أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث: أعطى رسول الله خيبر أن يعملوها ويزرعوها

          490/ 2285- 2286- قال أبو عبد الله: حدَّثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، قال: حدَّثنا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عن نافِعٍ:
          عَنْ عَبْدِ اللهِ بن عمر قالَ: أَعْطَىَ رَسُولُ اللهِ صلعم خَيْبَرَ اليهود على أَنْ يَعْمَلُوها وَيَزْرَعُوها، وَلَهُمْ شَطْرُ ما يَخْرُجُ مِنْها.
          وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ: أَنَّ المَزَارِعَ كانَتْ تُكْرَىَ علىَ شَيْءٍ. سَمَّاهُ نافِعٌ، لَا أَحْفَظُهُ (1). وَأحفظ أَنَّ رافـِعَ بْنَ خَدِيجٍ حَدَّثَ: أَنَّ رسول الله (2) صلعم نَهَىَ عن كِراءِ المَزارِعِ.
          هذا حديثٌ يَقْصُرُ بَيَانُ لفظه عن إيفاء حُكْمِهِ (3)، والوُقُوف على معناه، وقد أَبْطَلَ المُزَارَعَةَ ثلاثة من زعماء النِّحل:
          فأمَّا أبو حنيفة فإنَّه أبطلها، وأّبْطَلَ المُعامَلَةَ في الشَّجَرِ (4)، وقال: هذا غَرَرٌ، أرأيتَ إنْ لم (5) تُخرِج الأرضُ أو النَّخلُ شيئاً أليس (6) كان عَمَلُه في هذا (7) هَدَراً.
          وأثبتَ مالكٌ (8) والشافعيُّ المُسَاقَاةَ في الشجر، وأجاز المُزَارَعَةَ في البياضِ الذي بين ظَهْرَانَي النَّخل، على معنى التَّبع لِها، وقال مالك: إذا (9) كان ذلك (10) ثُلثاً أو أَقَلَّ منه جاز (11). ولم يُقَدِّرْهُ الشافعيُّ بحدٍّ معلومٍ.
          وكُلٌّ منهم إنَّما (12) فَزِعَ إلى حديث رافعِ بن خَدِيج، واحتجَّ به، وهذا الحديث مُجْملٌ، وله عِلَلٌ ذَكَرَها غيرُ واحدٍ من أئمَّة (13) الحديث، وسبيل المُجملِ أَنْ يُرَدَّ إلى المُفسَّر، ويُبنَى عليه.
          وإنَّما أبطلَ رسول الله عليه وسلم من المُزارعَةِ (14) ما كان منها مجهولاً غيرَ معلوم، وقد رَوى يحيى بن سعيد، عن حَنْظلة بن قيس أنَّه سمع رافعاً يقول: كُنَّا نُعْطي الأرضَ ونَشْرُط على الأكَّار (15) أنَّ ما يَسْقي الجداولُ فهو لكم، وما يَسْقي المَاذِيان (16) والربيُع فهو لنا (17)، فَرُبَّما سَلِمَ هذا وهَلَكَ ذَاكَ، ورُبمَّا هلكَ هذا وسلم ذاكَ. قال: وكُنَّا نَكْري الأرضَ بالنَّاحية منها، فربَّما يُصَابُ ذاكَ وتَسْلَمُ الأرضُ، ورُبَّما يَسْلَمُ ذاكَ وتُصَابُ الأرضُ. فسألنا عنه رسولَ الله صلعم فَنَهَانا عن ذلك (18).
          حَدَّثونا به (19) عن عليِّ بن عبد العزيز، حدَّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ، عن حَمَّادٍ / عن يحيى بن سعيد.
          قلت: فإنَّما (20) نـهى النبيُّ صلعم عَمَّا كان (21) سبيلُه في (22) الغَرَرِ والخَطَرِ على ما ذَكَرْناهُ، والأصلُ في جَوازِهَا قِصَّةُ خَيْبَرَ.
          وليس مع (23) مَنْ جَوَّز المُزارَعَةَ (24) في البياض يكونُ بين ظهرانَي النخل (25)، ومَنَعَ مِنْ جوازها (26) في القَراح (27) الذي لا نَخْلَ فيه ولا شجرَ حُجَّةٌ توُجبُ الفَرْقَ (28) بينهما، ورِوَايةُ ابن عمر في هذا مجملٌ لا بيانَ له، والتفسير (29) في سائر الأحاديث المرويَّة في هذا الباب، واقتصاصُها يطولُ.
          وقد أَجَازَ المزارعة أكثرُ الصَّحابة والتَّابعين، فهي جائزةٌ إذا كانت على الشَّطرِ، أو على (30) الثُّلْثِ أو الرُّبْع، مِا دامَ جُزْءاً معلوماً شائعاً في جَميعه، ولمحمَّد بن إسحاق بن خُزيمةَ (31) ☼ كتابٌ في هذه المسألة يَسْتَوفي بيانَ عِلْمها، فمن أَحَبَّ أن يعرفَ عِلَلَ هذا الحديث، ويَقفَ على الخَلَل الذي وقع في رواية ابن عمر له عن رافع بن خديج (32) فَلْيَنْظُرْ فيه.


[1] في (ط): (لا أحفظ).
[2] في الفروع: (أن النبي).
[3] في (ط): (كلمه).
[4] انظر: بدائع الصنائع: (6/ 175).
[5] في الفروع: (لو لم).
[6] قوله: (أليس) زيادة من الفروع.
[7] في الفروع: (في ذلك).
[8] انظر: المدونة الكبرى: (4/ 11-12).
[9] في الفروع: (إن).
[10] (ذلك) سقط من (ط).
[11] قوله: (جاز) زيادة من (أ) و(م).
[12] (وكل منهم إنما) سقط من (ط).
[13] في (ط): (من الأئمة) وفي (م) زيادة: (أئمة أهل).
[14] في الفروع زيادة: (من المزارعة والمخابرة وكراء المزارعة).
[15] (الأكَّارُ) بفتح الهمزة وتشديد الكاف: الحّراث (التاج : أكر).
[16] (الماذيان) النهر الكبير، لغة سوادية (اللسان : مذن).
[17] في الفروع: (ما يسقي الماذيان... وما يسقي الجدول...).
[18] انظر: شرح معاني الآثار (4/ 109).
[19] قوله: (به) زيادة من الفروع.
[20] في (ف): (وربما).
[21] في (أ) و(م): (عما ذا) وفي (ف) (عما هذا).
[22] في الفروع: (من).
[23] في (م): (منع).
[24] في الفروع: (جوزها).
[25] في (ف) زيادة: (ومثلها).
[26] في الفروع: (ومنعها).
[27] في (م): (البراح).
[28] في الفروع: (حجة تفرق).
[29] في (ط): (ولا تفسير).
[30] قوله: (على) زيادة من (ط).
[31] في (أ): (ولابن كريمة).
[32] في (ف): (فمن أحب علمها).