أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث: إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته

          230/ 1042- قال أبو عبد الله (1) : وحدَّثني أَصْبَغُ، قالَ: حدَّثني ابنُ وَهْبٍ، قالَ: أخبَرني عَمْرٌو، عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ (2) بنِ القاسِمِ حَدَّثَهُ (3) عن أَبِيهِ:
          عَنِ ابنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كانَ يُخْبِرُ عن النَّبِيِّ صلعم أنَّه قال: «الشَّمْسُ والقَمَرُ (4) لا يَخْسِـَفانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَياتِهِ، وَلَكِنَّهُما (5) آيَتانِ مِنْ آياتِ اللهِ، فَإِذا رَأَيْتُمُوها فَصَلُّوا» (6).
          معنى هذا الكلام وتأويله أنَّهم كانوا في الجاهليَّة يَزْعُمون (7) أنَّ كُسوف الشمس والقمر يوجب حُدُوث تغيرات في العالم من موتٍ وضَررٍ ونَقْصٍ، ونحو ذلك من الأمور، على ما يذهبُ إليه أهلُ التَّنجيم من إعطائهما (8) الأحكام، وزعمهم أنَّ هذه الأجسام السُّفليَّة مَربوطةٌ بالنجوم، وأنَّ لها فعلاً وتأثيراً فيها (9)، فأعلمهم النبيُّ صلعم أنَّ الذي كانوا يَتَوَهَّمونه (10) من ذلك بَاطلٌ، وأنَّ خُسُوف الشَّمس والقمر (11) آيتان من آيات الله تعالى، يُريْهِما خَلقَه؛ ليعلموا أنَّهما خَلْقان مُسخَّران لله ╡، ليس لهما سُلطانٌ / في غيرهما، ولا قُدرة على الدَّفع (12) عن أنفسهما، وأنَّهما لا يَستحقَّان أن يُعبدَا فَيُتَّخَذَا إلهَينِ، وهو معنى قوله ╡ : {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت:37]
          وأمرَ عند كُسوفهما أن يُفزَع إلى الصلاة والسُّجود لله الذي يستحقُّ العِبادة والسُّجود دُونهما، إبطالاً لقول الجُهَّال الذين يعبدونهما، وإفسَاداً لمذاهبهم في عبادتهما، والله أعلم.
          وقد يحتمل أن يكون المعنى في الأمر بالصلاة عند الكسوف الفزع إلى الله ╡، والتضرُّع له في دفع الضرر والآفات التي تتوهَّمها الأنفس، وتتحدَّث بها الخواطر تحقيقاً لإضافة الحوادث كلِّها إلى الله تعالى، ونفياً لها عن الشمس والقمر، وإبطالاً لأحكامها، والله أعلم.
          وقد قيل فيه وَجه ثالثٌ، وهو أنَّهما آيتان من آيات الله الدَّالَّة على قُرب زمَانِ السَّاعة، وأمَارتان من أماراتها وأشراطِها المُتقدِّمة (13) لها، كما قد قال مُخبِراً عن خُسوفهما في (14) القيامة: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ. وَخَسَفَ الْقَمَرُ. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [القيامة:7-9].
          وقد يكون ذلك أيضاً أنه يُخَوِّف بها الناسَ ليفزعوا إلى التوبة والاستغفار من الزَّلَلِ والخَطَايا، ودليلُ ذلك قولهُ ╡ : {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} [الإسراء:59] ويؤكِّدُ ذلك (15) حديث أبي بَكرة.


[1] (قال أبو عبد الله) سقط من (ط).
[2] في (ط): (عمرو بن عبد الرحمن).
[3] في (ط): (حدثنيه).
[4] (والقمر) سقطت من (أ).
[5] في الأصل (ولكنهم) والمثبت من (ط).
[6] جاء في (أ) هنا زيادة مقحمة: (حدثنا شيبان عن ابن عمر أنه قال).
[7] في الفروع: (يقولون).
[8] في الأصل: (إعطائها) بتوحيد الهاء، والمثبت من (ط) و(م).
[9] في (ط): (لهما).
[10] في الفروع: (أن ما توهموه).
[11] في الفروع: (وأنهما).
[12] في (ط): (الرفع) وفي الفروع: (لعجزهما عن الدفع).
[13] قوله (والله أعلم... المتقدمة) سقط من (ط).
[14] في (ط): (من).
[15] في (أ) و(م): (وكذلك هو في) وفي (ر): (وهكذا) وفي (ف): (وكذا).