نظم اللآلي والدرر

المقدمة

          ♫
          وصلَّى(1) الله على سيِّدنا ومولانا محمَّد وآله وصحبه الحمد لله الذي رفع قدر العلم في القديم والحديث، وشرَّف أهله خصوصًا أهلُ الفقه والحديث، وصلَّى الله وسلَّم على سيِّدنا ومولانا محمَّدٍ الذي حثَّث(2) على تعلُّمه وتعليمه أيَّ تحثيث، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرِّيَّته الطَّيِّبين الطَّاهرين من رجس كلِّ خبيث.
          وبعدُ:
          فيقول أفقر العبيد إلى مولاه، الغنيُّ به عمَّن سواه؛ عبد الله تعالى محمَّد بن أحمد بن محمَّد ميَّارة، أناله الله من خير الدَّارَين سؤله، وقضى أوطارَه، وحطَّ عنه يوم القيامة ذنوبه وأوزاره: إنَّه لمَّا منَّ عليَّ المولى المتعال، الكثير النَّوال، ذو الفضل والإحسان، والجود والامتنان، بقراءة «الجامع / الصَّحيح» لإمام المحدِّثين أبي عبد الله محمَّد بنِ إسماعيلَ البخاريِّ ☺ غير ما مرَّةٍ قراءةَ تفهُّمٍ وتحقيق، وتتبُّعٍ وتدقيق، على جماعةٍ من الشُّيوخ، ممَّن لهم في العلم قدمٌ ورسوخ؛ لم يكن بدٌّ(3) بعدَ موتهم من إقرائه وقراءته، ولا من مطالعته ومراجعته؛ لما حصل لنا فيه عنهم من الرواية، بل وبعض التَّدريب والدِّراية، ولكنَّ البلاد إذا اقشعرَّت وصَوَّح(4) نبتها؛ رُعِيَ الهشيم، وذلك مستلزم لمراجعة الشُّروح، وما يظهر به المراد ويلوح، وقد كان يقال قبل هذه الأعصر: إنَّ شرحه دَينٌ على هذه الأمَّة، فالمطل به ثلمةٌ ووصمة، إلى أن بادر لقضائه آخر العلماء المتقنين، وإمام الفقهاء والمحدِّثين، الحافظ الهُمام، السَّيف الحسام، قاضي القضاة، شهاب الدِّين أبو الفضل، أحمد بن عليٍّ الكنانيُّ العسقلانيُّ، ثمَّ المصريُّ الشَّهيرُ بابن حجر، رحمه الله ونفع به، فبدأ عليه شرحًا كبيرًا، ضمَّنه لآلئ وإكسيرًا، وقدَّمه بمقدِّمة في سفر كبير، أسفر فيها عن تحقيق وتحرير، أبدأ فيها وأعاد، وأتقن وأجاد، فكتب من الشرح المذكور ما شاءَ اللهُ، ثمَّ فَتَرَ عزمُهُ عنه، وشَرَعَ في آخر أخصر منه، اختصر في أوَّله بعض تلك المقدِّمة في نحو كرَّاسٍ، وهذا هو الشَّرح / المتداوَل الآن بأيدي النَّاس، كما صرَّح هو بذلك كُلِّه في أوَّل «الشَّرح الصَّغير»، وأحال فيه في مواضعَ من أوَّل الكتاب على «الشَّرح الكبير»، فتأمَّلتُ تلك المقدِّمة وفُصُولهَا، وميَّزتُ حاصلها ومحصولها، ورأيت الهمم عن تتبُّع جُلِّها قصيرة، وعن الارتقاء لعلومها حقيرة، إلَّا ما كان من الفصل الخامسِ والسَّادس فيها، فلا غنى لقارئ الكتاب عنهما، ولا مندوحةَ له عن مراجعتهما، فقيَّدتهُما في كراريس لنفسي، وللقاصرين من أبناء جنسي، فلمَّا فرغتُ من تقييدهما؛ ظهر لي أن أقدِّمهما وأصِلَهُما بما تكمل به الفائدة، ويكون عند مراجعته كالقاعدة، فلفَّقت من تلك «المقدِّمة» و«الشَّرح الصَّغير» وغيرهما عدد أبواب الجنَّة من الفصول، مقتصرًا على اللُّباب تاركًا غيره؛ خشية الملل والطول، إلَّا الفصل الخامسَ والسَّادِسَ، فقد نقلتهما بلفظه في « مقدِّمته» من غير زيادة ولا نقصان، مستعينًا على ذلك كلِّه بالله سبحانه، فهو حسبي وعليه الاعتماد والتُّكلان، وسمَّيتها: «نظم اللآلئ والدُّرر في اختصار مُقدِّمة ابن حجر(5) »، ومن الله أسأل الهداية والتَّوفيق، إلى أحسن حال وأوفق طريق، إنَّه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله.
          قُلتُ(6): / وقد اشتملت «مقدِّمة ابن حجر» على عشرة فصول واثني عشر ذِكرًا:
          الفصْلُ الأوَّل: في بيان السَّبب الباعث لأبي عبد الله البخاريِّ على تصنيفه «جامعه»، وبيان حسن نيَّته، وكيف كان الأمر في الصَّدر الأوَّل، وأوَّل مَن ألَّف.
          الفصْل الثَّاني: في بيان موضوعه؛ وهو الحديث الصَّحيح مع فوائدَ فقهيَّةٍ يستنبطها من الحديث، وفي تحقيق شروطه في « الجامع»، وتقرير كونه أصحَّ كتب الحديث، وفي بيان مطابقة بعض التَّراجم للحديث.
          الفَصْلُ الثَّالِثُ: في بيان وجه تقطيعه للحديث واختصاره، وفائدة إعادته له في الأبواب وتكراره.
          الفصل الرَّابع: في بيان السَّبب في إيراده للأحاديث المعلَّقة مرفوعةً، وشرح أحكام ذلك، وتتبَّع فيه التَّراجم بوصل المعلَّقات والمتابعات من (بدء الوحي) إلى آخر الكتاب، فبعضها وصله البخاريُّ في موضع آخر، وبعضها وصله غيره، قال في آخر هذا الفصل: إنَّه من النَّفائس المستحقَّة لأن تفرد بالتَّصنيف.
          الفصل الخامس: / في سِيَاق ما في الكتاب من الألفاظ الغريبة على ترتيب الحروف مشروحًا.
          قلتُ: إلَّا أنَّهُ اعتنى فيه بشرح الألفاظ أكثر مِن ضبطها، فلا تَتمُّ الفائدة إلَّا بضبط المهمِّ من ذلك مُلحَقًا بالطرة مِن «مشارق عياض» أو «شرح ابن حجر» أو نحوِهِمَا.
          الفَصْل السَّادِس:
          في بيان المؤتَلف والمخْتَلف من الأسماء والكنى والألقاب والأنساب في «صحيح البخاريِّ» على ترتيب الحروف ممَّن لهُ ذكرٌ أو رواية، وضَبْط الأسماء المفردة فيه.
          الفَصْل السَّابِع:
          في تبيين الأسماء المهملة التي يكثر اشتراكها، وقسَّمه إلى أنواع:
          الأوَّل: فيمن ذُكِر مجرَّدًا عن النَّسب؛ كقوله: حدَّثنا أحمد، أو إبراهيم، أو نحو ذلك، الثاني: فيمن ذكره منسوبًا، لكنَّه لم يتميَّز عمَّن يشترك معه في ذلك؛ كقوله: حدَّثنا أحمد بن محمَّد؛ لتعدُّد محمَّد بن أحمد(7) في الرُّواة، وقوله: حدَّثنا حبَّان؛ لتعدُّده مفتوحًا ومكسورًا، الثَّالث: في تسمية مَن ذُكِر بكنيته؛ نحو: أبي الأحوص، وأمِّ الدَّرداء، وأمِّ رومان، الرَّابع: في تسمية مَن ذُكِر بالبُنوَّة؛ كابن أبزى وابن أخي الزهريِّ، الخامس: / في تسمية مَن ذُكِر بنسب؛ كالأشجعيِّ والأُوَيسيِّ، السادس: في تسمية مَن ذُكِر بلقب ونحوه؛ كالأحول والأعرج، ونحوهما، السابع: في تسمية مَن كُنِّي عنه؛ كالترجمان وعظيم بصرى مِن حديث أبي سفيان في قضيَّة هرقل، ونحو: أنَّ أعرابيًّا سأل، وقال له رجل، ونحو ذلك، وهذا الفصل بجميع أنواعه يسمِّيه أهل علم الحديث بتفسير المبهمات.
          الفَصْل الثامن:
          في سياق الأحاديث التي انتقدها على الإمام البخاريِّ حافظُ(8) عصره أبو الحسن الدَّارقطنيُّ وغيره من النُّقَّاد.
          الفَصْل التاسع:
          في سياق أسماء مَن طُعِن فيه من رجال هذا الكتاب، مرتَّبًا لهم على حروف المعجم، والجواب عن(9) الاعتراضات موضعًا موضعًا.
          الفصل العاشر:
          في عدِّ أحاديث «الجامع» مفصَّلًا ومجملًا، فذكر فيه عدد أحاديث كلِّ كتاب عن الشيخ محيي الدين النوويِّ، وبحث معه في بعضها، ثمَّ ذكر جملة ذلك، فالمكرَّر، وجملة عدَّة التَّعاليق، وعدَّة المتابعات.
          وأمَّا الأذكار الاثنا عشَر؛ فالأوَّل: ذكر مناسبة / ترتيب التَّراجم، الثاني: ذِكْرُ عددِ ما لكلِّ صحابيٍّ في «صحيح البخاريِّ» موصولًا ومعلَّقًا على ترتيب حروف المعجم، قال: وبه تتبيَّن صحَّة عدَّته بلا تكرير، ثمَّ ذكر في آخره عددَ ما في «صحيح البخاريِّ» من المتون الموصولة بلا تكرير، وعدَّة ما فيه من المتون المعلَّقة المرفوعة التي لم يصلها في موضع آخر من «الجامع» المذكور، وما اجتمع في ذلك كلِّه، الثَّالث: ذِكْرُ نسب الإمام البخاريِّ، ومولده، ومنشئه، ومبدأ طلبه للحديث، الرَّابع: ذكر مراتب مشايخه الذين كتب عنهم وحدَّث عنهم، الخامس: ذكر سيرته وشمائله وزهده وفضائله، السَّادس: ذكر ثناء الناس عليه وتعظيمهم له؛ أوَّلهم مشايخه، السابع: ذِكرُ طرف من ثناء أقرانه وأتباعه عليه، الثامن: ذكر جمل من الأخبار الشاهدة لسعة حفظه وسيلان ذهنه، التاسع: ذكر فضائل « الجامع الصحيح»، العاشر: ذكر ما وقع بينه وبين الذهليِّ في مسألة اللَّفظ بالقرآن، وما حصل له من المحنة بسبب ذلك، وبراءته ممَّا نُسِب إليه من ذلك.
          الحادي عشر: ذكر تصانيفه والرواة عنه، الثاني عشر: ذكر رجوعه إلى بخارى، وما وقع بينه وبين أميرها، وما اتَّصل / بذلك من وفاته، وهو آخر تراجم «المقدِّمة» المذكورة.
          وقد رتَّبت أنا هذا «المختصر» على ثمانية فصول:
          الفصل الأوَّل: في أسانيد روايتنا لهذا «الجامع» إلى مؤلِّفه ☺، وفيه التعريف بأشياخنا الذين رويناه عنهم.
          الفصل الثاني: في التعريف بالمؤلِّف الإمام أبي عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاريِّ ☺ باختصار.
          الفصل الثالث: في بيان السبب الباعث لأبي عبد الله البخاريِّ على تصنيف «جامعه»، وحسن نيَّته في ذلك، وكيف كان الأمر قبل هذه الدواوين، وأوَّل مَن جمع ذلك، وفي فضائل هذا الكتاب.
          الفصل الرابع: في بيان شرط البخاريِّ في «جامعه»، وبيان موضوع الكتاب، والكشف عن مقاصده فيه.
          الفصل الخامس: في سياق ما في الكتاب من الألفاظ الغريبة على ترتيب الحروف مشروحًا. / الفصل السَّادس: في بيان المؤتَلِف والمختَلِف من الأسماء والكُنى والألقاب والأنساب في «صحيح البخاريِّ» على ترتيب الحروف.
          الفصل السابع: في عدد ما لكلِّ صحابيٍّ في «الجامع» من الأحاديث الموصولة والمعلَّقة، مرتَّبًا على حروف المعجم، وفيه تُذكَر عدَّة أحاديث «الجامع» بالمكرَّر وبدونه، وجملة التعاليق والمتابَعات.
          الفصل الثامن: في ذكر مناسبة ترتيب تراجمه_أعني: الكتب_ وذكر ما اشتملت عليه أواخرها من براعة الختم.
          أعاننا الله على إتمامه وكماله، وأرشدنا للصواب بمنِّه وأفضاله.


[1] في (ب): (صلى).
[2] في هامش (ب): (الجوهريُّ: حَثَّهُ على الشيء واستحثَّه بمعنًى؛ أي: حضَّه عليه، فأحثُّك، وحَثَّثَهُ تحثيثًا وحَثْحَثَهُ بمعنًى، اهـ).
[3] في (ب): (بدو).
[4] في هامش (ب): (الجوهريُّ: وتَصوَّحَ البَقْلُ؛ إذا يَبِس أَعْلاهُ وفيه نُدُوَّةٌ، وصَوَّحَتْهُ الريحُ: أيْبَسَتْهُ، اهـ، العزيزيُّ: والهشيم: ما يبس من النبات، وتهشَّم؛ أي: تكسَّر وتفتَّت، وهشمت الشيء؛ أي: كسرته، اهـ).
[5] في هامشي (أ) و(ب) من نسخة مصحَّحًا عليها: (معين القاري في صحيح /ب: بصحيح/ البخاري) (تراجم مقدمة ابن حجر).
[6] في هامشي (أ) و(ب): (تراجم مقدمة ابن حجر).
[7] كتب فوقها في (ب): (كذا وتأمله، فإنه معكوس)، وفي هامشها: (تأمل هذا).
[8] في (أ) و(ب): (حفَّاظ).
[9] في (ب): (على)، وفي هامشها مصحَّحًا كالمثبت.