التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: كان النبي إذا قام من الليل يتهجد

          1120- قوله: (أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) كَذا في أصل الدِّمياطي، وفي بعضها بحذف أنت، وفيه لغتان (1): قيَّام وقيُّومٌ وقيِّم، قال الهَرَوي، ويُقال قوَّام، قال مجاهد وأبو عبيد وقتادة: هو القائم على كلِّ شيء؛ أي يدبِّر أمرَ خلقه، وقال ابن عباس: هو الَّذي لا يزول، وقَرَأ علقمة▬الحيُّ القَيِّم↨[البقرة:255] وقرأ عمر ▬القيَّام↨.
          قوله: (أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ) / أي منوِّرهنَّ؛ أي بنورك يهتدي مَن في السماوات والأرض قاله ابن بطال، وَعن ابن عباس معناه: هادي أهلها، وَقال ابن عرفة: نور السماوات والأرض أي منيرهما، وقيل: المنزَّه فيهما مِن كلِّ عيب والمبرِّأ مِن كلِّ ريبة، وقيل: إنَّه اسم مدح يُقال: فلانٌ نور البلد وشمس الزَّمان، ويُقال: أيضًا امرأة منوَّرة أي مبرَّأة مِن كلِّ عيب ومِن كلِّ ريبة.
          قوله: (أَنْتَ الحَقُّ) هو اسم مِن أسمائه، ومعناه المتحقِّق وجوده، وكلٌّ شيء صحَّ وجوده وتحقَّق فهو حقٌّ، والحقُّ تعالى أوجب الوجود مِن حقَّ الشيء إذا ثبت ووجب، وهذا الوصف لله تعالى بالحقيقة والخصوصية، إذ وجوده بنفسه فَلا يسبقه عدم ولا يلحقه عدم، وما عداه بخلاف ذلك، ولهذا المعنى كان أصدق كلمة قالها الشَّاعر كلمة لبيد:
ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطل.
          وأمَّا إطلاق اسم الحقِّ على ما بعده مِن اللِّقاء والسَّاعة والوعد فلأنَّه لا بدَّ مِن كونها وأنَّها ممَّا يجب أن يُصدَّق بها، وعبَّر فيها بالحقِّ تأكيدًا لها وتفخيمًا.
          قوله: (وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ) أي البعث، وقيل: الموت، وفيه ضعف لأنَّه لم يختلف في وقوعه ولم ينكر بخلاف البعث عند مِن لا يعتقده.
          قوله: (وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ) أُعيد ذكره بخصوصيته كما قال: {وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}[البقرة:98]بعد ذكره الملائكة.
          قوله: (اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ) أي استسلمتُ وانقدتُ لأمرك ونهيكَ وسلمتُ ورضيتُ وأطعتُ، مِن قولهم: أسلم فلان لفلان إذا انقادَ لهُ.
          قوله: (وَبِكَ آمَنْتُ) أي صدَّقتُ بك وبما أنزلت، وظاهره أنَّ الإيمان ليس بحقيقة وفي (2) الإسلام، وإنَّما الإيمان التَّصديق، وقال القاضي أبو بكر: الإيمان المعرفة بالله، والأوَّل أشهر في كلام العرب، قال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا}[يوسف:17] أي بمصدِّق، إلَّا أنَّ الإسلام إذا كان بمعنى الانقياد والطَّاعة فقد ينقاد المتخلِّق بالإيمان فيكون مؤمنًا مسلمًا، وقد ينقاد بغير الإيمان فيكون مسلمًا لا مؤمنًا، قال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}[الحجرات:14] فأثبت لهم الإسلام ونفى عنهم الإيمان، فتقرَّر أنَّ ما أُثبت غير ما نُفي، ومَن قال الأيمان هو الإسلام فهو راجع إلى ذلك.
          قوله: (وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ) أي تبَّرأت مِن الحول والقوَّة وصرفت أمري إليك وأيقنت أنَّه لن يصيبني إلَّا ما كتبتَ لي، قَالَ الفرَّاء: والْوَكِيلُ الكافي.
          قوله: (وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ) أي أطعتُ أمرك، والمنيبُ الطَّائع المقبل بقلبه إلى الربِّ جلَّ جلاله، أي أنا راجع إليك في تدبير ما فوَّضتُ إليك أو إلى عبادتك.
          قوله: (وَبِكَ / خَاصَمْتُ) أي بما آتيتني مِن البراهين، احتججت على مَن عاند فيك وكفر، وقمعتُه بالحجَّة، وسواء خاصم فيه بلسانه أو بسيفه.
          قوله: (وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ) يعني: إليكَ احتكمت مع كلِّ مَن أبى قبول الحقِّ والإيمان، لا غيرَكَ ممَّا كانت الجاهلية تحاكم إليه مِن صنم وكاهن وغير ذلك، فأنت الحكمُ بيني وبين مَن خالف ما جئت به، وكان ◙ يقول عند القتال: ((اللهمَّ أنزل الحقَّ)) ويستنصر. وقيل: ظاهره: لا يحاكمهم إلَّا الله ولا يرضى إلَّا بحكمه.
          قوله: (فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ) إلى آخره، هذا مِن باب التواضع والخضوع والإشفاق والإجلال، فإنَّه مغفور له ذلك، وليقتدي به في أصلِ الدُّعاء والخضوع والإشفاق والإجلال فإنه مغفورٌ له ذلك وليُقتدى في أصل الدعاء والخشوع وحُسن التَّضرُّع وَالرغَّب والرَّهب.
          قوله: (أَنْتَ المُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ) أي: أنت الأوَّل والآخر، قاله ابن التين، وقال ابن بطَّال: يعني: أنَّه قدَّم في البعث إلى النَّاس على غيره_◙ _ بقوله: ((نحن الآخرون السَّابقون)) ثمَّ قدَّمه عليهم في الأجر بالشَّفاعة فسبق بذلك الرسل.
          قوله: (وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) أي: لا أستطيع تحوُّلًا ولا تصرُّفًا بنيِّة ولا فعلٍ ولا قولٍ إلَّا بقوتك الَّتي جَعلتَ فيَّ، أو لا حول ولا قوة لي في شيء إلَّا مِن قوتك.


[1] كذا في الأصل.
[2] كذا في الأصل.