التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: لو لبثت في السجن ما لبث يوسف

          6992- قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ) بن محمَّد بن أسماء (حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ) (1) أي: ابْن أسماء، وهو عمُّ عبد الله سمع منه ابن أخيه، وجويرية وأسماء عَلمان مشتركان بين الذُّكور والإِناث.
          قوله: عن (سَعِيدَ بْنَ المُسَيِّبِ، وَأَبَا عُبَيْدٍ) (2) _مصغَّرٌ_ ضدَّ الحرِّ، اسمه سعد بن عبيدٍ مولى عبد الرَّحمن بن عوفٍ، وهو مولى ابن أَزهر أيضًا، ففي باب صوم يوم الفطر أو الأضحى عن ابن عُيَيْنة مَن قال: مولى ابن أزهر فقد أصاب، ومَن قال: مولى عبد الرحمن بن عوفٍ أصاب، روى عن عمر وأبي هريرة وعليٍّ، وعنه الزهريُّ كما هنا وسعيد بن خالدٍ، توفِّي سنة ثمانٍ وتسعين.
          قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : لَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ، ثُمَّ أَتَانِي الدَّاعِي لَأَجَبْتُهُ) هذا مِن تواضعه صلعم ، ووصفه يوسف ◙ بالصَّبر وأنَّه لم يخرج مِن السِّجن حين دُعي وكان قد لبث فيه مَا قدَّمناه في باب رؤيا يوسف.
          وقوله؛: (لَأَجَبْتُ الدَّاعِي) أي: إلى الخروج في الحال ولخرجت ولم أتأخَّر، ولم أقل: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ}[يوسف:50].
          ولا يلزم مِن قوله صلعم ذلك أن يُقال منه تفضيل يوسف عليه، أو قاله بيانًا للمصلحة إذ لعلَّ في الخروج مصالح كان الإسراع بها أولى، ولمَّا ذكر البخاريُّ هذا الحديث في كتاب الأنبياء ذكر فيه: ((ونحن أحقُّ بالشكِّ من إبراهيم إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} الآية [البقرة:260]))، وإنَّما قال ذلك لمَّا قال قومٌ لمَّا سمعوا الآية: شَكَّ إبراهيم ولم يشكَّ نبيُّنا، وقاله ◙ تواضعًا وتقديمًا لأبيه إبراهيم على نفسه، يريد أنَّ نحن لم نشكَّ ونحن دونه، فكيف يشكُّ هو؟! ومثل هذا مِن تواضعه قوله: ((لا تفضِّلوني على يونس بن متَّى)) فخصَّ يونس وليس هو كغيره مِن أولي العزم مِن الرُّسل، فإذا كان لا يحبُّ أن يُفضَّل على يونس فكيف بمَن فوقه مِن الأنبياء في الدَّرجة كإبراهيم وموسى وعيسى؟ أحرى أنْ لا يُحبَّ أن يفضل عليهم.
          قيل: ولم يشكَّ إبراهيم ◙ في القدرة على الإحياء، وإنَّما أراد أن يعرف كيفيَّة الإحياء، وعدم معرفة كيفيَّة / الإحياء لا يقدح في اليقين بالقدرة إذ ليس أحدٌ مِن المؤمنين وإلَّا ويؤمن بالبعث وبخلق السَّماوات والأرض، وقد يجهل الكيفيَّة وذلك لا يقدح في إيمانه فضرب تعالى لإبراهيم مثلًا مِن نفسه فقال: ▬فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ↨ الآية [البقرة:260] ، فكما أحيا هذه الطيور عند دعوتك فكذلك يحيي أهل السَّماوات والأرض عند (3) نفخة الصور.
          {وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[البقرة:260]، عزيزٌ في صنائعه إذ هي لا عَن مباشرةٍ كصنائع غيره بل هي عن قول كُنْ.
          قوله في غير هَذا الباب: ((ويرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى رُكنٍ شديدٍ)) أي لمَّا قال لقومه: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}[هود:80] قال ذلك حِين ضاق صَدره واشتدَّ جزعه بما دَهمه مِن قومه، وقد كان يأوي إلى الله وهو أشدُّ الأرْكان، قالوا: ومَا بعث الله تعالى نبيًّا بعد لوط ◙ إلَّا في نزوةٍ مِن قومه، ولا يخرج لوط ◙ بمقالته هذه مِن صفات المتوكِّلين على الله الواثقين بتأييده ونصره، وإن كان قد يتخيَّل أنَّه بظاهر قوله خارجٌ عَن التوكُّل فإنَّ مقصدَه ◙ مقصد المتوكِّلين إذ كان غضبه في ذات الله تعالى، فنبَّه الشَّارع صلعم على ظاهر قول لوط ◙ مثل تنبيهه على ظاهر قول إبراهيم ◙ ، وإن كان مقصده غير الشكِّ؛ لأنَّهم لمَّا كانوا صفوة المخلصين بغاية الإكرام ونهاية القوَّة لا يقنع منهم إلَّا بظاهرٍ مطابقٍ للباطن، إذ العتاب والحجَّة مِن الله تعالى على قدر ما يصنع فيهم، وفي «كِتاب مسلمٍ» عن بعض رُواة الحديث أنَّ إبراهيم إنِّما شكَّ في أنَّ الله هل يحييه أم لا.


[1] صورتها في الأصل:((جويرة)) وكذا في الموضع التالي.
[2] صورتها في الأصل:((عبيدة)).
[3] صورتها في الأصل:((عن)).