التلويح شرح الجامع الصحيح

حديث: اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك

          1253- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الله: حدَّثني مَالِكٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلعم حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا _أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ_ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ وَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ. يَعْنِي إِزَارَهُ [خ¦1253].
          وفي لفظ / «قال أيوب: وحدثتني حفصة بمثل حديث محمد، وكان في حديثها: اغسِلْنها وترًا، ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أكثر من ذلك إن رأيتُنَّ، وابدؤوا بميامنها، ومواضع الوضوء، قالت أم عطية: ومشطناها ثلاثة قرون، نقضنه ثم غسلنه، فألقيناها خلفها».
          وفي لفظ لمسلم: «لما ماتت زينب بنت رسول الله صلعم...» الحديث.
          قال ابن عبد البر: كانت وفاتها سنة ثمان، قال: وروت حفصة هذا الخبر عن أم عطية بأكمل لفظ وهو أصل السنة في غسل الموتى، ليس يروى عن النبي صلعم في غسل الميت حديث أعمَّ منه ولا أصح، وعليه عوَّل العلماء في ذلك، وهو أصلهم في هذا الباب.
          وزعم بعضهم أن هذه المتوفاة أم كلثوم، يعني المتوفاة سنة تسع، وفيه نظر لما أسلفناه.
          وقال القرطبي: لا خلاف أن غسل الميت مشروع ومعمول به في الشريعة، لكن اختلفوا في حكمه، فقيل الوجوب، وقيل: سنة مؤكدة، والقولان عندنا.
          وقال في «شرح المهذب»: هو بإجماع المسلمين فرض كفاية.
          ثم إذا أرادوا غسله وضعوه على سريره عرضًا كالقبر، وهو قول أبي حنيفة على شقه الأيمن، وقيل: كما تيسر باعتبار ضيق المكان وسعته، وعند غيرهم: يوضع مستقبل القبلة كما في صلاة المريض بالإيماء.
          والواجب في الغسل مرة واحدة عامة لسائر البدن، والثلاث مأمور به ندبًا، وعند أبي حنيفة: سنة، فإن حصل به الإنقاء بثلاث لم تشرع الزيادة، إلا ابن حزم فإنه قال: الثلاثة فرض.
          قال أبو عمر: ولا أعلم أحدًا قال بمجاوزة سبع غسلات في غسل الميت.
          وذهب أبو حنيفة: أن بعد الثلاث إن خرج منه شيء غسل ذلك الموضع وحده، ولا يعاد غسله، وإلى هذا ذهب المزني وأكثر أصحاب مالك، وقال ابن القاسم: إن رضي فحسن، وإنما هو الغسل، وقال الشافعي: يعاد غسله، وقال أحمد: يعاد إلى سبع ولا يزاد عليها، فإن خرج منه شيء بعد ما كفِّن رفع ولم يلتفت إلى ذلك، وهو قول إسحاق.
          قال ابن المنذر: السنة الغسل بالماء والسدر غسلًا، ولا معنى لطرح ورقات من السدر في الماء، كما تفعل العامة، وأنكرها أحمد ولم تعجبه، والجمهور على أن الغسلة الأولى تكون بالماء، والثانية بالماء والسدر، والثالثة بماء فيه كافور.
          وعن ابن سيرين أنه كان / يأخذ الغسل عن أم عطية، فيغسل بالماء والسدر مرتين، والثالثة بالماء والكافور.
          ومنهم من ذهب إلى أن الغسلات كلها بالماء والسدر مرتين والثالثة، وهو قول أحمد مستدلًا بحديث أم عطية: «بماء وسدر»، وبغيره من الأحاديث، ولما غسَّلوا النبيَّ صلعم غسلوه ثلاث غسلات كلهُنَّ بالماء والسدر، ذكره أبو عمر.
          قال: ومنهم من يجعل الأولى بالماء والسدر، والثانية بالماء القَراح، والثالثة بالكافور، وأعلم التابعين بالغسل ابن سيرين ثم أيوب بعده.
          وعن بعض الشافعية: لا يعتدُّ بالغسل بالماء والسدر من الثلاث.
          وعن بعضهم: إذا غسِّل بعد ذلك بالماء القراح وزال منه أثر السدر أو الخطمي ففي الاعتداد بهذه الغسلة وجهًان: أحدهما تحسب من الثلاث، والثاني لا تحسب.
          وشرع الكافور لتطييب الرائحة، وتصليب البدن وتبريده، وقيل: شرع لأجل الملائكة صلَّى الله عليهم وسلم.
          وقال أبو حنيفة: لا يستحب، وبه قال إبراهيم، وإنما الكافور عنده في الحنوط، لا في شيءٍ من الماء، كذا ذكره غير واحد، وخطَّأَ ذلك السروجي.
          وأما إنكار النووي على صاحب «المهذب» قوله: «لما روت أم سُلَيم أن النبي صلعم قال: فإذا كان في آخر غسلة من الثلاث أو غيرها فاجعلي فيه شيئًا من كافور»، قال: والمشهور في كتب الحديث أن هذا من رواية أم عطية لا أم سُلَيم، وقد بحثت عنه فلم أجده عن أم سُلَيم، ولعله جاء في رواية غريبة عنها. فغير جيد؛ لأن حديث أم سُلَيم رواه أبو القاسم الطبراني من طرق منها، قال: حدَّثنا أبو زُرْعة الدمشقي: حدَّثنا آدم: حدَّثنا شَيبان، وحدثنا الحسين بن إسحاق التُّستَري: حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة، وحدثنا الحسن بن موسى الأشيب: حدَّثنا شَيبان، عن ليث، عن عبد الملك بن أبي بشير، عن حفصة بنت سيرين، عن أم سُلَيم أم أنس بن مالك قالت: قال رسول الله صلعم: فذكرته مطولًا.
          وهو سند حسن، ولولا ما تكلَّم به في ليث لكان صحيحًا، وقد أشار إليه الترمذي والطوسي لمَّا ذكرا حديث أمِّ عطية، ولما ذكره ابن أبي حاتم في كتاب «العلل» مطولًا قال: قال أبي: هذا حديث كأنه باطل، يشبه أن يكون كلام ابن سيرين.
          قال أبو محمد: ليس لأم سُليم عن النبي صلعم في غسل الميت شيء، والحديث عن أم عطية / .
          والحَقو والحِقو والحَقوة والحِقاء كله الإزار، كأنه سُمِّي بما يلاث عليه، والجمع أَحْق وأحْقاء وحقِي وحِقاء، ذكره ابن سيده.
          وأخذ الحسن والثوري والشعبي من هذا الحديث أن النساء أحق بغسل المرأة من زوجها، وأنه لا يغسلها إلا عند عدمهنَّ، وإليه ذهب أبو حنيفة، وأكثر العلماء على جواز ذلك، وأجمعوا على غسل الزوجة زوجَها لأنها في عدته.
          وقول البخاري في الباب بعد هذا: حَدَّثَنَا محمد: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ. نسب ابنُ السكن محمدًا هذا: ابن سلام.