أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث سهل: يا أيها الناس ما لكم حين نابكم شيء

          258/ 1234- قال أبو عبد الله: حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ: حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عن أَبِي حازِمٍ:
          عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم بَلَغَهُ: أَنَّ بَنِي عَمْرِو بنِ عَوْفٍ كانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ، فَخَرَجَ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ، فَحُبِسَ رَسُولُ اللهِ صلعم / وَحانَتِ الصَّلاةُ، فقال بِلالٌ لأَبِي بَكْرٍ: قَدْ حُبِسَ رَسُولُ اللهِ صلعم وحانَتِ الصَّلاةُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟ قالَ: نَعَمْ. فَأَقامَ (1) بِلالٌ، وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَكَبَّرَ لِلنَّاسِ (2)، وَجاءَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ، حَتَّى قامَ فِي الصَّفِّ، فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيقِ، وَكانَ أَبُو بَكْرٍ لا يَلْتَفِتُ فِي صَلاتِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَفَتَ (3)، فَإِذا رَسُولُ اللهِ صلعم، فَأَشارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلعم يَأمُرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ، فَرَفَعَ أبو بَكْرٍ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللهَ، وَرَجَعَ القَهْقَرَى وَراءَهُ، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ صلعم فَصَلَّى لِلنَّاسِ (4)، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ علىَ النَّاسِ (5)، فقالَ: «ما لَكُمْ حِينَ نابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلاةِ أَخَذْتُمْ فِي التَّصْفِيقِ؟! إِنَّما التَّصْفِيقُ لِلنِّساءِ (6)، مَنْ نابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحانَ اللهِ؛ يا أَبا بَكْرٍ ما مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ لِلنَّاسِ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ؟!». فقالَ أَبُو بَكْرٍ: ما كانَ يَنْبَغِي لاِبْنِ أَبِي قُحافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلعم.
          قلت: يجمع هذا الحديثُ (7) أنواعاً من العلم (8) والأدب، منها أنَّ الصحابة لم يُرهِقوا الصلاة حين حَانَ (9) وقتُها انتظاراً لمجيء رسولِ الله صلعم، وبادروا إلى إقامتها في أوَّل وقتها، فلم يُنكر رسولُ الله صلعم ذلك من فعلهم (10).
          ومنها: جَوازُ بعض الصلاة بإمامٍ، وبعضها بإمامٍ آخرَ.
          ومنها: جوازُ الائتمام بمَنْ قد تقدَّم افتتاحُ المأموم صلاته قبله (11).
          ومنها: جوازُ أن يكونَ الرجلُ في بعض صلاته إماماً وفي بعضها (12) مأموماً.
          ومنها: أنَّ الالتفات من غير استِدبار القبلة لا يقطع الصلاة.
          ومنها أنَّ العمل اليسير كالخطوة والخطوتَين يتقدَّم بها المصلِّي عن مُقامه، أو يتأخَّر عنه لا يُفسد صلاته.
          ومنها أنَّ سُنَّة الرِّجال فيما يَنوبهم في الصلاة من حادِث أمرِ التَّسبيحُ، وأنَّ التَّصفيقَ سُنَّةُ النساء (13)، وهو صَفْقُ إحدى اليدين بالأخرى لا ببطونها، ولكن بضرب (14) بظُهورِ أصابع اليُمنى على الراحة من اليَد اليُسرى.
          وفيه جواز صلاة رسول صلعم خَلْفَ أُمَّتِه.
          وفيه / تفضيلُ أبي بكر، وتقديمُ رسول الله صلعم إيَّاهُ في الصلاة، والرِّضا بإمامته لو كان ثَبَتَ (15) في مكانه وتَمَّ على صلاته، ولذلك أشار إليه بأنْ يُقيمَ بمكانه (16).
          وفيه (17) جوازُ الدُّعاء والتحميد في الصلاة، ورفعُ (18) اليد له عند حَادث (19) نِعمة يجب شُكرُها، فلا يكون الاشتغال به ناقضاً صلاته.
          ومنها أنَّ أبا بكر عَقَلَ عن إشارة رسول الله صلعم أنَّه أَمرُ تقديمٍ له وإكرامٍ، لاَ أَمْرُ (20) إيجاب وإلزامٍ (21)، ولولا ذلك لم يستجز (22) مُخالفتَه فيما أمره به (23).
          وقول أبي بكر ☺ : (لا ينبغي (24) لابن أبي قُحافة أن يُصلِّي بين يَدَي رسول الله صلعم) يحتمل وجهين من التأويل:
          أحدُهما: أن يكونَ ذلك منه على مَذهب التَّواضع والاستصغار لنفسه (25)؛ لأنَّ الإمامة موضعُ الفضيلة، ومحلُّ الرِّئاسة، ومن سُنَّة الدِّين أن يتقدَّمَ فيها الأفضلُ فالأفضلُ.
          والوجه الآخر: أنَّ أمرَ الصلاة كان في حياة رسول الله صلعم يختلف ويَستحيل من حالٍ إلى حَالٍ، فلم يَكن يُؤمَن أن يُحدثَ الله تعالى في ذلك (26) الحال أمراً مِن أَمرِه، إمَّا زِيادةً أَوْ نُقصاناً، أو تَبديلَ (27) هَيئةٍ وهو لا يعلمُ ذلك (28)، فرأى أنَّ المُستحِقَّ للإمامة رسولُ الله صلعم دُونه (29)؛ لكي (30) إنْ حَدَثَ في أمر الصلاة شيءٌ اقتدى القوم (31) به (32) في ذلك.
          ويُشبه أن يكون مع ذلك قد استدَلَّ أبو بكر بِشقِّه الصَّفوفَ حتَّى خَلَصَ إلى الصَّفِّ الأوَّل، وقام وراءه أنَّه لو أراد أن لا يتقدَّم في تلك (33) الصلاة لثبت من ورائها حيث (34) انتهى به المَقامُ؛ إذ كان من سُنَّته أن يَقفَ الداخلُ حيث انتهى به المقامُ ولا يُزاحم الجُموعَ، ولا يشُقَّ الصُّفوفَ، والله أعلم (35).


[1] في (ر): (فقام).
[2] في (ط): (فكبر أبو بكر) وفي الفروع: (فكبر الناس).
[3] في (ط): (التفت أبو بكر).
[4] في (ف): (بالناس).
[5] في (ف) زيادة: (بوجهه).
[6] (إنما التصفيق) سقط من (ط) وجاء فيها: (للناس) بل للنساء.
[7] في (ط) والفروع: (هذا الحديث يجمع).
[8] في الفروع: (الفقه).
[9] في (ر): (كان).
[10] في الفروع: (ولم ينكر عليهم).
[11] في الفروع: (صلاة المأموم عليه).
[12] في (ط): (بعضه).
[13] في الفروع: (والنساء التصفيق).
[14] قوله: (بضرب) زيادة من (ط).
[15] في الفروع: (إن لو ثبت).
[16] في (ط): (في مكانه).
[17] (وفيه) سقطت من (ط).
[18] في الفروع: (مع رفع).
[19] في الفروع: (حُدُوث).
[20] (أمر) سقطت من (ط).
[21] (وإلزام) سقط من (ط).
[22] في الفروع: (لما استجاز).
[23] قوله: (به) زيادة من (ط)، وفي الفروع: (في أمره).
[24] في (ط): (ما كان ينبغي).
[25] في (ط): (أحدهما تواضع واستصغر نفسه).
[26] في (ط): (في تلك).
[27] في الفروع: (وتغير).
[28] (ذلك) سقطت من (ط).
[29] قوله: (دونه) زيادة من (ط).
[30] في الفروع: (حتى).
[31] في الفروع: (الناس).
[32] في (ط): (بذلك).
[33] في (ط): (في ذلك).
[34] في الفروع: (لصلى حيث).
[35] قوله: (والله أعلم) زيادة من (ط).