التلويح شرح الجامع الصحيح

حديث: إن خياطًا دعا رسول الله لطعام صنعه

          2092- حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ: أخبرنا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الله، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: «إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ الله صلعم لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنَسُ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلعم إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ الله صلعم مَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيِ القَصْعَةِ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ» [خ¦2092].
          وفي لفظ: «جعلتُ ألقيهِ إليه».
          قال الخطابي: فيه جواز الإجارة على الخياطة ردًّا على من أبطلها، بعلَّةِ أنها ليست بأعيان مرئية ولا صفات معلومة، وفي صنعة الخياطة معنى ليس في سائر ما ذكره البخاري من ذكر القين والصائغ والنجار؛ لأن هؤلاء الصناع إنما تكون منهم الصنعة المحضة فيما يستصنعه صاحب الحديد والخشب والذهب والفضة، وهي أمور من صنعة توقف على حدها / ولا يخلط بها غيرها.
          والخياط إنما يخيط الثوب في الأغلب بخيوط من عنده، فيجمع إلى الصنعة الآلة، واحد منهما معناه التجارة والآخر الإجارة، وحصة أحدهما لا تتميز من الأخرى، وكذلك هذا في الخرَّاز والصبَّاغ إذا كان يخرز بخيوطه، ويصبغ هذا بصبغه على العادة المعتادة فيما بين الصناع، وجميع ذلك فاسد في القياس، إلا أن النبي صلعم وجدهم على هذه العادة أول زمن الشريعة فلم يغيرها، إذ لو طولبوا بغيرها لشق عليهم، فصار بمعزل من موضع القياس، والعمل به ماض صحيح لما فيه من الإرفاق.
          وفيه دلالة على تواضعه صلعم إذ أجاب دعوةَ الخياط وشبهِه، وقد اختلف في إجابة الدعوة: فمنهم من أوجبها، ومنهم من قال: هي سنة، ومنهم من قال: هي مندوب إليهم.
          والدُّبَّاءُ: ذكره ابن ولَّاد في «المضموم الممدود»، فقال: الدباء بالضم والتشديد، وهو القرع، واحدته دباءة، وذكره ابن سيده في «الممدود الذي ليس له مقصور من لفظه».
          وفي «النبات» لأبي حنيفة: الدباء: هي اليقطين ينفرش ولا ينهض، كجنس البطيخ والقثاء، وقد روي عن ابن عباس أنه قال: «كل ورقة اتسعت ورقَّت فهي يقطين».
          وفي «الجامع» للقزَّاز: الدُّبا، بالقصر لغة في القرع.
          وفي «شرح المهذب»: هو القرع اليابس.
          وأما قول القرطبي: حكى ابن سراج فيه القصر، وليس معروفًا؛ غير جيد؛ لما ذكره القزاز.
          وعند الإسماعيلي: الخبز الذي جاء به الخياط يومئذ كان من شعير.
          وقال الداودي: فيه دليل أنه صنع بذلك المرق والخبز ثريدًا لقوله: «من حوالي القصعة».
          قال القرطبي: إنما تتبَّعه من حوالي القصعة؛ لأن الطعام كان مختلفًا، فكان يأكل ما يعجبه منه / ، وهو الدباء، ويترك ما لا يعجبه وهو القديد.
          وإلقاء أنس له صلعم الدُّبَّاء دليل على جواز مناولة بعض المجتمعين لبعض من الطعام شيئًا، ولا نكير على من فعل ذلك، والمكروه هو أن يتناول شيئًا من أمام غيره، أو يتناول من مائدة أخرى، فقد كرهه ابن المبارك، وسيأتي ذكر هذا أيضًا في كتاب الأطعمة.
          الأبواب التي بعده تقدم ذكرها.