التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش

          2488- قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحَكَمِ الأَنْصَارِيُّ) يعني المروزي الملجكاني من بعض قرى مرو روى عنه البخاري، وقال: مات سنة ست وعشرين ومائتين، روى النَّسائي عن رجل عنه.
          قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) هو الوضَّاح بضاد معجمة وحاء مهملة ابن عبدالله اليشكري مولى يزيد بن عطاء، ويقال له: الكندي الواسطي، مات سنة ست وسبعين ومائة.
          قوله: (عَنْ عَبَايَةَ) بفتح العين المهملة والباء الموحَّدة / (بْنِ رِفَاعَةَ) بكسر الراء وفتح الفاء وعين مهملة.
          قوله: (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلعم بِذِي الحُلَيْفَةِ) قال الحازمي في كتابه «المؤتلف والمختلف»: هو مكان من تهامة بين جادة وذات عرق، وليست بذي الحليفة التي هي ميقات أهل المدينة، لكنه قال: بدون لفظ ذي، والذي هو في الصَّحيحين بلفظ ذي مكانه يقال بالوجهين، ووقع للقابسي أنَّها المهلَّ الذي بقرب المدينة، وقاله النَّووي أيضًا، وما ذكرناه يرد عليهما، وكانت هذه الغزوة سنة ثمان من الهجرة كما نبَّه عليه ابن التين.
          قوله: (فَأَصَابُوا إِبِلًا وَغَنَمًا) لا واحد لهما من لفظهما، وإنَّما واحد الإبل: جمل، والأنثى: ناقة، وواحد الغنم: كبش وشاة.
          قوله: (وَكَانَ النَّبِيُّ صلعم فِي أُخْرَيَاتِ القَوْمِ) أي: في آخرهم.
          قوله: (فَعَجِلُوا) بكسر الجيم.
          قوله: (فَأَمَرَ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ) أي: قلبت وأميلت وأريق ما فيها، يقال: كفأت الإناء وأكفأته أي: أملته.
          قيل: إنَّما أمر بالإكفاء؛ لأنَّهم ذبحوا الغنم قبل أن تقسم، ولم يكن لهم ذلك، فكان سبيله سبيل النهبى.
          وقِيلَ: لأنَّهم كانوا قد انتهوا إلى دار الإسلام، والمحل الذي لا يجوز الأكل فيه من مال القسمة المشتركة، فإن الأكل منها قبل القسمة إنَّما يباح في دار الحرب. وقال المهلب: إنَّما أمر به عقوبة لهم لتركهم رسول الله صلعم في أخريات القوم معرَّضًا لمن يقصده من عدو ونحوه.
          قال الكرماني: فإن قلت: كيف يجوز تضييع المال؟ قلت: لعلهم ردوا اللحم إلى المغنم.
          قوله: (فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الغَنَمِ بِبَعِيرٍ) (عَدَلَ) بتخفيف الدال المهملة بمعنى سوَّى، قال في «الصحاح»: التعديل: التقويم، وعدلت الشيء بالشيء: قومته به، وتعديل العشرة بالبعير محمول على أنَّه كان يحسب قيمتها يومئذ، ولا يخالف قاعدة الأضحية من إقامة بعير مقام سبع شياه؛ لأنَّ هذا هو الغالب من قيمة الشياه والإبل المعتدلة، وكانت الإبل إذ ذاك نفيسة دون الغنم بحيث كانت قيمة البعير منها عشر شياه.
          قوله: (فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ) أي: شرد وهرب وذهب على وجهه.
          قوله: (فَأَهْوَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ) أي: قصده بسهم، يقال: أهوى بيده إلى الشيء ليأخذه وهوى نحوه إذا مال إليه، قال الأصمعي: أهويت بالشيء إذا أومأت إليه.
          قوله: (إِنَّ لِهَذِهِ الإبل أَوَابِدَ) جمع آبدة، أي: النافرة، وتأبَّد أي: توحَّش وانقطع عن الموضع الذي / كان فيه، وسُمِّيَت أوابد الوحش بذلك لانقطاعها عن الناس، والأوابد بالمد وكسر الموحَّدة المخفَّفة، ويقال: تأبَّد الرجل إذا انقطع عن الموضع الذي يكون فيه.
          قال الفرَّاء: والأوابد مأخوذة من الأبد، وهو الدهر لطول بقائها، وقال أبو عبيد: أخذت من: تأبدت الدار تأبدًا إذا خلا منها أهلها، ويؤخذ من الحديث: أنَّ الأنسي إذا توحشَّت كانت ذكاته كذكاة الوحشيِّ (1)، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
          قوله: (فَقَالَ جَدِّي إِنَّا نَرْجُو أَوْ نَخَافُ) نرجو بمعنى: نخاف، وقوله: (أَوْ نَخَافُ) شكٌّ من الراوي، والغرض من ذكر لقاء العدو عند السؤال عن الذبح بالقصب أنَّا لو استعملنا السيوف في المذابح لكلَّت عند اللقاء، فتعجز عن المقابلة بها.
          قوله: (وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى) بضم الميم جمع مدية بالضم وبالكسر، وهي السكين ككلية وكلى.
          قوله: (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ) أي: أساله وأجراه كما يجري الماء في النهر، وأنهرت الطعنة أي: وسعتها، وكلمة (مَا) شرطيَّة أو موصولة، والحكم في اشتراط الإنهار التنبيه على تحريم الميتة (2) منها، وروي: ((أنهز)) بالزاي، والنهز: الدفع، حكاه القاضي، وهو غريب قاله الزركشي، وعبارة «المشارق»: ما أنهر الدم أي: أساله وصبه مرة كصب النهر كذا الرواية فيه في الإنهار، ووقع للأصيلي في كتاب الصيد: <نهر>، وليس بشيء، والصواب بالعبرة: أنهر في سائر المواضع، وجاء في باب إذا ندَّ بعيرٌ: ((نهر أو أنهر)) على الشك. انتهى فما حكاه الزركشي ليس كما في «مشارقه».
          قوله: (لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ) (لَيْسَ) هنا للاستثناء بمعنى: إلا، وما بعدها بالنصب على الاستثناء، وفي رواية: ((ما خلا السن والظفر))، ويدخل في السنِّ والظفر ما للآدمي وغيره من الحيوانات ويلتحق به سائر العظام من كل الحيوان وكل ما صدق عليه اسم العظم، فلا تجوز الذكاة بشيء منها، وجوَّزه أبو حنيفة بالسن والعظم المنفصلين، قال النَّووي: وإنَّما لا يجوز بالعظم؛ لأنَّه يتنجس بالدم، وهو زاد إخواننا من الجن، ولهذا نُهيَ عن الاستنجاء بالعظام.
          قلت: ولا يخرج من الأسنان والعظام عن منع الذكاة فيه إلا سن الجارح وظفره إذا قتل به الصيد، فإنَّه يحل. والله أعلم.
          قوله: (وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ) أي: سأبيِّن لكم العلَّة في ذلك، ثمَّ قال: (أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ) وهذا يدلَّ على أن النهي / عن الذكاة بالعظم كان متقدِّمًا، فأحال لهذا القول على معلوم قد سبق، وقِيلَ: المعنى: إن العظم غالبًا لا يقطع، إنَّما يجرح ويدمي، فيزهق النفس من غير أن يُتَيَقَّن الذكاة فلهذا نُهِيَ عنه قاله التيمي.
          وقال البيضاوي: هو قياس حذف عنه المقدمة الثانية لظهورها عندهم، وهي أنَّ كلَّ عظم لا تحلُّ الذكاة به انتهى.
          وقال بعض علمائنا: إنَّ (3) علَّته تعبدية، وإنَّ للشارع التعبدية كما أنَّ له الأحكام التعبديَّة.
          قوله: (وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الحَبَشَةِ) قال الخطَّابي: ظاهره يوهم أنَّ مُدى الحبشة لا تقع بها الذكاة، ولا خلاف أنَّ مسلمًا لو ذكى بمدية حبشي كافر جاز فمعنى الكلام: إن أهل الحبشة يدمون مذابح الشاة بأظفارهم حتَّى تزهق النفس خنقًا وتعذيبًا، ويحلونها محل الذكاة فلذلك ضرب المثل بهم.
          قوله: (أَفَنَذْبَحُ بِالقَصَبِ؟) وفي مسلم: (بالليط) بلام مكسورة ثمَّ مثنَّاة من تحت ساكنة ثمَّ طاء مهملة، وهي قطع القصب قاله القرطبي، وقال النَّووي: قشوره، الواحدة: ليطة، وفي أبي داود: (أفنذكي بالبروة؟) ولعلهما قيلا فأجابهما بجواب جامع لما سألوا عنه ولغيره نفيًا وإثباتًا، فقال: (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ) إلى آخره.


[1] في الأصل كلمة غير واضحة تحتمل((كالعكس)) و((بالعكس)).
[2] في الأصل كلمة غير مفهومة.
[3] في الأصل:((إنه)).