التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: لأقضين بينكما بكتاب الله أما الوليدة والغنم فرد عليك

          2695- 2696- قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ) هو أبو الحارث محمَّد بن عبدالرَّحمن بن أبي ذئب.
          قوله: (جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ) أي: بحكم الله، ولم يرد القرآن؛ لأنَّ النفي والرجم ليسا فيه، وأمَّا قوله صلعم : (لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ)؛ فيُحتمل أن المراد بحكم الله أيضًا، وقِيلَ: بل هو إشارة إلى قوله تعالى: {أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}[النساء:15]، وفسَّر النَّبي صلعم ذلك بقوله: (البكر بالبكر جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ (1) عَامٍ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)، وقِيلَ: المراد: نقض صلحهما للباطل على المغنم والوليدة، وإنَّما قالا: (بحكم الله) والحال أنَّهما يعلمان أنَّه لا يحكم إلا بحكم الله ليفصل بينهما بالحكم الصرف لا بالصلح؛ إذ للحاكم أن يفعل ذلك، لكن برضاهما.
          قوله: (إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا) قال مالك: العسيف: الأجير، وقال في «المحكم»: هو الأجير المستهان به، وقِيلَ: هو المملوك المستهان به، وقِيلَ: كل خادم عسيف، وهو بعين مفتوحة وسين مكسورة كلاهما مهمل.
          قوله: (عَلَى هَذَا) قيل: (عَلَى هَذَا) اسم بمنزلة: عند.
          قوله: (ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ) يؤخذ منه: جواز سؤال المفضول مع وجود الفاضل؛ إذ لم ينكر ╕ عليه سؤال غيره، والذين كانوا يفتون في عصره صلعم الخلفاء الأربعة وثلاثة من الأنصار: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد / بن ثابت، ولعل هذا هو حكم الفقهاء السبعة، وهو المواطأة لما كان في زمن النَّبي صلعم ، وأرباب المذاهب المتبوعة أربعة قبل الخلفاء الأربعة، وذكر الإمام أبو محمَّد ابن حزم في كتابه «الإحكام» له على ترتيب الأكثر منهم فتوى: فالأكثر عائشة أم المؤمنين وعمر بن الخطاب وابنه عبدالله وعلي بن أبي طالب وعبدالله بن عبَّاس وعبدالله بن مسعود وزيد بن ثابت، ويليهم أم سلمة وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعثمان بن عفان وعبدالله بن عمرو بن العاص وعبدالله بن الزبير وأبو موسى الأشعري وسعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وجابر بن عبدالله ومعاذ بن جبل وأبو بكر الصديق ♥، وذكر آخرين أقل فتيا منهم، لكنه لم يقل: إنهم كانوا يفتون في عهد النَّبي صلعم .
          قوله: (جَلْدٌ مِائَةً) بتنوين (جلد) ونصب (مائة) على التمييز قال القاضي: هذه رواية الجمهور، وروي: (جَلْدُ مِائَةٍ) بالإضافة مع إثبات الهاء واستبعدا، إلا أن ينصب (مائةً) على التمييز، أو يضم المضاف، أي: عدد مائة، أو تمام مائة، أو يكون جلده جلد مائة.
          تنبيه: لم يسأله في هذا الحديث عن كيفية الزنا؛ لأنَّه مبين في قصَّة ماعز، وهذا صحيح إنْ ثبت تأخر هذه الواقعة عن قصة ماعز، فيحمل على أن الابن كان منكرًا، وعلى أنَّه اعترف، وإلا؛ فإقرار الأب عليه غير مقبول، ويحتمل أن يكون هذا إفتاء، أي: إن كان كذا فكذا.
          قوله: (وَتَغْرِيبُ (2) عَامٍ) هو حجَّة على أبي حنيفة في إنكاره التغريب؛ لأنَّه ليس مذكورًا في القرآن، والزيادة على النص نسخ، وهو بخبر الواحد عن جابر.
          وفيه إثبات الرجم، ولا خلاف فيه ولا غيره ممّا يحل عن الخوارج (3)، فقد خالفوا السنن.
          قوله: (وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ) لرجل قاعد هو تصغير أنس، قال ابن عبد البَرِّ: هو ابن مرثَد بفتح المثلَّثة الغنوي بغين معجمة ونون مفتوحتين، قال: وقد يقال: هو أنيس بن الضحاك الأسلمي، قال ابن الأثير: الثاني أشبه بالصحة؛ لأنَّ الناقلين لأحكامه صلعم ذكروا أنَّه كان يقصد أن لا يؤمَّر في القبيلة إلا رجلًا منهم لنفورهم من حكم غيرهم، وكانت المرأة أسلمية، وقد روى مالك: وأمر أنيسًا الأسلمي أن يأتي / امرأته فإن اعترفت فليرجمها، وقال الداوودي: أنيس اسم رجل، وقال غيره: هو تصغير أنس بن مالك خادم رسول الله صلعم ذكره ابن التين، وقد جاء في رواية: ((واغد يا أنيس)) لرجل من أسلم.
          قوله: (فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا) أي: بعد أن اعترفت كما هو مصرَّح به في موضع آخر، هكذا قالوا، وبعث أنيس محمول على إيراده إعلامها، فإن أبا العسيف قذفها بابنه، فيعرِّفها أنَّ لها عنده حدَّ القذف لتطالبه به أو تعفو عنه، أو تعترف بالزنا، فإن اعترفت يرجمها؛ لأنَّها كانت محصنة.
          وفي الحديث أنَّ الصلح الفاسد منتقض، وأنَّ المقبوض بحكم عقد فاسد مسترد (4)، وتقدَّم أن فيه جواز الإفتاء في زمن الشارع استفتاء (5) المفضول، وفي قوله صلعم : (فَإن اعتَرَفَت فَارْجُمْهَا) جواز الوكالة في إقامة الحد، وقد ترجم عليه البخاري هناك.
          وفيه سقوط الجلد مع الرجم في حقِّ المحصَن، خلافًا لمسروق وأهل الظاهر في إيجابهم الجمع بينهما؛ إذ لو كان واجبًا لما اقتصر على قوله: (فَارْجُمْهَا).
          وفيه أنَّ الاعتراف بالزنا مرَّة يكفي، ولا يحتاج إلى تعدُّد الاعتراف، وبه قال مالك والشافعي، وقال ابن أبي ليلى وأحمد: لا بُدَّ من الاعتراف أربع مرات، زاد أبو حنيفة: في أربعة مجالس، وليس فيه الحفر للمرأة المرجومة، وقال الشافعي وأشهب: يُحفر لها، وقال مالك وأبو حنيفة: لا يحفر لها، واستنبط ابن التين منه جواز الحكم بالعلم؛ لأنَّه لم يقل لأنيس خذ معك أحدًا، وفيه نظر، فليس هذا حكم بالعلم، بل بالاعتراف، وقد روي في بعض طرقه هذا أنيس ورجلان معه.
          وفيه أنَّ على الإمام أن يبعث إلى من قُذِف عنده ليعرِّفه أنَّ له حقًا، وقد بوَّب عليه البخاري إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنا عند الحاكم والناس هل على الحاكم أن يبعث إليها فيسألها عمَّا رُميت به؟


[1] في الأصل:((وتعزير)) .
[2] في الأصل:((تعزير)).
[3] كذا في الأصل والمثبت أقرب المذكور للأصل.
[4] كلمة غير مفهومة في الأصل.
[5] كذا في الأصل ولعلها:((باستفتاء)).