أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة

          217/ 946- قال أبو عبد الله: حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْماءَ، قالَ: حدَّثنا جُوَيْرِيَةُ، عن نافِعٍ:
          عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قالَ: قال رسول الله (1) صلعم لَنا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزابِ: «لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة (2)». فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ العَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، قالَ بَعْضُهُمْ: لا نُصَلِّي حَتَّىَ نَأتِيَها (3). وَقال بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُردْ مِنَّا ذَلِكَ. فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ (4) صلعم، فَلَمْ يُعَنِّفْ واحِداً مِنْهُمْ.
          هذا مِمَّا يَحتجُّ به من يَرَى تَسَاوي الأدلَّة، ويرى كُلَّ مُجتَهدٍ مُصِيباً، يقول (5) : ألا ترى أنَّه صلعم قد عَذَرَهم، ولم يعنِّف واحداً منهم؟!
          قلتُ: وليس الأمرُ في ذلك على ما ذَهَبوا إليه (6)، وإنَّما هو ظاهرُ خِطابٍ (7) خُصَّ بنوع من الدَّليل؛ / ألا ترى قولهم (8) : «بل (9) نصلي، لم يُرِدْ مِنَّا ذلك»؛ يُريد (10) : أنَّ طَاعَة رَسولِ الله صلعم فيما أَمَرَ مِنْ إقامة الصَّلاة في بني قُرَيظَة لا يُوجب تأخيرها عن وقتها الذي أمرَنَا بإقامتِها على عُمُوم الأحوال فيه، وإنَّما هو كأنَّه قال: صَلُّوا في بني قريظَةَ، إلَّا أن يُدرككُم وَقتُها قبل أن تَصِلوا إليهم؛ وكذلك الأمر فيما تأوَّلت (11) الطائفة الأخرى في تأخيرهم الصَّلاة عن أوَّل وَقتها، وكان ذلك عندهم كأنَّه قيل لهم: صَلَّوا الصَّلاة في أوَّل وقتها، إلَّا أن يكون لكم عُذرٌ، فأخِّروها إلى آخر (12) وَقتها، وتَخصيصُ العُموم بناءً على أصلٍ مُتَقَرِّرٍ، ومن خصَّه بدليلٍ فإنَّه لم يُخرجه عن جملة أصله المُوجب له، وفي القول بتساوي الأدلة تجويز أقوالٍ مختلفة الأصول متضادَّة الأحكام (13)، وهي على اختلافها وتَضَادِّها صَوابٌ كُلُّها عندهم.


[1] في (ط) والفروع: (النبي).
[2] في (م): (قريضة).
[3] في (ط): (لا نصلي إلَّا في بني قريظة حتى نأتيها).
[4] في (ط): (فذكر النبي) وفي (ف): (فذكر ذلك للنبي).
[5] (يقول) سقط من (ط).
[6] في الفروع: (وليس كما ظنه).
[7] في (م): (الخطاب).
[8] في (أ): (ألا تراهم قالوا) وفي (ر) و(ف) و(م): (ألا تراه قال).
[9] في (أ): (بلى).
[10] في (م): (يقال).
[11] في الفروع: (وكذلك تأويل).
[12] في (ط): (فأخروها الآخر).
[13] في الفروع: (تجويز أحكام متضادة).