التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد

          1040- قوله: (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ) هو بهاء في آخره، واسمه نُفيع بضم النون وبالفاء وياء التَّصغير، ابن الحارث الثَّقفي، وكُنِّي بأبي بكرة لأنَّه تدلَّى مِن حِصن الطَّائف إلى النَّبيِّ صلعم في بكرة، وَهذا الحديث مِن مراسيل الحسن عن أبي بكرة، فإنَّ الحسن يَروي عَن الأحنف عن أبي بكرة، وهنا لم يذكر الأحنف. قاله أبو الحسن الدارقطني.
          قوله: (فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ) كذا هو بالكاف، وقد رواه جماعة مِن الصحابة بذلك، وآخرون بخاء وهما بمعنى واحد كما قدَّمناه وهو تغيُّرهما ونقصان ضوئهما، ومَن أنكر انكسفت وصوَّب كسفت فقد غلط، والحديث مصرِّح به في مواضع.
          واعلمْ أنَّ في الكسوف فوائد أبداها ابْن الجوزي: ظهور التصرف بالشمس والقمر، وتبيُّن قبح شأن مَن يعبدهما، وإزعاج القلوب السَّاكنة للغفلة عن سكن الذُّهول، وليرى النَّاس أنموذج ما سيجري في القيامة مِن قوله: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}[القيامة:8-9] وأنَّهما يوجدان على حال الكمال فيركسان ثمَّ يُلطَف بهما فيُعادان إلى ما كانا عليه فيُشار بذلك إلى خوف المكر ورجاء العفو، وأن يعقل بها صورة عقاب مَن لا ذنب له، وأنَّ الصلوات المفروضات عند كثير مِن الخلق عادة لا انزعاج لهم فيها ولا وجود هيبة، فأُتي بهذه الآية وسُنَّت لها الصلاة ليفعلوا صلاة على انزعاج وهيبة.
          قوله: (فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ) يدلُّ لمن قال: إنَّ صلاة الكسوف ركعتان كصلاة النافلة، فإنَّ إطلاقه في الحديث يقتضي ذلك، وفي رواية في هذا الحديث: ((كصلاتكم)) أو ((مثل صلاتكم)) وكذا قوله: ((كأخفِّ صلاة صليتموها في المكتوبة)) وفي أخرى ((كما حُدَّت صلاة الصبح)) وهي ركعتان، وهو ممَّا اقتضى كلام أصحابنا أنَّه لو صلَّاها كصَلاة سنَّة الظُّهر ونحوها صحَّت صلاته، وكان تاركًا للأفضل، وصرَّح به الجُرجاني في «تحريره»، وَخالف القاضي حسين على مَا نقله محكيٌّ عنه.