أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث: أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي

          88/ 335- قال أبو عبد الله: حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ سِنانٍ، قالَ: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، قالَ: حدَّثنا سَيَّارٌ، عن يَزِيدَ الفَقِيرِ، قالَ:
          حدَّثنا جابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قالَ: «أُعْطِيتُ خَمْساً لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً، فَأَيُّما رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ المَغانِمُ (1)، وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفاعَةَ، وَكانَ النَّبِيُّ (2) يُبْعَثُ إلىَ قَوْمِهِ خاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلى النَّاسِ عامَّةً».
          قوله: (نصرتُ بالرعب مسيرة شهر (3)) / معناه: أنَّ العَدُوَّ يخافني وبيني وبينه مسافة (4) شهر، وذلك من نصرة الله إيَّاه على العَدُوِّ.
          وقوله: (جعلت لي الأرض مسجداً وطَهوراً) فإنَّ أهل الكتاب لم تكن أُبيحت لهم الصلاة إلَّا في بيعهم وكنائسهم، ورَخَّص الله تعالى لهذه الأُمَّة أن يُصَلُّوا حيث أدركتهم الصلاة، وذلك من رحمة الله تعالى ورأفته بهم، تيسيراً (5) للطاعة، وتكثيراً لها؛ لِيَكْثُرَ عليها مثوبتهم، وإحدى هاتين اللفظتين (6) يدخُلها (7) التَّخصيص بالاستثناء المذكور في الخبر (8) الآخر، وهو قوله: «إلَّا الحَمَّام والمقبرة» (9)، والخبر فيه مشهور صحيح، ويدخله التَّخصيص من جهة الإجماع، وهو النَّجَسُ من بقاع الأرض.
          واللفظة الأخرى مُجملة، وبيانها في الحديث الآخر (10)، من طريق حُذيفة (11) بن اليمان، أخبرناه إبراهيم بن عبد الله، قال: حدَّثنا محمَّد بن إسحاق، قال: حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب الشَّهيد (12)، قال: حدَّثنا ابن فُضيل، عن أبي مالك الأشجعِيِّ، عن ربعي بن حِراش، عن حذيفة، قال: قال رسولُ الله صلعم : «جُعلت لنا الأرض كلُّها مسجداً، وجعل تُرابها لنا طهوراً إذا لم نجد الماءَ» (13).
          فبيَّن أنَّ التيمُّمُ إنَّما أبيح لنا بالتُّراب لا بسائر أجزاء الأرض، كالنُّورة والجِّص، ونحوهما من الجواهر (14).
          وقوله: (وأحلَّتْ لي المغانم) فإنَّ الأمم المتقدِّمة كانوا (15) على ضربين: منهم من لم يُبحْ للأنبياء جهاد الكفَّار منهم، فلم يكن لهم مغانم، ومنهم من أُبيح لهم جهادُهم، فكانوا إذا غنموا مالاً جاءت نارٌ فأحرقته، ولا يحلُّ لهم أن يمتلكوه (16) كما أبيح ذلك (17) لهذه الأمَّة، والحمد لله على ذلك.
          وقوله (18) : (أعطيت الشفاعة) فإنَّها هي الفضيلة العظمى التي لم يشاركه / فيها أحدٌ من الأنبياء، وبها (19) ساد الخلق كُلَّهم؛ حتَّى يقول: «أنا سيِّد ولدِ آدم». وذلك في القيامة، حين يَشْفعُ للخلق في الحساب، ولا يَشفَعُ غَيرُه.
          حدَّثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب المعقليُّ، قال: حدَّثنا محمَّد بن إسحاق الصغانيُّ، قال: حدَّثنا عمرو بن محمَّد الناقد، قال: حدَّثنا عمرو بن عثمان، قال: حدَّثنا موسى بن أعين، عن معمر بن راشد، عن محمَّد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن بشر بن شغاف (20)، عن عبد الله بن سلام، قال: قال: رسول الله صلعم : «أنا سَيِّدُ وَلَدِ آدم ولا فَخرَ، وأنا أوَّلُ مَنْ تنشقُّ عنه الأرضُ (21)، وأنا أوَّل شافعٍ ومُشفَّعٍ (22)، بيدي لواء الحمد، تحتي آدم فمن دُونه» (23).
          قوله: (أنا سيِّد ولد آدم ولا فخر) مع قوله: (لا يحلُّ لأحدٍ أن يقولَ: أنا خَيرُ من يُونسَ بن متَّى) (24) وقوله: (لا تُخَيِّروا بين الأنبياء) (25) مختلفان في الظاهر، ووجه الجمع بينهما أنَّ هذه السِّيادة (26) إنَّما هي في القيامة، إذْ (27) قُدِّم في الشفاعة (28) على جميع الأنبياء (29)، وإنَّما مَنَعَ أن يُفَضَّلَ على غيره منهم في الدُّنيا وإن كان صلعم مُفضَّلاً في الدَّارين من قِبَل اللهِ ╡.
          وقوله: (ولافَخْر) معناه: إنِّي إنَّما أقول هذا الكلام مُعتداً بالنِّعمة لا فَخراً واستكباراً، فَقَلَّ (30) مَنْ فَخَرَ إلَّا تَزَيَّد في فَخْرِه، يقول: إنَّ هذا القولَ ليس منِّي على سبيل الفَخر الذي يدخله التَّزيُّدُ والكِبر.
          و (لواء الحمد): لم أزل أسأل عن معناه حتَّى وَجَدته (31) في حَديث يروى عن عقبة بن عامر: «إنَّ أوَّل من يدخل الجنَّةَ الحَمَّادُون اللهَ (32) على كُلَّ حال، يُعقَدُ لهم (33) لواءٌ (34) فيدخلون الجنَّة».
          حدَّثنا ابن مالك، قال: حدَّثنا عُمرُ بن حفص / السَّدُوسيُّ (35)، قال: حدَّثنا عاصم بن عليٍّ، قال: حدَّثنا قيس بن الربيع، عن حبيب بن أبي ثابت (36)، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عبَّاس، عن النبيِّ صلعم قال: «أوَّلُ مَنْ يُدعى إلى الجَنَّةِ الحمَّادون (37)، الذين يحمدون الله على السَّرَّاء والضَّرَّاء» (38).


[1] في النسخ الفروع: (الغنائم).
[2] في الأصل هنا زيادة ( صلعم ).
[3] (مسيرة شهر): ليس في (ط).
[4] في (ط): (مسيرة).
[5] في (ط): (وتيسيراً).
[6] في (ط): (اللَّفظين) على التذكير.
[7] في (ط): (يدخلهما).
[8] في (ط): (الحديث).
[9] رواه أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري (492▒.
[10] في النسخ الفروع: (في خبر آخر).
[11] (حذيفة) سقط من (ط).
[12] في (ط) والفروع: (بن شهيد) بزيادة (بن).
[13] رواه مسلم في ░4▒ وابن خزيمة في «صحيحه» (263▒.
[14] في (ط): (من الخواص).
[15] في النسخ الفروع: (وكان الأمم المتقدمة).
[16] في النسخ الفروع: (يملكوه).
[17] في النسخ الفروع: (وأبيح).
[18] في (ط): (وقد).
[19] (وبها) سقط من (ط).
[20] في (ط) و (أ) و (ر): (شعاف) بالعين المهملة.
[21] في (ر): (الأرض عنه).
[22] في (ف): (وأول مشفع).
[23] رواه ابن ماجة عن أبي سعيد الخدري (4308) وانظر الترمذي (3148).
[24] في النسخ الفروع: (مع قوله: لا تفضلوني على يونس بن متى)، والحديث رواه الترمذي في الجامع، عن ابن عباس (183▒ بلفظ (لا ينبغي...).
[25] رواه أبو داود في السنن، عن أبي سعيد الخدري (4668).
[26] في (م): (السياد).
[27] في (ط): (إذا) وفي الفروع: (حين).
[28] في النسخ الفروع: (بالشفاعة).
[29] في النسخ الفروع: (سائر الخلق).
[30] في (ر): (فقال) محرفاً. وفي (أ): (فعل).
[31] في النسخ الفروع: (وجدت).
[32] في (أ): (لله).
[33] في النسخ الفروع زيادة: (يوم القيامة).
[34] قوله: (لواء) زيادة من (ط).
[35] في (أ): (الدوسي).
[36] في (ط): (حبيب بن ثابت)، وفي (م): (عن حسين بن أبي ثابت).
[37] في النسخ الفروع زيادة: (الله)، وفي (أ): (لله).
[38] أخرجه الطبراني في الكبير (12345)، وانظر شرح السنة للبغوي رقم (1270).