أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله.

          291/ 1399- 1400- قال أبو عبد الله: حدَّثنا أَبُو اليَمانِ، قال: أخبَرنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عن الزُّهْرِيِّ، قال: حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ:
          أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ قالَ: لَمَّا (1) تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلعم وكانَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ، / فقالَ عُمَرُ: كَيْفَ تُقاتِلُ النَّاسَ؛ وَقَدْ قالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : «أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّىَ يَقُولُوا: لا إِلَهَ إلَّا اللهُ. فَمَنْ قالَها عَصَمَ مِنِّي مالَهُ وَنَفْسَهُ إلَّا بِحَقِّهِ (2)، وَحِسابُهُ على اللهِ»؟! فقالَ: واللهِ لأُقاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ؛ فَإِنَّ الزَّكاةَ حَقُّ المالِ، واللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقاً (3) كانُوا يُؤَدُّونَها إلىَ رَسُولِ اللهِ صلعم لَقاتَلْتُهُمْ عَلَىَ مَنْعِها. فقالَ عُمَرُ: ما هو إلَّا أَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ (4)، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَقُّ.
          قلت: هذا حديثٌ مشكلٌ جدَّاً، وإشكالُه من جهة اختصاره، وتَرَكَ أكثرُ رُواته اسْتِقْصَاءَه واسْتيفاءَ القِصَّةِ فيه، وكلامُ أبي هريرة من رواية عبيد الله (5) فيما ذكَرهُ من الحادثة، وحكاه من مُحَاجَّةِ أبي بكر وعمر كلامٌ مُبْهَمٌ (6) قد تعلَّق به الرَّوافِضُ، وادَّعُوا فيه (7) المُنَاقَضة (8)، وقالوا: قد أَخْبرَ في أَوَّل القِصَّة عن كُفْر مَنْ كَفَر مِن (9) العربِ وارْتدادهم، وإنَّما يُطلَقُ (10) اسْمُ الكفرِ على مَنْ أنكر الدِّينَ، وخرج من (11) المِلَّة، ثمَّ حَكَى عن أبي بكرٍ أنَّه قال (12) : لأُقاتِلَنَّ مَنْ فَرَّق بين الصَّلاة والزَّكاة؛ وهذا يُوجِبُّ (13) أن يكونوا ثابتين على (14) الدِّين مُقيمين للصلاة، وإن مَنَعُوا الزَّكاة، وفَرَّقُوا بينهما في القيام بإحداهما وتَرْكِ الأخرى منهما، وزعم هؤلاء (15) أنَّ عُمَرَ لم يُطابِقه على الحَرْب لقيام الدَّليل (16) عنده على أنَّها حَقٌّ لكن (17) مُسَاعَدةً لأبي بكر وتقليداً له، وذلك حين يقول: فواللهِ ما هو إلَّا أَنْ رأيتُ الله قد (18) شَرَحَ صَدْرَ أبي بَكر للقتال، فعرفتُ أنَّه الحَقُّ.
          قالوا: وهذا كلامُ مَنْ يَدَّعي لأبي بكر العِصمةَ، ويُسَلِّم له أفعالَه بغير حُجَّة، وليس ذلك لأحدٍ بعدَ رسولِ الله صلعم، قالوا: وإذا كان هكذا (19) حالَهم عند أبي بكر فكيف اسْتَجاز قَتْلَهُم وسَبْيَهم وسَبيَ ذراريهم وهم مسلمون (20) ؟
          وإنْ كانوا كُفَّاراً مُرْتَدِّينَ فما معنى هذا القول في التفرقة بين الصلاة / والزكاة، والتَّعَلُّقِ في اسْتباحَةِ قتالهم، وقد أجمعوا أنَّ المُرتَدَّ لا يُسْبَى، ولا يُستَعْبَدُ؟! وعلى كُلِّ حالٍ فلم يَخْلُ صَنيعُه ذلك من عَسْفٍ وسُوء سيرةٍ.
          وزَعمُوا أيضاً أنَّ القومَ كانوا مُتَأوِّلين في مَنْع الزَّكاة، مُحْتَجِّين على أبي بكر (21)، بقول الله ╡: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} (22) [التوبة:103]، لمَّا وجدُوا الخطابَ خاصّاً (23) في مُواجهة النبيِّ صلعم دُون غيره بشَرْطِ أن يُطَهِّرَهم ويُزَكِّيَهم ويُصَلِّي عليهم، فإنَّ صلاتَه سَكنٌ لهم (24)، وهذه الشرائط مَعْدُومةٌ في غيره، ولذلك قال شاعرهم:
أَطَعْنَا رسولَ الله (25) ما دام (26) بَيْنَنَا                     فَيَا عَجَباً مَا بَالُ (27) مُلْك أبي بَكْرِ (28)
          ومثل هذه الشُّبَه تُوجِبُ العُذْرَ لمثلهم، والوُقَوفَ عن قتلهم، وقد كان رأيُ بَعضِهم أنَّه ليس بإمامٍ، وإنَّما يأخُذُ الزَّكاةَ رسولُ الله صلعم في حياته، أو إمامٌ يَنْصِبُه للخلافة بعده، في أشياء من هذا الباب، أكثرُها تخليطٌ وتَغْليط لعوامِّ الناس والضَّعَفَة منهم. (29)
          وأوَّل ما يُحتَاجُ إليه من بيان هذه الأمور (30) معرفةَ القِصَّة فيها كيف كانت، وصُورةُ الأمر (31) كيف جَرَتْ، فنحتاجُ من أجل ذلك إلى ذِكْر الرِّوايات، وتَتتَبعِ طُرُق النَّقْل فيها لتتكَشَّفَ (32) الحقيقةُ منها، ونحن فاعلون لذلك بمشيئة الله وعونه.
          فوجدنا أكثرَ الروايات في ذلك عن أبي هُريرة على الاختصار، على (33) نَحو ما رواه عبيدُ الله بن ِعبد الله بن عُتبةَ، وهو الذي ذكره أبو عبد الله، كذلك رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن عنه، حدَّثناه عبد الله بن محمَّد المسكيُّ: حدَّثنا محمَّد بن عبد الله بن (34) الجُنيد: حدَّثنا محمَّد بن قُدامَه المرْوَزِيُّ: حدَّثنا النَّضْر بن شُمَيْل: حدَّثنا محمَّدُ بن عَمْرو: عن أبي سَلَمة، عن أبي هريرة (35)؛ نحو حديث عُبيد الله.
          وكذلك رواه العَلاءُ بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، حدَّثناه ابن مالك: حدَّثنا الحسن بن زياد السُّدِّيُّ: / حدَّثنا إسماعيلُ بن أبي أويس: حدَّثنا مالك، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة (36).
          وكذلك رواه ابنُ عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة (37)، حدَّثنيه أبو محمَّد الكَرَّانيُّ: حدَّثنا الحسن بن عبد العزيز المُجَوِّز: حدَّثنا أبو عاصم: حَدَّثنا ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة (38) (ح).
          وحَدَّثناه النَّجَّادُ: حدَّثنا الحارثُ بن أُسَامَة: حَدَّثنا أبو عاصم، عن ابن عجلان، عن أبيه (39)؛ مثله.
          وكذلك رواه المَقْبريُّ، عن أبيه، عن أبي هريرة، حدَّثناه محمَّد بن بكر: حدَّثنا أبو مسلم: حدَّثنا أبو عاصم، عن المَقْبُريِّ، عن أبيه، عن أبي هريرة.
          وكذلك رُوي عن سعيد بن المُسَيَّب، عن أبي هريرة، أخبرناه ابن الأعرابيِّ: حدَّثنا محمَّد بن أحمد بن الجُنَيد الدَّقَّاق: حدَّثنا عبد الغَفَّار بن عُبيد الله الكُريزيُّ: حدَّثنا صالحُ بن أبي الأخضر: عن الزُّهريِّ، عن سعيد بن المُسَيَّب، عن أبي هريرة (40)؛ نحوه.
          فهذه الروايات كلُّها مُختصَرةٌ نحو حديث عُبيد الله بن عبد الله بن عُتْبة، وفي الألفاظ اختلافٌ يَسيرٌ لا يُتَغَيُّرُ له (41) المعنى.
          ثمَّ إنَّنَا قد رُوِّيناهُ من طَريقٍ صحيح عن أبي هريرة من غير اختصار، فذكرَ فيه الصَّلاة والزَّكاةَ، حدَّثنيه إبراهيم بنُ عبد الله (42) الأصبهانيُّ: حدَّثنا محمَّد بن إسحاق بنِ خُزيمة: حدَّثنا محمَّد بن أبان، عن أبي نُعيم: حدَّثنا أبو العَنْبَس سَعيدُ بن كثير: حدَّثني أبي، عن أبي هريرةُ، قال: قال رسولُ الله (43) صلعم : «أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ الناس حتَّى يَشْهدُوا أَنْ لا إلَهَ إلَّا الله، ويُقيموا الصَّلاة، ويُؤتُوا الزَّكاةَ، ثُمَّ حُرِّمَتْ عليَّ (44) دِمَاؤُهم وأموالُهم، وحِسابُهم على اللهِ» (45).
          قلت: وهو كثيرُ بن عُبيد مَولى أبي بكر (46)، وقد أدخله ابنُ خُزَيمة في «مسنده (47) الصحيح».
          وقد روى أنسُ بنُ مالك أيضاً قِصَّةَ مُحاجَّة أبي بكر وعمر فذكر فيها الصلاة والزَّكاة (48) من طريقٍ يدخلُ في الصحيح: أخبرناه ابنُ الأعرابيِّ: حدَّثنا محمَّد بن عبد الملك / الدَّقيقيُّ (49) : حدَّثنا عمرو (50) بن عاصم الكلابيُّ، حدَّثنا أبو العَوَّام _يعني عِمرانَ بن دَاوَر القَطَّان_: حدَّثنا معمر بن راشد، عن الزِّهْريِّ، عن أنس قال: لَمَّا تُوِفِّيَ رسول الله صلعم ارتدَّ عامَّةُ العرب، فقال عمرُ لأبي بكر: أَتُريدُ أن تُقاتِلَ العربَ؟ قال أبو بكر: إنَّما قال رسولُ الله صلعم : «إذا شَهِدُوا أنْ لا إلَه إلَّا الله وأَنَّ محمَّداً رسولُ الله، وأقامُوا الصَّلاة، وآتوا الزَّكاةَ عَصَمُوا مِنَّي دمَاءهم وأموالَهم». والله لو مَنعُوني عَناقاً مِمَّا (51) كانوا يُعطُونَه رسولَ الله صلعم لقاتَلْتُهم عليه.
          وقد رواه أيضاً محمَّد بن إسحاق بن خزيمة في «مسنده الصحيح»، قال: حدَّثنا بُندارٌ: حدَّثنا عَمرو (52) بنُ عاصم الكلابيُّ؛ بإسناده سَواء (53).
          وقد روِّينا أيضاً حديث أنس في غير ذلك لقصَّة الرِّدَّة من طريق صحيح، أخبرناه محمَّدُ بن بكر: حدَّثنا أبو داود: حدَّثنا سعيدُ بنُ يعقوب الطَّالَقانِيُّ: حدَّثنا عبد الله بن المبارك، عن حُميد، عن أنس، قال: قال رسولُ الله صلعم : «أُمِرْتُ أن أُقاتِل الناس حتَّى يَشْهَدوا أن لا إلَهَ إلإَّ اللهُ وأَنَّ محمداً عبْده ورسولُه (54)، وأن يستقبلوا قِبلَتَنا، وأن (55) يأكلوا ذَبيحتنا، وأن يُصلُّوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك حَرُمَتْ علينا دماؤُهم وأموالُهم إلَّا بحقِّها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين».
          وقد روى نحو ذلك الإمام أبو عبد الله☼ في هذا الكتاب من رواية ابن عمر، فذكر فيه الزكاة، قال:
          ░25▒ حدَّثنا عبد الله بن محَّمدٍ: حدَّثنا حرميُّ بن عمارة: حدَّثنا شعبة، عن واقد بن محمَّد، قال (56) : سمعت أبي يحدِّث عن ابن عمر، عن رسول الله صلعم، قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتَّى يشهدوا أن لا إله إلَّا الله وأنَّ محمَّداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك (57) عصموا منِّي دماءهم وأموالهم إلَّا بِحقِّ الإسلام، وحسابهم على الله». /
          فقد نطقت هذه الأخبار المرويَّة من الطُّرق الصِّحاح: _وحديث أبي هريرة من طريق كثير بن عُبيد، وحديث أنس من طريق الزُّهريِّ، وحديث ابن عمر_ أنَّ الزَّكاة (58) كانت شرطاً في الأصل لِحَقْنِ الدَّم، فثبت بذلك (59) أنَّ أبا بكر إنَّما قاتلَهم (60) بالنَّصِّ والتَّوقيف، لا بالنَّظر والاسَّتدلال (61) الذي جرى ذكْرُه في خبر عُبيد الله بن عبد الله بن عُتْبة عن أبي هريرة (62)، ويُشْبه أن يكونَ هذا إنَّما ذُكر فيه على سبيل التوكيد والاسْتْظهار عند مراجعة القول في مُنَاظرة عُمر (63)، لا على سبيل التَّفَرُّد به وَحْدَه، وفي ذلك إسْقاطُ (64) جميع ما أوردَهُ (65) الرَوافِضُ من الشُّبه، وقد ذكرتُ الجوابَ عن تلك الفصولِ في كتاب «معالم السنن» (66) فلم يجب تكريره هاهنا.
          وممَّا يجبُ أن يُعلم (67) هاهنا أنَ الذين (68) لزمهم اسمَ الرِّدَّة من العرب كانوا صِنْفينْ:
          صِنفٌ منهم ارتدُّوا عن الدِّين، ونابذُوا المِلَّةَ، وعَاوَدُوا الكُفْرَ (69)، وهم الذين عناهم أبو هريرة بقوله: وكَفرَ مَنْ كَفَر من العرب؛ وهم أصحابُ مُسَيْلَمة (70)، ومَنْ سَلَكَ مَذْهبَهم (71) في إنكار نُبُوَّة محمَّد صلعم.
          والصنِّف الآخر: هم الذين فَرَّقُوا بين الصلاة والزكاة، فأقَرُّوا بالصَّلاة وأنكروا الزَّكاةَ، وهؤلاء على الحقيقة (72) أهلُ بَغْي، وإنَّما لم يُدْعَوْا بهذا الاسم على الاختصاص به (73)؛ لدخولهم في غمار أهل الرِّدَّة (74)، فأَضِيفَ الاسمُ في الجُملة إلى الرِّدَّة، إذْ كانت أَعْظَمَ الأمرين خَطْباً، وصار مَبدَأُ قِتَالِ أهل البَغْي مُؤَرَّخاً بأيَّام عليِّ بن أبي طالب ☺ (75)، إذ كانوا مُنفردين في عَصْرهِ، لم يختلطوا بأهلِ شِرْكٍ، وفي ذلك تَصويبُ رأي عليٍّ في قتال أهل البَغْي، ودليلٌ على أنَّه إجْماعٌ من الصحابة كُلِّهم.
          فإن قيل: لو كان مُنْكِرُوا الزكاة في زمان أبي بكر (76) أَهْلَ بَغْي، ولم يكونوا بذلك كُفَّاراً، لكان سبيل (77) مُنكري فَرْضِ الزكاة في زماننا هذا سَبِيلَهم في لُزوم الاسم إيَّاهم، وسُقُوط حُكْمِ الكفر عنهم.
          قيل: إنَّ مَنْ أَنكَر ذلك في هذا الزَّمان كافِرٌ بإجماع الأُمَّة، / والفَرْق في ذلك بينَه وبين أولئك القوم أنَّهم عُذِرُوا فيما جَرَى منهم، حتَّى صارَ قتالُ المسلمين إيَّاهم على معنى اسْتخراج الحَقِّ منهم، دُون (78) القصْدِ إلى دمائهم وأنفسهم؛ لأُمورٍ (79) لا يحدثُ مثلها في هذا الزمانِ، منها:
          قُربُ العَهدِ بزمان الشريعة التي كان يَقَعُ فيها (80) تبديلُ الأحكام.
          ومنها وُقُوعُ الفَتْرة بموت النبيِّ صلعم، وكان القومُ جُهَّالاً بأمُور الدِّين، وعَهْدُهم حَدِيثٌ بالإسلام، فداخلتهم الشُّبْهة (81)، فَعُذِرُوا ضَرْباً (82) من العُذْر.
          فأمَّا اليومَ فقد شَاعَ أَمْرُ الدِّين، واسْتَفَاضَ العِلْمُ بوجُوب الزَّكاة؛ حتَّى عَرَفَه الخاصُّ والعامُّ، واشترك (83) في معرفته العالم والجاهلُ، فلا يُعْذَر أحدٌ بتأويلٍ يَتَأوَّلُهُ في إنكارها، وصار سبيلُها سبيلَ الصلوات الخمس في اسْتِفَاضَةِ العلم بها، فلا عُذْر لمن جَهِلَها (84)، ولا بُقْيَا على مَنْ أنكرها؛ إلَّا أن يَتَّفِقَ أن يكونَ رجلٌ في بعض البلاد المُتاخمة لبلاد الكفر (85)، حَدِيثَ عَهْد بالإٍسلام (86)، لا يَعرفُ حُدُودَه، فإذا أنكر شيئاً من مَعَاظِم أَمْر (87) الدِّين جَهْلاً به لم يَكْفُر، ولم يَرْتَفِع اسمُ الدِّين عنه للعُذْر فيه.
          وأمَّا ما جَرَى من السَّبي عليهم فهو أمرٌ (88) قد رأته الصحَّابةُ (89) في ذلك الوقت (90) من طريق الاجتهاد، وقد اسْتولَد عليُّ بن أبي طالب جَاِرِيَةً من سَبْي بني (91) حنيفة، فولَدت محمَّد بن عليٍّ (92)، ثمَّ لم يَنْقَرِض العَصْر حتَّى رَأَوْا خِلاَفَه، واتَّفَقُوا على أنَّ المُرْتدَّ لا يُسْبى، وإنَّما أوردوا (93) الخِلاف في أولاد المُرتدِّين، وقد قيل: إنَّه لم يُسْبَ أحدٌ من رجالهم؛ وقد جيءَ بالأشْعث بن قَيْس، وبَعُييْنَة (94) بن حِصْن فأطلقَهما ولم يَسْتَرقَّهُما.
          وفي الحديث من الفِقه: وُجُوبُ الصَّدَقة في السِّخَالِ والفُصْلانِ والعجاجيل، وأنَّ واحدةً منها تُجزئ عن الواجب في الأربعين منها إذا كانت كُلُّها صِغاراً، ولا يُكَلَّفُ صاحِبُها (95) مُسِنَّةً.
          وفيه دليلٌ على أنَّ حَوْلَ النتاج حَولُ الأربعين الأُمَّهات، ولو كان يُستَأنَفُ / بالنتاج الحَولُ (96) لم يوجد السبيل إلى أخذ العناق، وإلى إيجاب الزكاة فيها، وأنَّ واحدةً منها مُجْزِئةٌ، وإليه مالَ (97) الشافِعيَّ (98)، وهو قولُ أبي يوسف، وقال مالك: فيها مُسِنَّةٌ (99). وقال محمَّد بن الحسن: لا شيءَ فيها.
          وفيه دليلٌ على أنَّ الرِّدَّة لا تُسْقِط عن المُرْتدِّ الزَّكاةَ إذا وَجَبتْ عليه في أموالهِ.
          وقوله: (وحسَابُه على اللهِ) معناه: بما (100) يَسْتَسِرُّ (101) به من الباطن دون الظاهر البادِي من أَمْرِه، فإنَّه مَأْخُوذٌ به.
          وفيه دَلالةٌ على أنَّ توبةَ الزِّنْديق (102) مقبولةٌ، وسَرِيرتَه فيما يُبْطِنه إلى الله موكولةٌ (103)، وهو قولُ أكثر العلماء، وحُكي عن مالك أنَّه قال: لا تُقبَلُ تَوْبَةُ الكافِر المُسْتَسِرُّ بكُفْرِه (104). وحُكي ذلك أيضاً عن أحمد بن حنبل (105).


[1] (لما) سقطت من (م).
[2] في (أ): (إلا بحقها) وفي (ر): (إلا بحق).
[3] في (ط): (عنا).
[4] في الفروع زيادة: (للقتال).
[5] في (ط): (عبد الله).
[6] انظر: تعليق الخطابي على كون رواية أبي هريرة مُبْهَمة (معالم السنن 2/ 205).
[7] قوله: (فيه) زيادة من (ط).
[8] في الفروع: (وقالوا فيه تناقض).
[9] قوله: (من كفر من) سقط من الأصل، والمثبت من (ط).
[10] في (ف): (أطلق).
[11] في الفروع: (عن).
[12] في الفروع: (ثم قول أبي بكر).
[13] في (ر): (يجوز).
[14] في (ر): (عن).
[15] في الفروع: (وزعموا).
[16] في الفروع: (لدليل قام).
[17] في الفروع: (وإنما هو).
[18] (رأيت الله قد) سقط من (ط).
[19] في (ط) والفروع: (هذا).
[20] في الفروع: (إن كانوا مسلمين).
[21] في الفروع: (مستدلين عليه).
[22] ذكر في (ط): (إن صلاتك سكن لهم) فقط.
[23] في (ط): (خاصة).
[24] قوله: (لهم) زيادة من (ط)، وزاد في الفروع: (وتطهير).
[25] في (أ) زيادة: ( صلعم ).
[26] في الفروع: (وما كان).
[27] (ما بال) سقط من (ط).
[28] ينسب البيت إلى الحطيئة في ديوانه 329، والأغاني 24/ 130 وقيل، هو للحارث بن سُراقة بن معد يكرب. وقال الطبري في تاريخه (3/ 245): ينسب إلى الخُطَيل بن أوس أخو الحطية.
[29] أنظر، معالم السنن للخطابي (2/ 1999).
[30] في الفروع: (أول ما يحتاج أن نبين).
[31] في الفروع: (والصورة).
[32] في (ط): (لتكشف).
[33] قوله: (على) زيادة من (ط).
[34] (بن): ليست في (ط).
[35] انظر: المسند للإمام أحمد بن حنبل (2/ 502).
[36] انظر، صحيح مسلم كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس....برقم░34▒.
[37] (وكذلك رواه...أبي هريرة) سقط من (ط).
[38] انظر: المسند للإمام أحمد بن حنبل (2/ 439).
[39] (عن أبي هريرة ح... عن أبيه) سقط من (ط).
[40] انظر: صحيح مسلم في الإيمان، باب اللأمر بقتال الناس رقم34/ .
[41] في (ط): (به).
[42] في (أ) و(م): (عبيد الله).
[43] في (ف): (النبي).
[44] (علي) سقطت من (ف).
[45] انظر صحيح ابن خزيمة رقم (2248).
[46] في الأصلين والفروع: (مولى أبي هريرة)، والمُثبت من مصادر الترجمة.
[47] في الفروع: (المسند).
[48] في الفروع: (الزكاة مع الصلاة) إلَّا في (أ): (الصلاة مع الزكاة).
[49] في (أ) (الرقفي) وفي (م): (الرقيقي).
[50] في (أ): (عمر).
[51] في (م): (ممن).
[52] في (أ): (عمر).
[53] في (ر) و(ف): (مثله) وانظر: صحيح ابن خزيمة رقم (2247) عن أنس.
[54] في (أ): (وأن محمداً رسول الله).
[55] (وأن) سقطت من الفروع.
[56] في (ط): (عن قال).
[57] ذلك سقطت من (ط).
[58] في (أ): (الصلاة).
[59] في الفروع: (بهذا).
[60] في (ر): (قتلهم).
[61] في (ط): (لا بالاجتهاد).
[62] قوله: (عن أبي هريرة) زيادة من الفروع.
[63] في الفروع: (الاستظهار بالمناظرة بالترجيح).
[64] في الفروع: (وفي هذا سقوط).
[65] في (ط): (أفرده).
[66] انظر: معالم السنن 2/ 199.
[67] في الفروع زيادة: (معرفته أن يعلم).
[68] في الفروع إلَّا (أ): (الذي).
[69] في (أ) و(ف): (وعادوا إلى الكفر) وفي (م): (وعادو للكفر).
[70] في (ط): (مسلمة).
[71] في الفروع: (نحى نحوهم).
[72] في (أ) و(ر) و(ف): (في الحقيقة) وفي (م): (بالحقيقة).
[73] في الفروع: (لم يخصوا بهذه السمة).
[74] في الفروع زيادة: (بخلاف المسلمين).
[75] (☺ ) من (ط).
[76] في الفروع: (لو كان أولئك).
[77] قوله: (منكروا الزكاة.... سبيل) سقط من الأصل والمثبت من (ط).
[78] في (ط): (إلى).
[79] في (أ): (أمور).
[80] في الفروع: (الذي كان فيه).
[81] انظر، معالم السنن 2/ 205.
[82] في الفروع: (نوعاً).
[83] (واشترك) سقط من (ط).
[84] في الفروع: (لأحد جهلها) وفي (أ): (لأحد في جهلها).
[85] (في بعض البلاد المتاخمة لبلاد الكفر) سقط من (ط).
[86] في الأصل: (عهد الإسلام).
[87] في (ط): (أمور).
[88] في الفروع: (شيء).
[89] في (م): (قد رآه).
[90] في الفروع: (حينئذ).
[91] في (ر): (أبي).
[92] في الفروع: (بن الحنفية).
[93] في الفروع: (أورثوا).
[94] في الفروع: (وعيينة).
[95] في (أ) زيادة: (عن الواجب).
[96] قوله: (الحول) سقط من الأصل والمثبت من (ط).
[97] في الأصل (قال) والمثبت من (ط) وفس الفروع: (هذا قول).
[98] انظر: كتاب الأم 2/ 10.
[99] انظر المغني لأبن قدامة (2/ 451).
[100] في الفروع: (فيما).
[101] في (أ): (استسر).
[102] (الزَّنديق) القائل ببقاء الدهر وزندقته أنَّه لا يُؤمن بالآخرة ووحدانية الخالق (التاج : زندق).
[103] في (ر) و(م): (موكلة).
[104] انظر: الحجة على أهل المدينة (1/ 488).
[105] انظر: معالم السنن للخطابي (2/ 199).