أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا

          605/ 2783- قال أبو عبد الله: حدَّثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قال: حدَّثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قال: حدَّثنا سُفْيَانُ، قَالَ: حدَّثني مَنْصُورٌ، عن مُجَاهِدٍ، عن طَاوُسٍ:
          عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا».
          قلت: كانت الهجرة على معنيين: أحدهما: أنَّ الآحادَ من القبائل كانوا إذا أسْلَمُوا وأقامُوا في ديارهم بين ظَهرَاني قَومِهم فُتِنُوا وأُوذُوا، فَأُمِرُوا بالهجرة؛ لِيسلَمَ لهم دينُهم، ويَزُولَ الأذى عنهم.
          والمعنى الآخر: أنَّ أهلَ الدِّينِ بالمدينة كانوا في قِلَّةٍ مِنَ العَدَدِ، وضَعْفٍ من القُوَّةِ، فكان الواجبُ على من أسلم من الأعراب وأهل القرى أن يُهاجروا، فيكونوا (1) بِحَضْرةِ الرَّسولِ (2) صلعم؛ لكي إن حدث حادثٌ، وحَزَبَ (3) أمرٌ اسْتعانَ بهم في ذلك، وَليتفقَّهُوا في الدِّين فيرجِعون إلى قومهم (4)، فَيعَلِّمونهم (5) أمرَ الدين والأحكامَ (6)، فَلَمَّا فُتحَت مكَّةُ استغنوا عن ذلك، إذ (7) كان مُعظمُ الخوفِ على المسلمين من أهل مكَّة، فلمَّا أسلموا أَمِنَ المسلمون أنْ يُغزَوْا في عُقْرِ دارهم، فقيل لهم: أقيموا في أوطانكم، وقِرُّوا على نِيَّةِ الجِهادِ، فإنَّ فَرضَهُ غيرُ مُنقطعٍ مدَى الدَّهْرِ، وكونُوا مُستعدِّين لتنفروا إذا استُنْفِرتُم، وتُجيبوا إذا دُعِيتُم (8).


[1] في (أ): (ليكونوا).
[2] في الفروع: (رسول الله).
[3] في الفروع: (وجرى).
[4] في (ف): (إذا رجعوا إلى قومهم).
[5] في (ر): (فيرجعوا... ويعلموهم).
[6] في الفروع: (وأحكامه) وسقط من (ف) قوله: (فيعلمونهم أمر الدين) ومن (م) (فيرجعون... الدين).
[7] في (ط): (إذا).
[8] في (أ): (إذا استنفروا... إذا دعوا).