المنظر الصبيح في ختم الصحيح

المقدمة

          المَنْظَرُ الصَّبِيْحُ في خَتْمِ الصَّحِيْحِ
          تأليفُ الشيخِ الإمامِ العالِمِ العلَّامةِ نَجْمِ الدِّينِ مُحمَّدِ بنِ المَرحُومِ الشَّيخِ الإِمامِ؛ العالِمِ العلَّامةِ شِهابِ الدِّينِ أَحمَدَ الشَّهيرِ جَدُّهُ بـكم
          تغمَّدَهُ اللهُ بِرَحمَتِهِ وأَسكَنَهُ فَسيحَ جَنَّتِهِ آمين
          ♫
          الحمدُ للهِ الواحدِ فلا شريكَ لهُ في مَملَكَتِهِ، الواجدِ فكَلُّ مَوجودٍ في قَبضَتِهِ، الظاهرِ بالدَّليل لأَهلِ وُدِّهِ ومَحَبَتِهِ، الباطنِ الذي لا يُكَيِّفُهُ الخاطرُ بفِكرَتِهِ، السَّميعِ الذي يَسمعُ أَنينَ الجَنينِ تحتَ غِشاءِ الحَشاءِ وأَغطِيتِهِ، البصيرِ الذي يُبصِرُ أثرَ دَبيبِ النَّملِ على الصَّخرِ إذا أخفاهُ الليلُ بِسَوادِهِ وظُلمتِهِ، العليمِ بما يُخفيهِ العبدُ بسَرِيرتِهِ، القَهَّارِ الذي قَهَرَ كلَّ مُتَكبِّرٍ بسُلطانِ سَطْوَته، المُتَعَالي عن الأَندادِ، المُقدَّسِ عن الأضدادِ، الباقي علَى الآبَادِ، خَالقِ المايِعِ والجَمَادِ، القَديمِ الأَحَدِيِّ، العَظيمِ الصَّمَدِيّ، القائمِ السَّرْمَدِيّ، مُبْدِعِ الأَنواعِ والأَجنَاسِ، المُنَزَّهِ عن السِّنَةِ والنُّعاسِ، ذِي العِزَّةِ والجَلالِ والعَظَمَةِ والكِبْرِياءِ والكَمَالِ والهَيبةِ والسُّلْطانِ والبَهَاءِ والجَمَالِ، فسُبحانَ ذي الفَضْلِ والنِّعَمِ، سُبحانَ ذي الجُودِ والكَرَمِ، سُبحانَ مَن بَهَرَ العُقُولَ عَظَمةً وجَلالةً.
          سُبحانَ المُسَبَّحِ في كلِّ حالةٍ، سُبْحانَ مَنْ لا يَنْبَغي التَّسبِيحُ إلا لَهُ، سُبحانَ مُصَوِّرِ النُّطَفِ في الأَرحامِ، سُبحانَ مَن لَيسَ لمُلْكِهِ ابتِدَاءٌ ولا انصِرامٌ.
          سبحانَ مَن لا يَتَسَمَّى باسْمِهِ سِوَاهُ، سبحانَ مَن لا رادَّ علَى حُكْمِهِ ولا مُعَقِّبَ لِمَا قَضاهُ، سُبحانَ مَن عاقَبَ وغَفَرَ، سُبحانَ مَن عَفَا وسَتَرَ، سبحانَ مَن خَلَقَ وصَوَّر، سُبحانَ مَن قَدَّم وأخَّرَ.
          سبحانَ مَن قَضَى وقَدَّر، سُبحانَ مَن أَماتَ وأَقْبَرَ، سُبحانَ مَن أَحيَا وأَنْشَرَ، سبحانَ مَن خَضَعتْ لَهُ الأَشياءُ، وعَنَتْ لِعِزِّ جلالِهِ العُظَماءُ، سبحانَ مَن أَبدَى النَّهارَ بنُورهِ فتَلَأْلَأَتْ مِن نُورهِ الظَّلْماءُ.
          سُبحانَ سُلطانِ المُلوكِ فَمَا لهُ ضِدٌ ولا نِدٌ ولا وُزَراءُ، سُبحانَ قَهَّارِ الجَبَابِرةِ التي مِن تحتِ هَيْبَتِهِ الجميعُ هَبَاءٌ، / سُبحانَ مَن رَفَعَ السَّماءَ بِقَولِ:(كُنْ)، ودَحَى بِساطَ الأَرضِ فهيَ سَواءٌ.
          سُبحانَ مَن أَرسَى الجِبَالَ شَواهِقاً فتغنَّتْ لِلهَيبةِ الصَّمَّاءُ، سبحانَ مَن خلَقَ الهواءَ فما لَهُ لَونٌ؛ يُنظَرُ في الفَضاءِ هَواءُ، سُبحانَ مَن لا نَومَ يأخُذُهُ ولا َسهوٌ، وقد ذَلَّتْ له العَلْياءُ، سُبحانَ مَن وَجَبَ الكَمالُ لِذَاتِهِ فهو المَلِيكُ وما لَهُ شُرَكاءُ، سُبحانَ ذِي العَرْشِ العَلِيِّ ومَن عَلا حَقَّاً عليه لَيس فيهِ مِرَاءٌ، سُبحانَ مَن عَزَّت مَعرِفَتُهُ فلا يُدرَكُ بالعُقولِ خَافِيْها.
          سُبحانَ مَن تَمَّتْ كَلِمَتُهُ فلا يُرَدُّ حُكْمُ قاضِيها، سُبحانَ مَن عَلَتْ سَلْطَنتُه فَجَلَّ تَعالِيها، سُبحانَ مَن دَامَتْ أُلُوهِيَّتُهُ فمَن ذا يُضَاهِيها، سُبحانَ مَن شَهِدَتْ بِوَحْدانِيتهِ الكَائِناتُ ونَواحِيها، سُبحانَ مَن تَصَرَّفَ في خَلْقِهِ كَمَا شَاءَ عِزَّاً وسُلْطاناً، سُبحانَ مَن اختارَ المتَّقِينَ فوَهَبَ لهم أَمْناً وإِيماناً.
          سُبحانَ مَن عمَّ المُذنِبينَ برَحمَتِهِ وحِلْمِه عَفْواً وغُفْرَاناً، سُبحانَ مَن بِيَدِهِ النَّجاةُ والهَلاكُ وهو المُتَصَرِّفُ في الأُمُورِ، سُبحانَ مَن قَولُهِ الحقُّ، وله المُلْكُ يومَ يُنفَخَ في الصُّورِ، سُبحانَ القَديمِ الوارِثِ.
          سُبحانَ المُمِيتِ الباعِثِ، سُبحانَ مَن لا تُغَيّرَهُ الحَوَادِثُ، سُبحانَ مَن أَوْجَدَ الوُجُودَ ودَبَّرَهُ، سُبحانَ مَن قَضَى بالمَوتِ وقدَّرهُ.
          سُبحانَ مَن ساوَى فيه بينَ الأعلَى والأَدنَى، سُبحانَ البَاقِي، وكُلُّ ما سِواهُ يَفنَى، سُبحانَ [مَن] لَهُ الأَرضُ والسَّماءُ، سُبحانَ الجَليلِ الصِّفاتِ والأَسماءِ، سُبحانَ الجَزيلِ الفَضلِ والنَّعْمَاءِ، سُبحانَ الحَميدِ في كُلِّ مَقَامٍ، سُبحانَ الشَّديدِ البَطْشِ والانتِقامِ.
          سُبحانَ المُنَزَّهِ عن الجِهَةِ والحَرَكَةِ والقُعُودِ والقِيامِ، سُبحانَ عالِمِ الغُيوبِ، سُبحانَ ساتِرِ العُيُوبِ، سُبحانَ غافرِ الذُّنُوب، سُبحانَ كاشِفِ الكُرُوبِ.
          سُبحانَ مالِكِ أَزِمَّةِ القُلوبِ، سُبحانَ قَابِلِ التَّوبَةِ مِمَّن يَتُوبُ، لَم يَزَلْ عَظيماً عَلِيَّاً جَبَّاراً قادِراً قَوِيَّاً، / رَفَعَ سَقفَ السَّماءِ بصُنعتِهِ فاستَوَى مَبْنِيَّاً.
          وقَسَّم الخلائقَ سَعيداً وشَقِيَّاً، وجَعَلَ منهم ذَكَيَّاً وغبيَّاً، وشريفاً ووضيعاً، وفقيراً وغنِيَّاً، لا تتحوّلُ ذَرَّةٌ إلا بإذنه، ولا يَظُنَّ عبدٌ شيئاً إلا وهو مطَّلِعٌ على ظَنِّهِ، تُسبِّحُهُ البِحارُ الطَّوافِحُ والأبصارُ الطَّوامِحُ والأَفكارُ والقَرائِحُ، لا يُبْرِمُهُ سَائِلٌ، ولا يُنقِصُهُ نَائِلٌ، يَسمعُ تَغريدَ الوَرقاءِ على الغْصنِ، وما شاءَ كانَ، وما لم يَشَأْ لم يكنْ، سَطَحَ المِهادَ بِرَحمَتِهِ، وسَقَاهُ كلَّما عَطِشَ رَيَّاً، وأخرجَ صُنوفَ النَّباتِ، وكسَا كُلَّ نَباتٍ زِيَّاً، تَقَدَّسَ عنِ الجَوارِحِ والآلاتِ والأَطرافِ، وخَضَعَتْ لعِزَّتِهِ الأَكوانُ وأَقَرَّتْ بالاعترافِ، وانقادَتْ لهُ القُلوبُ؛ وهي في انقِيادِها تَخافُ، وذُلَّ لكِبرِيائهِ جَبَابِرَةُ السَّلَاطِينِ، وقَلَّ عندَ دِفاعِهِ كَيدُ الشَّياطينِ.
          وقَضى قَضاهُ كَمَا شاءَ علَى الخاطِيْنَ، تَعالَى عمَّا يَقُولُ أَهلُ التَّعطيلِ، وتَنَزَّهَ عمَّا يَعتقِدُهُ أهلُ التَّمثيلِ، نَصَبَ للعقلِ على وُجودِهِ أوضحَ دليلٍ، وهَدَى إلى وُجودِهِ أَبْيَنَ سَبيلٍ.
          أَنشَأَ وبَرَى، وخلقَ الماءَ والثَّرَى، وأبدعَ كلَّ شيءٍ وذَرَا، بَسطَ الأرضَ قَراراً، وأَجرَى فيها أنهاراً، وأخرجَ زَرعاً وثِمَاراً.
          لهيبةِ عَظَمَتِهِ تَحَرَّكَ السَّاكنُ وارتَجَّ، ولِعِظَمِ قُدرتهِ الْتَطَمَ مَوجُ البحرِ وعَجَّ، ومِن يَسيرِ بَلاءِهِ استَغاثَ الشَّديدُ الصَّبرِ وضَجَّ، لا شأنَ يَشغَلُهُ، ولا قاطِعَ لمن يَصِلُهُ، ولا نافعَ لِمَن يَخذُلُهُ، خَلَقَ الإِنسانَ، وعلَّمهُ البَيَانَ، وأنزلَ القُرآنَ، وقدَّرَ الكُفرَ والإيمانَ والطَّاعةَ والعِصيانَ.
          لا تَبلِيهِ الأَعصارُ، ولا تُدرِكُهُ الأَبصارُ، ذاتُه ليستْ كَالذَّواتِ، وصِفَاتُه ليستْ كَالصِّفاتِ، رَفيعُ الدَّرَجاتِ، مُمِيتُ الأحياءِ، ويُحيِي الأَمواتَ، لا تَشتَبِهُ عليهِ اللُّغاتُ، ولا تَختلفُ عليه الأصواتُ.
          الأَولياءُ في حَذَرٍ مِن مَكْرِهِ، والمَلائِكةُ من خِيفَتِهِ لا يَفتُرُونَ عن ذِكرِهِ، والإنسُ والجِنُّ في دائِرةِ قَهرِهِ، والجَنَّةُ والنَّارُ تحتَ أَمرِهِ، لا يَصِفُهُ الواصِفُونَ، ولا يَلحَقُهُ المَنُونُ، أَمرُهُ فيما يُريدُ نافِذٌ ومَاضٍ، لا اعتِرَاضَ عليه ولا يُفيدُ / الاعتِراضُ.
          ليسَ بِجسمٍ فيُشبِهُ الأَجسامَ، ولا مُتَجَوِّفٌ فيَحتاجُ إلى الشُّربِ والطَّعام.
          يَرَى مِن غَيرِ حِدَقٍ وأُجْفانٍ، ويَسمعُ بغيرِ أَصمِخَةٍ وآذانٍ، ويتكلَّمُ بغير شَفَةٍ ولِسانٍ، كلامُه قديمٌ لا يُشبِهُهُ كلامُ الفُصَحاءِ، ليسَ بالصَّوتِ والحَرَفِ؛ لوَصفِهِما بالحُدُوثِ والفَناءِ، لا يَحْجُبُ سَمعَهُ بُعدٌ معَ اختلافِ الأَصواتِ والدُّعاءِ.
          سُكَّانُ السَّمَواتِ السَّبعِ طائِعُونَ لِأمرِهِ ومَشِيْئَتِهِ، والسَّمَواتُ السَّبْعُ تحتَ قَهرِهِ وقُوَّتِهِ، والشَّمسُ في بَهَا عِزِّها خَضَعَتْ لِعِزَّهِ وجَلالِهِ، والقَمرُ في سُلطانِ بَهجَتِهِ مُتَصاغِرٌ لِعَظَمَتِهِ وجَمَالِهِ، واللَّيلُ بِظَلامِهِ شَهِدَ له بالوَحْدَانِيةِ، والنَّهارُ بضِيَائِهِ أقَرَّ له بالرَّبَّانِيَّةِ، والأَملاكُ والأَفلاكُ اعترفتْ لهُ بالإِلَهِيَّةِ.
          كَوَّن الأَكوانَ ودَبَّرَ الزَّمانَ، لا يُقالُ مَتَى كانَ؟ ولا يَحْوِيهِ مَكانٌ، يُثِيبُ عِبادَهُ ويُعاقِبُ، ويَهَبُ الفَضائِلَ ويَمْنَحُ المَنَاقِبَ، أَنعَمَ علَى هذه الأُمَّةِ بتَمامِ إِحسانِهِ، وجادَ عليها بفَضْلِهِ وامتِنَانِهِ.