أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

معلق الليث: أنه ذكر رجلًا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل

          494/ 2291- قال أبو عبد الله (1) : وَقالَ اللَّيْثُ: حدَّثني جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ:
          عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عن رَسُولِ اللهِ صلعم : «أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ، سَأَلَ بَعْضَ (2) / بَنِي إِسْرائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينارٍ، فَقالَ: ايْتِنِي بِالشُّهَداءِ أُشْهِدُهُمْ. فَقالَ: كَفَىَ بِاللهِ شَهِيداً. قالَ: فَأْتِنِي بِالكَفِيلِ. فقالَ: كَفَىَ بِاللهِ كَفِيلاً. قالَ: صَدَقْتَ. فَدَفَعَها إِلَيْهِ إلىَ أَجَلٍ مُسَمّىً، فَخَرَجَ فِي البَحْرِ فَقَضَىَ حاجَتَهُ، ثُمَّ التَمَسَ مَرْكَباً يَرْكَبُهُ يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَباً، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَها، فَأَدْخَلَ فِيها أَلْفَ دِينارٍ، وَصَحِيفَةً، ثُمَّ زَجَّجَ موضعها (3)، ثُمَّ أَتَى بها إلىَ البَحْرِ فَرَمَىَ بها فِي البَحْرِ حَتَّىَ وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وهو فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَباً يَخْرُجُ إلىَ بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كانَ أَسْلَفَهُ، يَنْظُرُ (4) لَعَلَّ مَرْكَباً قَدْ جاءَ بِمالِهِ، فَإِذا بِالخَشَبَةِ الَّتِي فيها المالُ، فَأَخَذَها لأَهْلِهِ حَطَباً، فَلَمَّا نَشَرَها وَجَدَ المالَ والصَّحِيفَةَ.» وذكر الحديث.
          قوله: (فدفعها إليه إلى أجل مسمّىً) فيه دليلٌ على جواز (5) دخولِ الآجال في القروض (6)، وذَهَبَ غيرُ واحدٍ من العلماء إلى وُجُوب الوَفَاء بـها (7)، وإنْ كان مِنْ بَابِ المعروف.
          وقال آخرون: يُسْتَحَبُّ له الوفاء بذلك (8)، فإن أَبَى لم يُجْبَرْ عليه.
          وقوله: (زَجَّجَ مَوْضِعَهَا) معناهُ: سَوَّى مَوْضِعَ النَقْر وأَصْلَحَهُ (9)، وأَحْسِبُهُ (10) مأخوذاً مِنْ تَزْجيج الحواجب، وهو حَذْفُ زوائد الشَّعْر ولَقْطُ النَّواجم مِنه الخارجة (11) عن حدِّ مَنْبِتها (12)، فَشَبَّة ما كان من خَرْطِهِ لموضع النَّقْر وتسْويته بِتَزْجيجِ الحاجب وتسويته، والله أعلم (13).
          قلت: وإنْ كان مأخوذاً (14) من الزَّجِّ، بأن يكونَ النَّقْرُ قد وَقَعَ في طرَفٍ من الخشبةِ فَشَدَّ عليه زَجّاً لِيُمْسِكَهُ، ويَحْفظَ ما في بطنه لم يُنْكَرْ ذلك.
          وفيه دليل على أنَّ جميع ما يُوجدُ في البحر ممَّا يحملُه الماءُ على مَتنِه (15)، أو يَقْذفه إلى الساحلِ من خَرَزٍ (16)، وعَنْبر، وطيب، فإنَّه لِواجِدِهِ مالم يَعْلَمْه ملكاً لأحدٍ (17).
          وقد سُئِلَ ابن عبَّاسٍ عن صَدَقَةِ العَنْبَر، فقال: لا شيءَ فيه، (18) إنَّما هو شيءٌ دَسَرَه البحر (19) _أي: دَفَعَهُ_ فألقاهُ إلى الساحل.
          كأنَّه أَشَارَ بـهذا القول إلى أنَّ حُكْمَ مَا يُوجَدُ، ويُسْتفادُ من البحر خلافُ ما يُسْتفادُ من الأموال في البَرِّ (20)، ومعلومٌ أنَّه في دَهْرِ (21) رسول الله صلعم وزَمَانِهِ يَخْرُجُ اللُّؤْلُؤُ والمَرْجَانُ والعنبُر، ونحوُها (22) / من مَتَاعِهِ، فلم يُرْوَ في السنن والآثار أنَّه أَوْجَبَ في شيءٍ منها عَشْراً أو خمساً، أو أقَلَ أو أكثر منهما، فدَلَّ أنَّ ذلك (23) عَفْوٌ، وقد رأينا البَحْرَ والبَرَّ يختلفُ الحُكْمُ فيهما من وُجُوهٍ:
          أحدها: أنَّ مَيْتَةَ البَحْرِ حَلاَلٌ خلافُ مَيْتَةِ البَرِّ (24).
          وأنَّ صَيْدَ البَحْرِ حَلاَلٌ (25) لِلْمُحْرِمِ وصَيْدَ البَرِّ مُحرَّمٌ عليه.
          وقد عُفيَ أيضاً عَمَّا يُصْطَادُ من سُمُوكِ (26) البحر وطعامه، وهو قوُتُ أكثر أَهْلِ السَّواحل والأسيافِ (27)، وعَلَفُ دَوَابِّهم، وتحملُ منها (28) السُّفُنُ مَشْحونَةً إلى البلاد، وتكْثُرُ قيمُهَا، وتَبْلُغُ الأموالَ الجَسِيمةَ، وهي شيءٌ لا ينقطعُ ولا يُعْدَمُ (29)، فلم يختلف العلماءُ في أنَّه لا صَدَقَةَ في شيء منه (30)، فَدَلَّ ما وَصَفْنَاهُ منه (31) على مُخالفةِ حُكْمِ البحرِ أحكامَ البرِّ.
          فأمَّا ما يوُجَدُ طافياً على الماء (32) من (33) مَتَاع قد غَرقَ فيه للناسِ (34)، فإنَّ سبيله سبيلُ اللُّقْطَة، يُعَرَّفُ كما تُعَرَّفُ اللُّقَطُ في البَرِّ، وليس لآخِذِه على صَاحِب المال جُعْلٌ ولاحَقٌّ.
          فأمَّا ما يُؤخَذُ طافياً فوقَ مياهِ السُّيولِ والأودية السَّائلةِ في البَرِّ من مَتَاعٍ وخَشَبٍ ونحوِها (35)، فإنَّه لاحَظَّ (36) لآِخِذِها في شيء منها إلَّا أن يَعْلَمَ أنَّ الخَشَبَ الذي حملَه السَّيلُ إنَّما اقْتَلَعَهُ من جَبَل، أو بَرِّيَّةٍ غير مَمْلُوكَةٍ، فيكون ذلك حينئذ لمن سَبَقَ إليه.


[1] (أبو عبد الله) سقطت من (ط).
[2] (بعض) سقطت من (ط).
[3] قوله: (موضعها) زيادة من الفروع.
[4] في (ط): (ينتظر).
[5] قوله: (جواز) زيادة من (ف) و(م).
[6] في (أ) و(م): (في القرض).
[7] (بها) سقطت من (ط).
[8] في الفروع: (به).
[9] في الفروع: (أي أصلح موضع النقر وسواه).
[10] في الفروع: (ولعله).
[11] في الفروع: (وهو لقط زوائد الشعر ونواجمه الخارج).
[12] في الفروع: (منبته).
[13] (والله أعلم) سقطت من (ط).
[14] في الفروع: (وإن أخذ).
[15] في الفروع: (على متن الماء).
[16] في (ط): (من غير خرز) وفي الفروع: (من خرز وغيره).
[17] في (أ): (يعلمه ملكاً لآدمي) وفي (ف) و(م): (يعلم ملكه لآدمي).
[18] انظر: المصنف لابن أبي شيبة (3/ 142)، عن ابن عياس.
[19] قوله: (البحر) زيادة من الفروع.
[20] في الفروع: (في البر من أمواله).
[21] في (ف): (أنه كان في زمان).
[22] في (ط): (ونحوهما) وفي الفروع: (.... والعنبر مما يخرجه البحر).
[23] في الفروع: (أنه).
[24] في (أ) و(م): (وميتة البر حرام).
[25] (حلال) سقطت من (ط).
[26] (سموك) غير واضحة في (ط) وفي (م) (سمك).
[27] (الأَسْيَافُ): جمع السِّيف، بكسر السين: ساحل البحر وقيل الموضع النقي من الماء. (اللسان: سيف).
[28] في (ط): (منهما).
[29] في الفروع: (وتدوم).
[30] في الفروع: (منها).
[31] (منه) سقطت من (ط).
[32] في (أ) و(م): (فوق مياه السيول).
[33] في (م): (على).
[34] في (م): (للناس فيه).
[35] في الفروع: (من الأمتعة).
[36] في الفروع: (فلا حظ).