مشارق الأنوار على صحاح الآثار

الباء المفردة

          الباءُ المُفرَدة
          113- لحرفِ الباء مَواضِع في لسانِ العَربِ، وتَدخُل على الأسماءِ فتُخفِضها لمعانٍ شتَّى، وكذا جاءَت في كتابِ الله تعالى، وحَديثِ نبيّه صلعم وأصْحابِه ♥.
          وأصلُها وجُلُّ مَعانِيها (الإلْزاق) لما ذُكِر قبلَها من اسمٍ أو فعلٍ بمن ضُمَّت إليه، فإذا قُلتَ: مرَرتُ بزَيدٍ؛ فمَعناه ألزَقْت مُروري به، وإذا قُلتَ: المالُ بيدِ زيدٍ؛ فقد ألزَقْت به المال، وكذلك إذا دخَلتْ للقَسمِ في قَولِك: بالله لا فعَلْت كذا؛ فمعناه أحلِفُ بالله وألزَقْت به قَسمِي، فحُذِفَ الفِعل لدَلالةِ الباء عليه، بدَليلِ أنَّكَ إذا حذَفْت الباء ظهَر عمل الفِعل المَحذوف في الاسم، فقُلت: اللهِ لتَضرِبَن زيداً بالنَّصبِ، هذا كلامُ العربِ إلَّا في قَولِهم: اللهِ لآتِيكَ، فإنَّه عندَهم خفض، وقد روَى الرُّواةُ في قَولِه: «إنِّي مُعسرٌ، فقال: آللهِ؟ قال: آللهِ» بالكَسرِ والفَتحِ، وأكثرُ أهلِ العَربيَّة يمنَعون الفتحَ ولا يجيزُون إلَّا الكسر، سواء جئت بحَرفِ القَسمِ أو حذَفتَه، فالباءُ مع هذا تأتي زائدة لا معنَى لها.
          وقد تَسقُط في اللَّفظِ أيضاً، وتأتي بمعنى: (مِنْ أَجْلِ)، وبمعنى: (في)، وبمعنى: (عن)، وبمعنى: (على)، وبمعنى: (من)، وبمعنى: (مع)، وللحال، والبدل، والعوض، ولتَأكيدِ النَّفي، وتحسينِ النَّظم، وبمعنى: (لام السَّببِ).
          فمِمَّا جاءَت لهذه المَعاني في هذه الأصُولِ:
          قوله: «وصلِّ الصُّبح بغَبشٍ» أي: في غَبَشٍ، وفي قَولِه: «أكثرتُ عليكم بالسِّواك»، ويُروَى: «في السِّواك» [خ¦888].
          ومِثلُه: «كنَّا نتحدَّث بحَجَّة الوَداعِ _وعند الأَصيليِّ: في حَجَّة الوَداع_ ولا نَدري ما حَجَّةُ الوَداعِ» [خ¦4402] أي: كُنَّا نُكرِّرها ونَذكُر اسمها، (الباء) هنا و (في) بمعنًى، كما قيل في قَولِه تعالى: {وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم:4] أي: في دُعائك، وقيل: معناها هنا: (مِنْ أجْلِ).
          ومِثلُه قوله: «فلم أزل أسجدُ بها» [خ¦766]، ويُروَى: «فيها» [خ¦1078] يعني السَّجدة في ({انشَقَّتْ}[الانشقاق:1]).
          وقوله: «أتريدُ أن تَجعلَها بي» أي: تُلزِمني هذه المَسألةَ وتُوَلِّيني دَرْكَ فُتْيَاها، والهاء في «تَجعلَها» عائد على القصَّة أو الفُتيا وشِبهِه، وقد تكون بمعنَى: (مِنْ أَجْلِ)؛ أي: / من أجل فُتيَاي ورَأيِي، وقد حكَى سِيبُويَه هذا من مَعانِيها، وقيل ذلك في قوله: {وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ} [مريم:4] كما تقدَّم، وقيل: المرادُ الكفَّارة؛ أي: تُلزمُنيها، والأوَّلُ أظهَرُ.
          وقوله في القُرآنِ: «لهو أشدُّ تفصِّياً من النَّعَم بعُقُلِها» كذا للجُلُوديِّ في حَديثِ زُهيرٍ، ولابنِ ماهَانَ فيه: «من عُقُلها»، قالوا: وهو الصَّوابُ، وكِلاهُما صَوابٌ، رُوِي: «بعُقُلِها» و«من عُقُلِها» بمعنًى، كما قيل في قوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان:6] أي: منها، وقيل: يشرَبُون هنا بمعنَى: (يَروون)، وقد جاء في روايةٍ أُخرَى: «في عُقُلها» [خ¦5033]، وهو راجعٌ إلى معنَى: (مِنْ).
          ومِثلُه في حَديثِ ابنِ أبي أُويسٍ في الإحْدادِ: «فدعَتْ بطيبٍ فمسَّت به» أي: «منه» [خ¦1282]، كما جاء في سائرِ الرِّواياتِ.
          ومنه: «كنت ألزَمُ رسولَ الله صلعم بشِبَع بَطنِي» [خ¦3708] كذا لبعض رُواةِ أبي ذَرٍّ بالباء في (باب مَناقب جَعفرٍ)، ولغيره: «لشِبَع» وكِلاهُما بمعنًى؛ أي: مِنْ أَجْلِ شبع، وباللَّام جاء في الحَديثِ في غير مَوضعٍ [خ¦5432].
          وقد تأتي (الباء) و (اللَّام) بمعنَى: (مِنْ أَجْلِ) كما ذكَرْناه، وكذلك في قَولِه: «إنِّي أسمعُ بكاءَ الصَّبيِّ فأتجوَّز في صلاتي ممَّا أعلمُ من شدَّة وَجْدِ أُمِّه» [خ¦709] كذا للأَصِيليِّ وللقابِسيِّ، وبَعضِهم: «لِمَا»، ولأبي ذَرٍّ: «ممَّا»، وكلُّه راجعٌ لمعنَى (منْ أَجْلِ)، كذا جاء في حَديثِ ابنِ زُريعٍ، وفي غَيرِه: «لما».
          قوله: «يَمِينُك على ما يُصَدِّقُك به صاحِبُك» (الباء) بمعنى: (في)، أو بمعنى: (على)، كما قال في الرِّواية الأُخرَى: «عليه صاحبُكَ».
          وقول حُذيفَةَ ☺: «ما بي إلَّا أن يكونَ رسولُ الله صلعم أَسَرَّ إليَّ شيئاً لم يحدِّثه غَيرِي» مَعناه تأكيد النَّفي، كقولهم: ما زيد بقائم، قالوا: و (إلَّا) هنا زائدة، والصَّوابُ سقوطها، وقد ذكَرْناه.
          وقولها: «فأصابَتني حُمَّىً بنَافضٍ» [خ¦3388] قد يقال: إنَّ (الباء) هنا زائدة؛ أي: حمَّى نافضٍ، كما قالوا: أخذتُ خِطام البَعير، وأخَذت بخِطامِه، قالوا: لكنْ لدُخولها هنا فائدة زائدة لم تكن قبلَ دخُولها، وقد تكون على أصْلِها لإلزاق الحمَّى بنافض، قالوا: ومنه قوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] أي: اقْرَأ اسمَه.
          ومنه: «قَرَأ بأُمِّ القرآن» [خ¦1171]، وبكَذا، و«اقرأ بما تَيسَّر» [خ¦6251].
          وقوله: «فحطَطْتُ بزُجِّه الأرضَ» [خ¦3906] (الباء) هنا زائدة؛ أي: حطَطْته للأرض؛ يعني / رُمحَه، وقد يكون من المَقلُوب؛ أي: حطَطْت بالأرضِ زُجَّه.
          وقوله: «ما أنا بقَارئٍ» [خ¦3] (الباء) هنا زائدة؛ أي: ما أنا قارئٌ، وكذلك قوله: «ما هو بدَاخلٍ علينا أحدٌ بهذه الرَّضاعة» (الباء) هنا زائدة؛ أي: داخل، وقد قيل في مِثْلِ هذا: إنَّ (الباء) هنا لتَحسينِ الكَلامِ، ومِثلُه قوله: «ثمَّ مسَّت بعارِضَيها» [خ¦5334]، ومِثلُه قوله في الدُّعاء: «ولك بمِثْلِه» أي: مِثلَهُ.
          ومِثلُه قوله: «أخذ بنَفْسي الذي أخذَ بنَفسِكَ» .
          ومِثلُه في إسلامِ أبي ذَرٍّ ☺ في رِوايَة الأصيليِّ: «فقلتُ مثلَ ما قلتُ بالأمسِ» [خ¦3522]، ومِثلُه: «أرغَمَ الله بأنفِكَ» كذا للقَابِسيِّ والأَصيليِّ في الجنائزِ في حَديثِ ابنِ حَوشَبٍ، ولغَيرِهما: «أنفَكَ» [خ¦1305]، ومِثلُه في فضائلِ الأنصارِ: «أن يقطعَ لهم بالبَحرَين» [خ¦2377] كذا للأَصيليِّ، ولغَيرِه: «البَحرَين»، وقد تكون (الباء) هنا للتَّبعيض؛ أي: قَطِيعاً هناك من البَحرَين.
          وقوله: «فاخرَج بجَنازَتها» كذا في رِوايَة ابنِ حَمدِين وابنِ عتَّابٍ، وعند غَيرِهما وفي سائرِ المُوطآتِ: «فخُرِجَ»، وكذلك في حَديثِ خُبيبٍ: «فخرَجُوا به» [خ¦3989]، وعند الأَصيليِّ: «أخرَجُوا به»، قيل: هما لُغَتانِ.
          وفي (باب عَيشِ النَّبيِّ صلعم): «كنتُ أحقُّ أن أصيبَ من هذا اللَّبن بشَربةٍ» كذا للأَصيليِّ، ولغَيرِه: «شَربةً» [خ¦6452].
          وفي (باب كِراء الأرْضِ بالذَّهب والفِضَّة): «كانوا يُكرونَ الأرضَ ما ينبُتُ على الأربِعاءٍ» كذا لكافَّتهم، وعند أبي ذَرٍّ: «بما» [خ¦2346] وهو الوَجهُ المَذكُورُ في غير هذا البابِ.
          وقوله: «عليك بقُريشٍ... بأبي جَهلِ بنِ هشامٍ وفلانٍ وفلانٍ» [خ¦240] أي: الْـحِقْ نقمتَك بهم، وجاء لكافَّتهم في الجهادِ في (باب الدُّعاء على المُشركِين): «عليك بقريشٍ لأبي جَهلٍ» [خ¦2934] باللَّام إلَّا الأَصيليَّ فعِندَه: «بأبي جهل» كما في سائرِ الأبوابِ، وهو الصَّوابُ هنا؛ لأنَّه سمَّاهم وعيَّنهم في دُعائِه.
          وقوله: «اذْهبْ فقد ملَّكْتُكَها بما معك من القُرآنِ» [خ¦5087] قيل: (الباء) هنا بمعنَى (اللَّام)؛ أي: لأجلِ ما معَك منه، وهذا على مَذهبِ مَن لم يرَ النِّكاح بالإجارَةِ، وقيل: هي (باء) التَّعويضِ، كقوله: بِعتُه بدِرهَم، وهذا / على قول من رآه إجارَة، وأجاز النِّكاحَ بها.
          وقوله: «بأبي» [خ¦324]، و«بأبيكَ» أي: أفدي به المَذكُور، وقوله: «بأبيكَ أنت» مِثلُه؛ أي: أفديك به، وهي كَلِمة تُستَعمَل عند التَّعظيمِ والتَّعجُّب.
          وفي خبَر أبي بَكرٍ وعَليٍّ ☻: «فكان النَّاس لعليٍّ قريباً حتَّى راجعَ الأمرَ بالمَعروفِ» كذا في رِوايَة ابنِ ماهَانَ في حَديثِ إسحاقَ، و (الباءُ) هنا زائدة، وبإسْقاطِها قَيَّده شَيخُنا التَّميميُّ عن الحافظِ أبي عليٍّ، وكذا جاء في غيرِ هذه الرِّوايةِ: «الأمرَ المَعرُوفَ» [خ¦4240] في غيرِ هذا البابِ، وللرُّواةِ هنا: «الأمْرَ والمَعرُوفَ».
          و في قوله: «أُقِرَّتِ الصَّلاةُ بالبِرِّ والزَّكاةِ» قال لي ابنُ سراج: معنى (الباء) هنا: (مع)؛ أي: أُقِرَّتْ مع البرِّ والزَّكاة، فصارَت معهما مُستَويةً، وقيل: غير هذا، وسنَذكُره في حَرفِ القافِ.
          وفي حَديثِ محمَّد بنِ رافعٍ: «كنَّا نَتحرَّجُ أن نطوفَ بالصَّفا والمَروةِ» كذا في جَميعِ النُّسخِ عن مُسلمٍ، قيل: وصَوابه: «بين الصَّفا والمَروةِ» [خ¦1643].
          قال القاضي ☼: وقد يصِحُّ أن تكون بمعنى: (في)؛ أي: في فنائِهما أو أرضِهما، و«نطوف» هنا بمعنى: نسعى.
          وقوله: «بايعناه على أن لا نشرِكَ _إلى قوله:_ بالجنَّةِ إن فعَلْنا ذلك» كذا للسِّجزيِّ وابنِ الحذَّاءِ، وللجُلُوديِّ: «فالجنَّة»، وكِلاهُما صحيحٌ بمعنًى، و (الباء) هنا باء البَدلِ والعِوضِ.
          ومِثلُه قوله في الوُضوء للجُمعةِ: «فبِها ونِعْمَتْ» قيل: بالسُّنَّة أخذ، ونِعمَتِ الخَصلَةُ الوُضوءُ، وقيل: معناه فبالرُّخصةِ أخذ، وهو أظهر؛ لأنَّ الَّذي تركَ هو السُّنَّةُ، وهو الغُسلُ.
          وقوله: «فبي المَوتُ» [خ¦4608] أي: حلَّ بي وأصابني مثلُ المَوتِ.
          وقوله: «ليس بكِ على أهلكِ هَوانٌ» أي: ليس يَعْلَقُ بك ولا يُصيبك هوانٌ، وعلى أهلك؛ أي: عليَّ، وأراد بالأهل هنا الزَّوجَّ النَّبيَّ صلعم. /
          وقوله: «مَن بكِ» أي: من أصابَكِ، أو من فعَلَ بكِ هذا، فحُذِفَ اختصاراً لدلالة الكَلامِ عليه.
          وقوله: «أصبْتَ أصابَ الله بكَ» أي: هداكَ للصَّوابِ والحقِّ وثبَّتكَ عليه، أو هداك لطَريقِ الجنَّة وبلَّغك إيَّاها.
          وقوله: «قلَّ عربيٌّ نشَأَ بها مِثلَه» [خ¦6148] على هذه الرِّواية (الباء) هنا بمعنى: (في)، قيل: يعني في الحَربِ، ويحتَمِل «بها» ببلاد العرب.
          وقوله: «إنَّا لنَبتاعُ الصَّاعَ بالصَّاعَين» [خ¦7350] وشِبْه هذا، قالوا: معناه هنا البَدل؛ أي: بدل الصَّاعَين وعِوضَهما، ومثلُ هذا كثِيرٌ.
          وقوله في حَديثِ صَفيَّة ودِحيَة: «ادعوه بها» [خ¦371] أي: ليأتي بها.
          وقوله: «فوقصَتْ بها دابَّتُها» [خ¦2877] (الباء) هنا زائدة؛ أي: وقصتها ؛ أي: كَسَرتْها.
          وقوله في خبَرِ المَدينَة في خبَر الرَّاعيَين: «فيجدا بِها وحُوشاً» أي: فيها، ومِثلُه قولُه: «وهو بمكَّةَ» [خ¦1626]، و«بالجِعْرانَةِ» [خ¦1536]، و«بالمَدينَةِ» [خ¦88]، و«بخَيبرَ» [خ¦2116]، أي: فيها على رأي بَعضِهم؛ يعني المَدينَةَ، كذا عند بَعضِ رُواة البُخاريِّ، والَّذي عند باقِيهِم وعندَ رُواةِ مُسلم: «فيَجِدانها» [خ¦1874] بالنُّون، وهو وَجهُ الكَلامِ، والهاء عائدةٌ على المَدينةِ أيضاً، وقيل: على غَنمِهِما.
          وفي: (بابِ الصَّلاةِ عند مُناهَضة الحصُونِ): «إنْ كان بها الفتحُ» كذا عن القابِسيِّ، وعند الباقِينَ: «تهيَّأَ» [خ¦12/4-1498]، وهو الوجه أي: تمكَّن واتَّفَق، ويأتي في حَرفِ الباء والهاء.
          وفي (محاجَّة آدمَ وموسَى) في باب وَفاتِه: «بمَ تلومُني» كذا للأَصيليِّ، وهي هنا بمعنَى (اللَّام)؛ أي: لم تلومني، ولأي سبَب بعد ما علِمْت أنَّ الله قد كتَبه عليَّ، وسيأتي هذا مُبيَّناً في حَرفِ الحاءِ والجيمِ، وفي رِوايَة غَيرِه: «ثمَّ» [خ¦3409] وهو أوْجَه وأليَقُ بمساقِ الكَلامِ، وكذا جاء في غَيرِ هذا البابِ [خ¦7515] بغَيرِ خِلافٍ. /
          قوله: «إنَّ هذه الآيات... لا تكون بمَوتِ أحدٍ ولا بحَياتِه» كذا في بَعضِ رِواياتِ الحَديثِ، ومعنى (الباء) هنا: (لام السَّبب) كما جاء في سائر الأحاديث [خ¦1059]، وقد تكون على بابها؛ أي: لا تُنْذِرُ بمَوتِ أحدٍ ولا تعلم به.
          قوله: «لا تُهلِكها بسَنةٍ عامَّةٍ» ولا تصبهم...
          وقوله: «نُهينا أنْ نُحِدَّ أكثرَ من ثلاثٍ إلاَّ بزوجٍ» [خ¦1279] كذا للأَصيليِّ بالباء، ولغَيرِه باللَّامِ.
          وقول عائشَةَ ♦: «ادفنُوني مع صوَاحِبي بالبَقيعِ، لا أُزَكَّى بها أبداً» [خ¦7327] أي: بالدَّفن في المَوضعِ الَّذي دُفِن به النَّبيُّ صلعم وصاحباه، تواضُعاً منها ♦ وإعظاماً لأنْ يفعَلَ غيرُها ذلك، أو لأنْ يكونَ سببُ دَفْنها معهم كشف بعض قبُورِهم، إذ كان المكان قد أخذ حاجته بالقبُور الثَّلاثة، ألا ترى قولها لعمرَ حين طلَب دفنه: «إنَّما كنتُ أريدُه لنَفسِي» [خ¦1392]، فلو كان الأمر محتملاً لها بعد ذلك لم يكن لكَلامِها معنًى.
          وقول ابنِ عبَّاسٍ ☻: «ذهَب بها هنالكَ» [خ¦2524] يريد بتَأويلِ الآيةِ، والهاءُ عائدَةٌ على الآيةِ، وقد فسَّرناه آخِرَ الباء والميم والخِلاف فيه.
          وفي (باب: {وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النِّساء:134]) قوله: «قل لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بالله فإنَّها كنزٌ من كنُوزِ الجنَّة، أو قال: ألا أدلُّكَ به» [خ¦7386] أي: بمعنَى الحَديثِ أو بَعضِه.
          وقوله في أوَّل كتابِ التَّوحيدِ: «الظَّاهرُ على كلِّ شيءٍ علماً، والباطنُ بكلِّ شيءٍ علماً» كذا للنَّسفيِّ، وهو الوَجهُ، ولأبي ذَرٍّ: «الباطنُ على كلِّ» [خ¦97/4-10908] ولغَيرِهما: «الباطن كلّ شيءٍ».
          وقوله في وفاةِ ابنِ مَظعُون: «إنْ أدري ما يُفْعَلُ بي» [خ¦1243] كذا في كتابِ الجنائزِ، وفي مَقْدَمِ النَّبيِّ صلعم: «به» [خ¦7004]، وقد ذكَر البُخاريُّ فيه الاختلافَ [خ¦1243].
          وفي (كتابِ الأنْبِياءِ) في (باب إدْرِيسَ): «حتَّى ظهرتُ بمُستوًى» أي: علوتُ فيه أو عليه، كذا روَاهُ بعضُ رُواةِ أبي ذَرٍّ، وعند النَّسفيِّ وعُبدُوس والأَصيليِّ والباقِين: «لمُستَوىً» [خ¦349] باللَّامِ.
          وفي حَديثِ بني إسرائيلَ: «تقطَّعتْ بي الحبالُ» [خ¦3464] كذا للأَصيليِّ، ولأبي / ذَرٍّ: «به»، وعند القابسيِّ وابن السَّكن: «فيَّ» في الحَرفِ الأوَّلِ، وعند جَميعِهم في الثَّاني: «بي» و«به» لا غير.
          وقوله: «وقضَى بسَلَبِه لعَمرِو بن الجَموح» كذا للكافَّة، وعند الصَّدفيِّ في مُسلمٍ: «وقضى سَلَبه» بسقُوط الباء، يعني: أمضَى وفصَل.
          وقوله: «أن تُزانيَ بحَلِيلةِ جارِكَ» [خ¦4761] كذا جاء في تَفسيرِ الفُرقانِ وغير مَوضعٍ، وفي غَيرِه: «حليلةَ جارِكَ» [خ¦4477] واختَلَف الرُّواة عن البُخاريِّ فيه في مَواضعَ، و (الباءُ) هنا زائدَةٌ.
          وفي حَديثِ الصِّراط: «تجري بهم بأعْمالِهم» كذا عند العُذريِّ والسَّمرقَنديِّ ورِوايَة الجُلُوديِّ، و (الباء) هنا زائدَةٌ وسقُوطها الصَّوابُ، كما في رواية الباقين: «تجري بهم أعمالُهم».
          وفي قِصَّة داودَ في كتاب الأنبياءِ في حَديثِ عبدِ الله بنِ عَمرٍو: «أجدُ بي يعني قوَّةً» [خ¦3419] أي: فيَّ كذا، أو بمعنى: (مِنْ)؛ أي: مني، كذا روايةُ الجَماعةِ، وعند الأَصيليِّ فيها الوَجهانِ معاً الباء والنُّون؛ أي: أجِدُني أقوَى على أكثرِ من ذلك، فحُذِفَ لدلالةِ اللَّفظ عليه، لكنَّه لا يستقلُّ اللَّفظ على قول مِسعَر_«يعني قُوَّة»_ ولو قال: قَوِيّاً كان أليَق.
          وفي (باب التَّوبةِ): «من رَجلٍ نزَل منزِلاً وبه مَهلَكةٌ» [خ¦6308] كذا لرُواةِ البُخاريِّ كلِّهم هنا، وهو تصحِيفٌ، وصَوابُه ما في مُسلمٍ: «من رجلٍ في أرضٍ دوِّيَّةٍ مَهْلَكةٍ».
          وقد جعَل الشَّافعيُّ الباء للتَّبعيضِ في قَولِه: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة:6]، وقَولِه: «ومسَح برَأسِه» [خ¦140] وهذا عند المُحقِّقين من النُّحاة والأصُوليِّين والفُقهاءِ غير مُسلَّم من جِهة اللَّفظ، ولا حجَّة في قولهم: مَسحت بالأرض؛ لأنَّ التَّبعيضَ هنا لم يُفهَم من اللَّفظ ومُقتَضى (الباء)، لكن من ضَرُورة الحال وعَدمِ القُدرةِ على العُمومِ وإمْكانِه في جَميعِ الأرضِ، فيجِبُ حمل مُقتَضى (الباء) على العُمُوم إلَّا ما منع منه عدَم الإمْكانِ.
          وقوله: «ورجلٌ أعطى بي ثمَّ غدَر» [خ¦2227] / أي: بالحَلْف بي، أو العَهْد بحَقِّي.
          وفي القِراءَة في المَغربِ في حَديثِ يحيَى ابنِ يحيَى: «سمعتُ رسولَ الله صلعم يقرَأ بالطُّورِ في المَغربِ» [خ¦765] كذا لكافَّتهم، وعند ابنِ عيسَى في أصْلِه: «في الطُّورِ»، والمَعروفُ الأوَّلُ، لكنْ إنْ صحَّ ذلك فيَدُل على أنَّها لم تَسمَعْه يَقرَأ جميعَها.