التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية

          6932- قوله: (حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ) هو أبو محمَّدٍ عبد الله بن وهبٍ المِصريُّ الفِهريُّ مولاهم.
          قوله: (حَدَّثَنِي عُمَرُ، أَنَّ أَبَاهُ، حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ) اعلمْ أنَّ عمر الَّذي حدَّث عنه ابن وهبٍ هو عمر ابن محمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب. ويقع في بعض الأصول: <عَمرٌو> بفتح العين والصَّواب الأوَّل. قاله بعض الحفَّاظ. قال أبو عليٍّ الغسَّانيُّ: قال أبو محمَّدٍ _يعني_ الأَصِيْليُّ: قرأه لنا أبو زيدٍ في عَرضه بعدئذٍ: <عمرو بن محمَّدٍ> بزيادة واوٍ في الخطِّ والصَّواب: عمر بن محمَّدٍ كما قال سائر الرُّواة، وهو عمر بن محمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب. وقال القاضي في «المشارق» أيضًا: حدَّثنا ابن وهبٍ حدَّثنا عمرٌو، كذا للجُرْجانيِّ ولسائرهم عُمر، وقد وقع نظير هذا في باب الملائكة فقال: حدَّثنا ابن وهبٍ حدَّثني عمر عن سالمٍ عن أبيه، كذا للأَصِيْليِّ والمُستمليِّ وأبي الهيثم، وعند الحَمَويِّ: <عمرٌو> بزيادة واوٍ في الخطِّ، والصَّواب الأوَّل وهو عمر بن محمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب. انتهى.
          وهو روى عن أبيه عن جدِّه وهو أخو أبي بكرٍ وعاصمٍ وزيدٍ وواقدٍ مدنيٌّ / عسقلانيٌّ، اتَّفقا عليه في «الأوسط» للطَّبرانيِّ مِن حديث عمَّار أنَّه قال لسعد بن أبي وقَّاصٍ: ((أمَا سمعت رسول الله صلَّى الله عليه يقول: يخرج قومٌ مِن أمَّتي يمرقون مِن الدِّين مروق السَّهم مِن الرَّميَّة، فقتلهم عليُّ بن أبي طالبٍ؟ قال: نعم، ثلاث مرَّاتٍ))، وحديث أبي سعيدٍ: ((يخرج في هذه الأمَّة)) ولم يقل: مِن هذه الأمَّة. وهو يدلُّ على أنَّهم ليسوا مِن جملة المؤمنين، وجاء في روايةٍ مِن حديثه قال: ((يخرج مِن أمَّتي)) وساقه ابن بطَّالٍ مِن حديث مجالدٍ عن أبي الْوَدَّاكِ عنه، وهو يدلُّ على أنَّهم مِن المؤمنين وتقدَّم قريبًا.
          قوله: (لَإِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ) هو بضمِّ اللَّام على الأكثر أي: مثل قتلهم، ورُوي بالفتح أي: على مثل قَتلهم، وقتلهم إنَّما كان عَلى الكُفر.
          قوله: وقع في الباب ذكر (الحَرُورِيَّةُ) وهو بفتح الحاء وضمِّ الرَّاء، وهم منسوبون إلى قريةٍ كان أوَّل مجمعهم بها تُسمَّى حروراء بمدٍّ وتُقصر، وأمَّا الخوارج فسبب تسميتهم بذلك قوله ◙ : ((سيخرج في آخر الزَّمان))، ومِن قوله: ((يمرقون مِن الدِّين)) فإنَّ المروق عند أهل اللُّغة: الخروج، يقال: مَرق مِن الدِّين مروقًا خرج ببدعةٍ أو ضلالةٍ، ومَرق السَّهم مِن الغرض إذا أصابه ثمَّ نفذَه، ومنه سمُّوا الفرقة المارقة، وجمهور العلماء على أنَّ الخوارج في خروجهم ذلك غير خارجين مِن جملة المؤمنين لقوله ◙ : ((ويَتمارى في الفوقة)) لأنَّ التَّماري الشَّكُّ، وإذا وقع الشَّكُّ في ذلك لم يقطع عليهم بالخروج الكلِّيِّ مِن الإسلام بيقينٍ فلم يحكم عليهم بالخروج منه.
          وقد رُوي عن عليٍّ ☺ مِن غير طريق أنَّه سُئل عن أهل النَّهروان الخوارج أكفَّارٌ هم؟ قال: مِن الكفر فرُّوا، قيل: مِن المنافقين؟ فقال: إنَّ المنافق لا يذكر الله إلَّا قليلًا. قيل: فما هم (1)؟ قال: قومٌ ضلَّ سعيهم وعمُوا عن الحقِّ بغوا علينا قاتلناهم.
          وقول ابن عمر: ((إنَّهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفَّار فجعلوها في المؤمنين)) يدلُّ على أنَّهم ليسوا كفَّارًا.
          واعلمْ أنَّ الإسماعيليَّ اعترض على البخاريِّ في ترجمة الباب بما ذكره، وسياقه قصَّة ذي الخُويصرة التَّميميِّ بأنَّ الَّذي في الحديث إنَّما هو ترك القتل لا ترك القتال، وإنَّما ترك قتل ذي الخُويصرة لأنَّه لم يكن أظهر ما يُستدلُّ بمثله على ما وراءه لأنَّ قتل مَن يُظهر عند النَّاس العبادة والصَّلاح قبل استحكام أمر الإسلام ورسوخه في قلوب الأبعد / مِن تنفيرهم عن الدُّخول في الإسلام، وأمَّا إذا أظهروا رأيهم ونصبوا القتال فقتالهم حينئذٍ واجبٌ، وكذا قال الدَّاوديُّ: إنَّ قوله بأنَّ مَن ترك قتال الخوارج للتَّألف ليس بشيءٍ لأنَّه لم يكن له يومئذٍ فيه بقاتلٍ، ولو قال: لم يقتل. لأصاب، وتسميته إيَّاه مِن الخوارج لم يكن يومئذٍ هذا الاسم إنَّما سمُّوا به لخروجهم على عليٍّ ☺.
          وقال ابْن بطَّالٍ: لا يجوز ترك قتال مَن خرج على الأئمَّة (2) وشقَّ عصاها، وأمَّا ذو الخُويصرة فإنَّما ترك الشَّارع قتله لأنَّه عذره بالجهل وأخبر أنَّه مِن قوم يخرجون ويمرقون مِن الدِّين فإذا خرجوا وجب قتالهم، وكان صلعم يُعرض عن الجاهلين وكان على خُلقٍ عظيمٍ.


[1] في الأصل:((فيهم)).
[2] كذا في الأصل, ولعلها:((الأمة)).