أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث: ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله

          289/ 1395- قال أبو عبد الله: حدَّثنا أَبُو عاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عن زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحاقَ، عن يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عن أَبِي مَعْبَدٍ:
          عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☺ (1) : أَنَّ النَّبِيَّ (2) صلعم بَعَثَ مُعاذاً إلى اليَمَنِ، فقالَ: «ادْعُهُمْ إلىَ شَهادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ (3) أَطاعُوا (4) لذلك (5)، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ تعالى قد (6) افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَواتٍ فِي كُلِّ (7) يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (8)، فَإِنْ هُمْ (9) أَطاعُوا (10) لذلك، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ ╡ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوالِهِمْ، تُؤخَذُ مِنْ أَغْنِيائِهِمْ وَتُرَدُّ إلى (11) فُقَرائِهِمْ».
          في هذا الحديث من العلم أنَّه رَتَّبَ (12) واجبات الشريعة، فقدَّم كلمة التوحيد، ثمَّ أتبعها فرائضَ الصَّلاة لأَوْقاتها، وأخَّر ذكرَ الصَّدَقة؛ لأنَّها إنَّما تَجبُ على قومٍ من النَّاس دُون آخرين (13)، وإنَّما تَلْزَمُ بمُضِيِّ الحَوْلِ على المالِ، واسْتِكمال النِّصاب.
          وفيه من الفِقْه أَنَّ وُجُوبَ الصَّدَقة يتعلَّق (14) بالمال، فلو تَلِفَ المالُ قبلَ أن تَخْرُجَ منه الصَّدَقة لم يَلْزَمْ صَاحِبَ المالِ إخْراجُها من سائر ماله، ما لم يُفّرِّطْ في أدائها وَقْتَ الإمكان.
          وفيه أنَّ صَدَقةَ بلدٍ لا تُنْقَلُ إلى بلدٍ آخر، وإنَّما تُصرفُ إلى فقراء أهل البلد الذي به المالُ.
          وفيه دليلٌ على أنَّ الطِّفلَ إذا كان غَنيّاً وَجَبَتْ في ماله الزكاةُ، كما إذا كان فقيراً (15) جازَ له أخذُها.
          وفيه أنَّه لا يُعْطَى غيرُ المسلم شيئاً من الصدقة.
          وفيه أنَّه إذا تبيَّن أنَّ المَدفُوعَ إليه الصَّدقةَ كان غَنِيَّاً يومَ أَخْذِها، كان عليه / إعادُتها.
          وقد يَسْتَدِلُّ به مَنْ لا يرى على المَدْيون زكاةَ ما في يَده إذا لم يَفْضُل عن مبلغ الدَّين الذي (16) عليه قَدْرَ نِصابٍ، لأنَّه ليس بغنيٍّ إذا كان مُسْتَحقّاً عليه إخراجَ ما في يده إلى غريمه.
          قالوا: وقد قُسِمَ الناسُ في هذا الحديثِ قسمين (17) : غنيٌّ وفقيرٌ، وآخِذٌ ومأخُوذٌ منه، فلا يجتمع الوصفان معاً في شِقٍّ واحد منهما؛ لِتَضادِّهما واختلاف أحكامهما (18).
          وفي ذلك دليل على أنَّ رجلاً لو تصدَّق بعَشَرةٍ من الإبل على الفقراء، فحالَ الحولُ عليها لم تجب الصدقةُ فيها؛ لأنَّها لو أُخِذَتْ منهم لَوَجَبَ رَدُّها عليهم، فلا يجتمع أن يكونَ آخِداً ومأخوذاً منه في شيءٍ واحدٍ.


[1] (☺ ) من (ط).
[2] في الفروع: (رسول الله).
[3] في (ط): (فإنهم).
[4] في الفروع: (أطاعوك).
[5] في (ط): (لك).
[6] قوله: (قد) زيادة من (ط).
[7] (كل) سقطت من (ط).
[8] قوله (فإن هم... وليلة) سقط من (م).
[9] في (ط): (فإنهم).
[10] في (أ): (أطاعوك).
[11] في (ط) والفروع: (في) إلَّا (ر): (على).
[12] في (أ): (قلت فيه) وفي (ر) و(ف) و(م): (بث فيه).
[13] في (ط): (الآخرين).
[14] (يتعلق) سقطت (ط).
[15] في (ط): (كان له فقيراً) وفي الفروع: (كما تدفع إليه إذا كان فقيراً).
[16] قوله: (الذي) زيادة من (ط).
[17] في (ط): (قسم الناس قسمين في هذا الحديث).
[18] في الأًصل: (أحكامها)، والمثبت من (ط) وجاء في الفروع زيادة: (قلت: ولم يجب شيخنا عنه، والجواب أن المديون ليس يأخذها لفقره حتى لا تجب عليه لغناه، إنما يأخذها لكونه من الغارمين، وليس استحقاق الزكاة بسبب واحد بل لها وجوه).