَّهُ ذَكَرَ الأَوْجَاعَ، فَقَالَ أَعْرَابِيُّ عِنْدَهُ: مَا اشْتَكَيْتُ قَطُّ. فَقَالَ عَمَّارٌ ☺: مَا أَنْتَ مِنَّا أَوْ لَسْتَ مِنَّا، إِنَّ الْمُسْلِمَ / يُبْتَلَى بِبَلَاءٍ فَتُحَطُّ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا تَحَطُّ الشَّجَرَةُ اليَابِسَةُ وَرَقَهَا، وَإِنَّ الْكَافِرَ وَالْفَاجِرَ يُبْتَلَى بِبَلَاءٍ، فَمَثَلُهُ مَثَلُ بَعِيرٍ أُطْلِقَ فَلَمْ يَدْرِ لِمَ أُطْلِقَ، وَعُقِلَ فَلَمْ يَدْرِ لِمَ عُقِلَ.
          وبإسنادِهِ عن كَعْبٍ قالَ: <أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ لَوْلَا أَنْ يَحْزَنَ عَبْدِي الْمُؤْمِنُ لَعُصِبَ الْكَافِرُ بِعِصَابَةٍ مِنْ حَدِيدٍ لَا يُصَدِّعُ أَبَدًا>.
          وعن الحسنِ قالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَوْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا مَرَّ بِهِ عَامٌ لَمْ يُصَبْ فِي مَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ، قَالَ: مَا لَنَا تَوَدَّعَ اللهُ مِنَّا؟.
          وقالَ الحسنُ: إِنَّمَا أَنْتُمْ بِمَنْزِلَةِ الْغَرَضِ يُرْمَى كُلَّ يَوْمٍ لَيْسَ مِنْ مَرَّةٍ إِلَّا قَدْ أَصَابَتْكُمْ فِيْهِ رَمْيَةٌ، عَقِلَ مَنْ عَقِلَ وَجَهِلَ مَنْ جَهِلَ، حَتَّى تَجِيءَ الرَّمْيَةُ الَّتِي لَا تُخْطِئُ.
          وعن صالحِ بن مسمارٍ أنَّهُ دخلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ رَبَّكَ قَدْ عَاتَبَكَ فَاعْتِبْهُ.
          وعن ابنِ عَبَّاسٍ ☺ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رأى ذَا الفَاقَةِ قَالَ لَهُ: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:7].
          ورُوِيَ مرفوعاً من حديثِ خوَّاتِ بن جُبَيْرٍ، وإسنُادُهُ ضعيفٌ.
          وقالَ الحسنُ في أيَّامِ الوجعِ: أَمَا وَاللهِ مَا هُوَ بِشَرِّ أَيَّامِ الْمُسْلِمِ أَيَّامَ قُورِبَ لَهُ فِيهَا أَجَلُهُ، أَوْ ذُكِّرَ فِيهَا مَا نَسِيَ مِنْ مَعَادِهِ وَكُفِّرَ بِهَا عَنْهُ خَطَايَاه.
          وكانَ إذا دخلَ على مريضٍ قد عُوفي قالَ لهُ يا هذا: إنَّ اللهَ قد ذكرَكَ فاذكرْهُ،وأقالكَ / فاشكرْهُ.
          فهذهِ الأسقامُ والبلايَا كُلُّهَا كفَّاراتٌ للذُّنوبِ الماضيَةِ ومواعظُ للمؤمنينَ؛ حتَّى يتَّعظوا بها ويرجعُوا بها في المستقبلِ عن شيءٍ ما كانُوا عليهِ.
          قالَ الفُضيلُ: إنَّما جُعِلَتْ العِللُ ليؤدَّبَ بها العبادُ، ليسَ كلُّ من مَرِضَ ماتَ.
          وإلى هذا المعنى الإشارةُ بقولِهِ ╡: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُون} [التوبة:126].
          ولبعضِ المتقدِّمينَ: إنَّ في كلِّ عامٍ مرضةٌ ثم نقهةٌ، ولا تَعي حتَّى إلى متَى.
          وأعلمْ أنَّ تمثيلَ المؤمنِ بالزَّرعِ وتمثيلَ المنافقِ والفاجرِ بالشَّجرِ العِظامِ يشتملُ على فوائدَ جليلةٍ؛ فنذكرُ ما يَسَّرَ اللهُ منها:
          فمنها أنَّ الزَّرعَ ضعيفٌ مُستضعِفٌ والشجرَ قويٌّ مٌستكبرٌ مُتعاظِمٌ، فالشَّجرُ لا يتأثَّرُ من حَرٍّ ولا بردٍ ولا من كثرَةِ قاعٍ ولا زرعٍ، والزُّرعُ بخلافِ ذلكَ، وهذا هو الفرقُ بين المؤمنينَ والكافرين وبينَ أهلِ الجنَّةِ وأهلِ النَّارِ.
          كما في الصحيحينِ عن حارثةَ بنِ وهبٍ عن النَّبيِّ صلعم أنَّهُ قالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجَّنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ؛ أَهْلُ الجَّنَّةِ كُلُّ ضَعِيْفٍ مُسْتَضْعَفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؛ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ».
          وفي ((المسندِ)) عن أبي هريرةَ عن النَّبِيِّ صلعم قالَ: <«أَلَا أُنْبِئْكُمْ بِأَهْلِ الجَّنَّةِ؟» قَالُوا: بلى، قالَ: الضُّعَفَاءُ / المَغْلُوْبُوْنَ، أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ قَالُوْا: بَلَى، قَالَ: كُلُّ شَدِيْدٍ جَعْظَرِيٍّ هُمْ الَّذِيْنَ لَا يَأْلَمُوْنَ رُؤُوْسَهُمْ>.
          وخرَّجَهُ أيضاً بمعناهُ من حديثِ سُراقَةَ بنِ مالكٍ وعبدِ اللهِ بن عمرَ، وخرَّجاهُ في الصَّحيحينِ عن أبي هريرةَ عن النَّبيِّ صلعم قالَ: <تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتِ الجَنَّةُ: مَا لِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ، وَقَالَتِ النَّارُ مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا الجَّبَّارُونَ الْمُتَكَبِّرُونَ> الحديثُ.
          وقد وردَ في القرآنِ تشبيهُ المنافقينَ بالخُشُبِ المُسَنَّدَةِ في نَظَرِهِم فقالَ: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4] فوصَفَهم بحسنِ الأجسامِ وتمامِهَا وحسنِ المقالِ(2) والفَصاحَةِ حتَّى أنَّهم يُعْجِبُ منظَرُهُم لمن يراهُم ويَسمَعُ قولَهم من سمعَهُ سماعَ إصغاءٍ وإعجابٍ بهِ، ومع هذا فبواطِنُهم حِرابٌ ومعائِبُهُم مُهْلِكَةٌ؛ فلهَذا مثَّلَهُم بالخُشُبِ المسندَةِ التي لا دفعَ لها ولا إحساسَ، وقلوبُهم مع هذا ضعيفةٌ في غايةِ الضَّعفِ {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} [المنافقون:4] [لأنَّهم لمَّا أضمروا خلاف ما أظهروا خافوا الاطلاع عليه، فكلَّما سمعوا / صيحة ظنوا أنها عليهم،](3)
          وهكذا كُلُّ مريبٍ يُظْهِرُ خلافَ ما يُضمرُ، يخافُ من أدنى شيءٍ ويحسبه(4) عليهِ.
          وأمَّا المؤمنونَ فبعكسِ هذهِ الصِّفاتِ، حالُهم مستضعفونَ في ظاهرِ أجسامِهِم وكلامِهم؛ لأنَّهُم اشتغلُوا بعمارَةِ قلوبِهم وأرواحِهِم عن عمارَةِ أجسادِهِم، وبواطِنُهُم قويَّةٌ ثابتةٌ عامرةٌ فيُكابدونَ بها الأعمالَ الشَّاقَةَ في طاعةِ اللهِ من الجِّهادِ والعباداتِ والعلومِ وغيرِهَا مما لا يستطيعُ المنافِقُ مكابدَتَهُ لضعفِ قلبِهِ، ولا يخافونَ من ظهورِ ما في بطونِهِم إلا خشيةَ الفتنَةِ على نفوسِهِم، فإنَّ بواطنَهم خيرٌ من ظواهرِهِم وسرُّهُم أصلحُ من علانِيَتِهِم.
          قالَ سليمانُ التَّيميُّ: أتاني آتٍ في منامِي، فقالَ: يا سليمانُ إِنَّ قوَّةَ المؤمنِ في قلبهِ؛ فالمؤمنُ ما اشتغلَ بعمارةِ قلبِهِ عن عمارَةِ قالَبِهِ، استُضعفَ ظاهرُهُ وربَّما أُوذي، ولو عَلِمَ أناسٌ ما في قلبهِ لما فعلوا ذلكَ.
          قالَ عليٌّ لأصحابِهِ: كونُوا في النَّاسِ كالنَّحلِ في الطَّيرِ يستضعفُها، ولو علمُوا ما في جوفِهَا ما فعلُوا من أجلِ قوَّةِ قلبِ المؤمنِ وثباتِهِ على الإيمانِ، فالإيمانُ الذي في قلبِهِ مثلُهُ كمثَلِ شجرةٍ طيِّبَةٍ، أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السَّماءِ، فيعيشُ على الإيمانِ ويموتُ عليهِ ويُبْعَثُ / عليهِ، وإنَّما الرِّياحُ وهي بلايا الدُّنيا تقلبُ جسمَهُ يمنةً ويسرةً، وكذلكَ قلبُهُ لا تصلُ إليهِ الرِّياحُ لأنَّهُ محروسٌ بِزَبْرِ الإيمانِ، والكافرُ والمنافقُ والفاجِرُ بعكسِ ذلكَ، جسمُهُ قويٌّ لا تقلبُهُ رياحُ الدُّنيا، وأمَّا قلبُهُ فإنَّهُ ضعيفٌ تلاعَبُ بهِ الأهواءُ المضلَّةُ فتقلبُهُ يمنةً ويسرةً، فكذلكَ كانَ مثلُ قلبِهِ كشجرةٍ خبيثةً اجتثَّتْ من فوقِ الأرضِ مالها من قرارٍ، كما أنَّ شجرةَ الحنظلِ ونحوه ممَّا ليسَ لهُ أصلٌ ثابتٌ في الأرضِ.
          وقالَ عليٌّ ☺ في صفةِ الهمجِ الرِّعاعِ أتباعِ كُلِّ ناعقٍ يميلونَ مع كُلِّ ريحٍ، لم يستضيئُوا بنورِ العلمِ ولم يلجأوا إلى ركنٍ وثيقٍ، وبهذا يظهرُ الجَّمعُ بين حديثِ تمثيلِ المؤمنِ بخامَةِ الزَّرعِ والفاجرِ كشجرةِ الأَرْزِ، وبينَ حديثِ تمثيلِ المؤمنِ بالنَّخلةِ، فإنَّ المُمَثَّلَ بالزَّرعِ جسدُهُ لتوالي البلاءِ عليهِ، والمُمثَّلُ بالنَّخلةِ إيمانُهُ وعملُهُ وقولُهُ، يدلُّ عليهِ قولُهُ ╡: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم:24] فجعلَهَا مثلاً لكلمةِ الشَّهادتينِ التي هي أصلُ الإسلامِ في قلبِ المؤمنِ، كثبوتِ أصلِ النَّخلةِ في الأرضِ وارتفاعِ عملِ المؤمنِ إلى السَّماءِ كارتفاعِ النَّخلةِ، وتُجَدِّدُ عملَ المؤمنِ كُلَّ حينٍ كإيتاءِ النَّخلةِ أُكُلَهَا كُلَّ حينٍ.
          وقد رُوِيَ / عن أبي هريرةَ ☺: <إِنَّ المُؤْمِنَ الضَّعِيْفُ قَلْبُهُ كَزَرْعٍ، والقَوِيُّ قَلْبُهُ كَمِثْلِ النَّخْلَةِ> وخرَّجَهُ البَزَّارُ وغيرُهُ، ولأنَّ ثمرةَ الزَّرعِ وهو السُّنبلُ يُستضعفُ ويَطمعُ فيهِ كُلُّ أحدٍ لقُرْبِ تناولِهِ، فيطمعُ الآدميُّ في الأكلِ منهُ وفي قطعِهِ وسرقَتِهِ، والبهائمُ في رعيهِ والطَّيرُ في الأكلِ منهُ، وكذلكَ المؤمنُ يُسْتَضْعَفُ فيُعاديهِ عمومُ النَّاسِ؛ لأنَّ الإسلامَ بدأَ غريباً ويعودُ غريباً كما بدأَ فطُوبى للغُرباءِ، فعمومُ الخلقِ يستضعفُهُ ويستغربُهُ ويؤذيهِ لغربتِهِ بينهم، وأما الكافرُ والمنافقُ أو الفاجرُ الذي كالصَّنوبرَةِ فإنَّهُ لا يطمعُ فيهِ، فلا الرِّياحُ تُزعزِعُ بدنَهُ ولا يطمعُ في تناولِ ثمرَتِهِ لامتناعِهَا.
          وفي كتابِ ((الزُّهدِ)) للإمامِ أحمدَ عن عصامِ بن يحيى المصريِّ قالَ: شكا الحواريونَ إلى المسيحِ ◙ من وَلَعِ النَّاسِ بهم وبُغضِهم إيَّاهُم، فقالَ المسيحُ: كذلكَ المؤمنونَ مبغضَوُنَ في النَّاسِ؛ وإنَّما مثلُهُم كمثلِ حبَّةِ القمحِ ما أحلى مذاقَها وأكثرَ غذاءَهَا.
          وقالَ كعبٌ ☼ في التَّوراةِ: ما كانَ حليمٌ قطُّ في قومٍ إلا بغَوا عليهِ وحسدوهُ.
          وكانَ خيثمةُ ☼ يقولُ كلاماً معناهُ: إنَّ مِنَ النَّاسِ من أجتهدُ في نفعِهِ وهو يجتهدُ في أذايَ، إنَّهُ لا يحبُّ منافقٌ مؤمناً أبداً.
          ومنهَا أنَّ المؤمنَ / يمشي مع البلاءِ كيفما مشى بهِ فيلينُ لهُ فيقلبُهُ البلاءُ يمنةً ويسرةً فكلَّما أدارَهُ استدارَ معهُ؛ فتكونُ عاقبتُهُ العافيةُ من البلاءِ وحسنُ الخاتمَةِ ويوقَّى مِيْتَةَ السُّوءِ، فلهذا كانَ مثلُهُ كمثلِ السُّنبلَةِ تقلبُها الرِّياحُ يمنةً ويسرةً، فلا تَضُرُّهُ الرِّياحُ كما في أمثالِ العربِ: إذا رأيتَ الرِّيحَ عاصِفاً فتَطَامَنْ، أي إذا رأيتَ الأمرَ غالباً فأخضعْ لهُ.
          وقالَ الحكماءُ: لا يَرُدُّ العدوَّ أو القوى مثلُ الخضوعُ لهُ، ومثلُهُ مثلُ الرِّيحِ العاصِفِ يَسْلَمُ منها الزَّرعُ لِلِيْنِهِ لها ومعها، ويتقصَّفُ منها الشَّجرُ العِظَامُ لانتصابِهَا لها، فالفاجِرُ لقوَّتِهِ وتعاظُمِهِ يتقاوى على الأقدارِ ويستعصي عليها كشجرةِ الصَّنوبرِ التي تستعصي على الرِّياحِ ولا تتطايحُ معها، فيُسَلَّطُ عليهِ ريحٌ عاصفٌ لا يقوى عليها فتقلعُهُ من أصلِهِ بعروقِهِ فتُهْلِكُهُ.
          وهذا كما حكى اللهُ ╡ عن عادٍ، قالَ: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ. فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ } [فصلت:15-16] فالمؤمن لمَّا تواضعَ لعظمَةِ اللهِ وصبرَ على بلائِهِ كانت عاقبَتُهُ الحُسنى وسَلِمَ في الدُّنيا والآخرةِ من البلاءِ وكانت العاقبةُ لهُ، / والفاجرُ لما تكبَّرَ وتقاوى على أقدارِ اللهِ عجَّلَ اللهُ عقوبَتَهُ وسلَّطَ عليهِ بلاءً يتأصَّلُهُ ولا يقدرُ على الامتناعِ منهُ، كالشَّجرِ العِظامِ التي تقلعُهَا الرِّياحُ بعروقِهَا. قالَ بعضُهم:
إنَّ الرِّياحَ إذا عَصَفْنَ فإنَّما                     تولي الأذيَّةُ شامخَ الأغصانِ
          وقالَ غيرُهُ:
من أخملَ النفسَ أحياناً وروَّحها                     ولم يبتْ طاوياً منها لمنحل
إنَّ الرِّياحَ إذا اشتدَّتْ عواصِفُها                     فليسَ ترمي سوى العالي من الشَّجَرِ
          ومنها: أنَّ الزَّرعَ وإنْ كانَ كُلُّ طاقةٍ منهُ ضعيفةٌ ضئيلةٌ، إلا أنَّهُ يتقوَّى بما يخرجُ معهُ وحولَهُ ويعتضدُ بهِ بخلافِ الشَّجرِ العِظامِ، فإنَّ بعضَها لا يَشُدُّ بعضَاً؛ وقد ضربَ اللهُ تعالى مثلَ نبيِّهِ صلعم وأصحابِهِ بالزَّرعِ لهذا المعنى، فقالَ: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح:29] قولُهُ أخرجَ شطأَهُ: أي فراخَهُ؛ فآزرَهُ: أي ساواهُ، وصارَ مثل الأمُ وقويَ بهِ، فاستغلظَ أي غَلُظَ؛ فاستوى على سوقِهِ: جمعُ ساقٍ فالزَّرعُ مثل النَّبيِّ صلعم إذا خرجَ وحدَهُ فأمدَّهُ بأصحابِهِ، وهم شطأُ الزَّرعِ كما قَوَّى الطَّاقَةَ من الزِّرعِ بما نبتَ منها حتى غَلُظَتْ فاستحكَمَتْ.
          وفي الإنجيلِ: سيخرجُ قومٌ ينبتونَ نباتَ الزَّرْعِ.
          وقد قالَ اللهُ ╡: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] وقالَ: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [التوبة:67] / فالمؤمنونَ بينَهم ولايةٌ وهي مودَّةُ ومحبَّةٌ باطنَةٌ، ثمَّ قالَ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] لأنَّ المؤمنينَ قلوبُهُم على قلبٍ رجلٍ واحدٍ فيما يعتقدونَهُ من الإيمانِ؛ وأمَّا المُنافقونَ فقلوبُهم مختلفةٌ كما قالَ تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:14] فأهواؤُهُم مختلفَةٌ ولا ولايةَ بينَهم في الباطنِ، وإنَّمَا بعضُهم من جنسِ بعضٍ في الكفرِ والنِّفاقِ.
          وفي الصَّحيحينِ عن النَّبيِّ صلعم: <المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا> وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.
          وفيهِما أيضاً عن النَّبِيِّ صلعم: <مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الْجَسَدِ الوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوٌ مِنْهُ تَدَاعَى سَائِرُهُ بِالْحُمَّى وَالسَّهَر>.
          ومنها: أنَّ الزَّرعَ ينتفعُ به حصَّادُهُ، فإنَّهُ يحصدُهُ أربابُهُ ثم يبقى من بعدِ حصادِهِ ما يلقطُهُ المساكينُ وترعاهُ البَهائمُ، وربَّما استخلفَ بعضَهُ فانتفعَ منهُ ثانيةً ونبعَ منهُ ومن الحَبِّ ما ينبتُ مِراراً؛ وهكذا مثلُ المؤمنِ يموتُ ويخلُفُ ما يُنتفَعُ بهِ من علمٍ نافعٍ أو صدقةٍ جاريةٍ أو ولدٍ صالحٍ ينتفعُ بهِ.
          وأما الفاجرُ فإذا اقتُلعَ من الأرضِ لم يبقَ فيهِ نفعٌ، بل ربُّما أَثَّرَ ضرراً، فهو كالشجرةِ المنجعفَةِ لا تصلحُ إلا لوقيدِ النَّارِ.
          ومنها: أنَّ الزَّرعَ مباركٌ في حملِهِ؛ كما ضربَ اللهُ: مَثَل {حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة:261] / وليس كذلكَ الشَّجرُ؛ لأنَّ كلَّ حبَّةٍ مما تغرسُ منهُ لا تزيدُ على إنباتِ شجرةٍ واحدَةٍ منها.
          ومنها: أنَّ الحبَّ الذي ينبُتُ من الزَّرعِ هو مؤنَةٌ للآدميينَ وغذاءُ أبدانِهِم وسببُ حياةِ أجسادِهِم، وكذلكَ الإيمانُ هو قوتُ القلوبِ وغذاءُ الأرواحِ وسببُ حياتِهَا، ومتى فقدتْهُ القلوبُ ماتَتْ، وموتُ القلوبِ لا يُرجى معهُ حياةٌ أبداً، بل هو هلاكُ الدُّنيا والآخرَةِ كما قيلَ:
ليسَ من ماتَ فاستراحَ بميِّتٍ                     إنَّما الميِّتُ ميِّتُ الأحياءِ
          فلذلكَ شبَّهَ المؤمنَ بالزَّرعِ حيثُ كانَ الزَّرعُ حياةَ الأجسادِ، والإيمانُ حياةُ الأرواحِ؛ وأمَّا ثمرُ بعضِ الأشجارِ العِظامِ كالصَّنوبَرِ ونحوِهِ فليسَ فيه نفعٌ وربَّما لا يتضَرَّرُ بفقدِهِ، فلذلِكَ مثَّلَ الفاجرَ والمنافقَ بهذهِ لِقِلَّةِ نفعِ ثمرِهَا. واللهُ أعلمُ؟(5) /


[1] قوله: (قالَهُ أبو عبيدٍ وغيره) زيادة من المطبوع، لكن فيه: (أبو عبيدة) وهو خطأ، والتصويب من كتب اللغة.
[2] في المطبوع: (مقام)، والصواب من الأصل الخطي.
[3] ما بين معقوفين زيادة من المخطوط ليست في المطبوع.
[4] في المطبوع: (ويتحسَّرُ).
[5] بعدها كلام ابن رجب ☼ عن حديث: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، وآخر المطبوع: تمَّتْ هذهِ النُّسخةُ المباركَةُ المفيدَةُ، رحمَ اللهُ من جمعَها، ومن حَثَّنِي على نسخِها، ومن نسخَها؛ وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّدٍ وآلهِ وصحبِهِ أجمعين. نسختُها من نسخةِ الشَّيخِ العلامَةِ محمَّد كاملٍ الكرديِّ ⌂ بمكَّةَ المكرَّمَةَ، يومَ الرَّبوعِ للتَّاسعِ عشرَ من ذي الحِجَّةِ الحرامِ، سنةَ أربعٍ وأربعينَ بعدَ الألفِ والثَّلاثمائِةِ أيَّامَ وُرُوْدِي بالحجازِ، في أوَّلِ سلطنَةِ السُّلطانِ عبدِ العزيزِ بن عبدِ الرَّحمنِ آلِ سعودٍ، وفَّقَهُ اللهُ لما يحبُّهُ ويرضاهُ، وجعلهُ خيرَ محافِظٍ لمن تحتَ أمرِهِ. اللَّهُمَّ آمين.