التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة

          3166- قوله: (حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو) هو الفقيمي (عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو) هكذا رُوِيَ هذا الحديث لعبد الله بن عمرو بن العاص.وفي نسخة الأصيلي: <عن أبي أحمد عن عبد الله بن عمر> يعني ابن الخطَّاب، ولم يذكر خلافًا بين أبي أحمد وأبي زيد، وتكرَّر هذا الحديث بهذا الإسناد في كتاب القسامة متَّصلًا لعبد الله بن عمرو بن العاص.وأخرج البخاريُّ في كتاب الأدب: (حَدَّثَنَا من رواية الحسن بن عمرو الفقيمي، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: ((ليس الواصل بالمكافئ)).وفي هذا الحديث علَّة ذكرها الدارقطني في «كتاب الاستدراكات» وهي الانقطاع فيما بين مجاهد وعبد الله بن عمرو، فإنَّ مجاهدًا لم يسمع من عبد الله بن عمرو، وقد رواه مروان بن معاوية الفزاري قال: حَدَّثَنَا الحسن بن عمرو، عن مجاهد، عن جنادة بن أبي أميَّة، عن عبد الله بن عمرو.قال الدَّارقطني: وهو الصَّواب.
          قوله: (لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ) هو _بفتح المثناة من تحت والرَّاء_ أي: لم يجد ريحها ولم يشمَّه.ورُوِيَ بضمِّ أوَّله وكسر ثانيه من أراح يريح، وهذا قول الكسائي، والأوَّل أجود وعليه أكثرهم كما ذكره ابن التِّين.وقال ابن الجوزي: هو اختيار أبي عبيد وهي الصَّحيحة.وقال الجوهري: راح فلان الشَّيء يراحه ويريحه إذا وجد ريحه.وما في الحديث قد علمت مما قدَّمناه أنَّه عند الكسائي من راحه يريحه.قال الكرماني: وكان أبو عمرو يقول: إنَّه من راحه يريحه، وإنَّ أبا عبيدة حمله من راحه يراحه.ومعنى الثَّلاث واحد.فإن قلت: المؤمن لا يُخلَّدُ في النَّار.قلت: المراد لم يجد ريحها أوَّل ما يجده سائر المسلمين الَّذين لم يقترفوا الكبائر، توفيقًا بين هذا الحديث وبين ما تعاضدت به الدَّلائل العمليَّة والعقليَّة على أنَّ صاحب الكبيرة إذا كان موحِّدًا محكومًا بإسلامه لا يُخلَّدُ في النَّار ولا يُحرَمُ الجنَّة.
          تنبيه: قال في «النِّهاية»: يُقَالُ راح يريح وراح يراح وأراح يريح، إذا وجد رائحة الشَّيء.والثَّلاثة قد رُوِيَ بها الحديث، فمن فتح الرَّاء جعله من راح يراح، ومن كسرها جعله من راح يريح، ومن كسرها مع ضم الياء جعله من أراح يريح، والمعنى / كلُّه واحد، وهو أنَّه لم يَشُمَّ رائحة الجنَّة ولم يجد ريحها.وقد علمت ما فيه مما قدَّمناه.
          قوله: (وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)، وعند الإسماعيلي: ((وَإنَّ رِيحَهَا ليُوجَدُ مِنْ سبعين عَامًا)) وكذا في الترمذي: ((سبعين عامًا)) من رواية أبي هريرة، وفي «الموطَّأ» ((خمسمائة عام)) فيحتمل _والله أعلم_ كما قال ابن بطَّال أنَّ الأربعين هي أقصى أشدِّ العمر في قول الأكثر، فإذا بلغها ابن آدم زاد عمله ويقينه واستحكمت بصيرته في الخشوع لله والنَّدم على ما سلف، فكأنَّه وجد ريح الجنَّة الَّذي يعينه على الطَّاعة، ويُمَكِّنُ من قلبه الأفعال الموصلة إلى الجنَّة، فبهذا وجد ريح الجنَّة على مسيرة أربعين سنة، وأمَّا السبعين فإنَّها آخر المعترك، ويعرض للمرء عندها من الخشية والنَّدم لاقتراب الأجل ما لم يعرض قبل ذلك، ويزداد طاعة بتوفيق الله، فيجد ريح الجنَّة من مسيرة سبعين عامًا.وأمَّا وجه الخمسمائة فهي فترة ما بين نبيٍّ ونبي، فيكون من جاء في آخر الفترة واهتدى باتِّباع النَّبيِّ الَّذي قبل الفترة، ولم يضرَّه طولها فوجد ريح الجنَّة على خمسمائة عام.