أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله

          1028/ 5782- قال أبو عبد الله: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (1) بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، مَوْلَى بَنِي التَّيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ (2)، مَوْلَى بَنِي زُرَيْقٍ:
          عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لْيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً (3) وَفِي الآخَرِ دَاءً (4)».
          قلتُ: وهذا مِمَّا (5) يُنْكِرُه (6) مَنْ لَا يُثْبِتُ من الأمور إلَّا ما أَدْرَكَه بِحِسِّه ومُشَاهدته، ومَنْ لا يَعْرِفُ منها إلَّا ما صَحَّ عنده بالعُرْفِ الجَاري، والتَّجربة القائمة (7)، فأمَّا مَنْ شَرَحَ اللهُ قَلْبَه بنور (8) معرفته، وأَثْلَجَ صَدْرَه بثبوتِ (9) نُبُوَّة (10) رسوله (11) صلعم، فإنَّه (12) لا يَسْتنكر ذلك (13)، ولا يَدْفَعُه إذا ثَبَتَتْ به الرواية، وليس (14) لا يَصحُّ الشيءُ إلَّا بوجود نظيره، إنَّما يَصحُّ الشيءُ بوجُود (15) دليله، وقيام الدَّلالة من (16) طريق (17) العَقْل، وصِحَّةِ الرواية في إخباره من طريق النَّقْل يُوجبان (18) التسليم، ويقطعان مادَّة (19) الأَشَاغيب (20).
          وكيف لا يَتَعَجَّبُ صَاحبُ هذه المقالة من النحلة          قد جمع الله في جَوْفها (21) الشِّفاءَ والسُّمَّ معاً، فَتُعَسِّلُ (22) من أعلاها وتَسُمُّ (23) من أسفلها بِحُمَتِها (24)، والحَيَّةُ وهي حَتْفُ الإنسان، وسمُّها قَاتِلُه (25)، ثمَّ صَارَ لَحْمُها مِمَّا يُسْتَشْفى به في (26) التِّرياق الأكبر (27) من سُمِّها، وفي كثير من الأدواء (28) الفادحة، معروف ذلك عند الأطباء، بل عند كثير من أوساط العوامِّ.
          وقد يدخل الذُّباب في أدوية العين، ويُسْحَقُ مع الإثمد، / فيجلُو البَصَرَ ويقويه (29)، وقد يُؤْمَرُ مَنْ عَضَّه الكلبُ أن يَسْتُرَ وَجْهَهُ عن الذُّباب؛ فإنَّه إنْ وَقَع عليه أَسْرَعَ في هلاكه، فهذا يَدُلُّكَ من أقاويل الأطبَّاء على اجتماع الشفاء والسُّمُّ معاً فيه (30).
          وليس بنا حاجةٌ مع قول الرسول صلعم، الصَّادِق المَصْدُوق، الذي يأتيه الوَحْيُ بأسْرارِ الغيب (31) إلى الاستشهاد بأقاويل أهل الطِّبِّ، الذين إنَّما وصَلُوا إلى ما وَصَلُوا إليه من علمه بمقدِّماتِ التجارب (32) والامتحان، ومن قول أستاذهم بُقراط (33) في أوَّل كتابه: التجربة خطر.


[1] في (م): (قتيبة بن إسماعيل).
[2] في (ر): (جبير).
[3] في (أ): (سقماً).
[4] في (أ): (شفاء).
[5] (مما) سقطت من (ر) و(م).
[6] في (م): (ممن لا ينكره).
[7] في (م): (القديمة).
[8] في (ر): (صدره بنور معرفته).
[9] (ثبوت) سقطت من (م).
[10] (نبوة) سقطت من (ر).
[11] في (ط): (رسول الله)، وفي (م): (نبيه).
[12] في (ف): (فإنما).
[13] في (م): (لا ينكر) وسقطت منها: (ذلك).
[14] زاد في (أ): (أنه).
[15] قوله: (دليله... بوجود) سقط من (ر) و(ف).
[16] في (م): (الدليل على).
[17] في (أ): (جهة).
[18] (يُوجب)، على إفراد الفعل.
[19] في (م): (زمان).
[20] (الأَشَاغِيب): الخلافات، والمخاصمات. (التاج : شغب).
[21] في الأصل: (جرمها)، والمثبت من الفروع.
[22] في (م): (فتشفي).
[23] في (ر) و(ف): (سم).
[24] في (م): (بحمته).
[25] في (ر) و(ف): (قاتل).
[26] في الفروع وعمدة القاري (17/ 435): (من)، نقلاً عن الخطابي.
[27] في (أ): (الأرقان والأكثر).
[28] في (م): (الأده).
[29] في (ر) و(ف) و(م): (ويغذيه).
[30] (فيه) سقطت من (أ).
[31] في (م): (بسر إلى يغيب).
[32] في (ر): (التجاريب).
[33] (بقراط): طبيب يوناني. طبقات الأطباء ░43▒.