التلويح شرح الجامع الصحيح

حديث: أقنت النبي في الصبح؟قال: نعم

          1001- حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، سُئِلَ أَنَسُ: «أَقَنَتَ النَّبِيُّ صلعم فِي الصُّبْحِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيْلَ لَهُ: قَبْلَ الرُّكُوعِ؟ قَالَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا» [خ¦1001].
          وفي حديث عَاصِمٍ: «قُلْتُ: قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ، قلت: فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ / أَنَّكَ قُلْتَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ، قَالَ: كَذَبَ، إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللهِ صلعم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، أُرَاهُ كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُم القُرَّاءُ، زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا، إِلَى قَوْمٍ مِنَ المُشْرِكِينَ دَونَ أُولَئِكَ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلعم عَهْدٌ، فَقَنَتَ رَسُولُ اللهِ صلعم شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ» [خ¦1002].
          وفي لفظٍ: «يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ» [خ¦1003].
          وفي لفظٍ: «كَانَ القُنُوتُ فِي الفَجْرِ وَالمَغْرِبِ» [خ¦1004].
          وفي لفظٍ: «دَعَا عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ ثَلاثِينَ غَدَاةً، علَى رِعْلٍ، وذَكْوَانَ، وَبني لِحْيَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ».
          قال أنس: فنزلَ فيهم قُرْآن قَرَأْنَاهُ حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ: بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ [خ¦2814].
          وفي لفظٍ: «بعثَ قومًا منْ سُلَيْمٍ إلى بني عَامرٍ» وفيه: «قال لهم خالي _يعني حَرَام بن مِلْحَان_: أَتَقَدَّمُكُمْ فَإِنْ أَمَّنُونِي حَتَّى أُبَلِّغَهُمْ عَنِ النبيِّ صلعم، وَإِلَّا كُنْتُمْ مِنِّي قَرِيبًا، فَبَيْنَا هو يُحَدِّثُهُمْ عَنِ النبيِّ صلعم إِذْ أَوْمَؤُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَطَعَنَهُ، فَأَنْفَذَهُ، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، ثُمَّ مَالُوا عَلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلُوهُمْ إِلَّا رَجُلًا أَعْرَجَ صَعِدَ الجَبَلَ، فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ، بِأَنَّهُمْ لَقُوا رَبَّهُمْ، فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا» [خ¦2801].
          وفي لفظٍ: «اللَّهمَّ بلِّغ عنَّا نَبيَّنا أنَّا قد لقيناهُم فرضِينَا عنك ورضيتَ عنَّا».
          وفي لفظٍ: «قالَ حرامٌ بالدمِ كذا، فَنَضَحَهُ على وَجْهِهِ ورأسِهِ» [خ¦4092].
          وعند أبي داود: قال محمد بن سيرين: حَدَّثَنِي من صلَّى مع النبي صلعم صلاة الغداة، فلما رفع رأسه من الركعة الثانية قام هُنَيَّة.
          وفي لفظٍ عن أنس بن سيرين عنه: «أنَّ النبيَّ صلعم قَنَتَ شَهْرًا ثُمَّ تَرَكَهُ».
          وعِنْدَ السَّرَّاجِ: حَدَّثَنا سوار بن عبد الله: حَدَّثَنا المعتمر، سمعت حميدًا يحدِّث عن أنس: «فَدَعَا النبيُّ صلعم على قَتَلَةِ القُرَّاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا» وقال: هذا لفظ حديث المعتمر، ورواه إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، عن حميدٍ: «فدعا النبيُّ صلعم عليهم أيَّامًا».
          وذكر في «مسنده» عن ابن عباس أن مبدأ القنوت كان لما قُتل القرَّاء، وذكر دعاءه على الكفار عن أبي هريرة وابن عمر، وفي «المصنف» وسعيد بن زيد وخُفَاف بن إيماء بن رَحَضة / ، وعبد الرحمن بن أبي بكر عند الطحاوي، وعند البيهقي: «دَعَا عَلَيْهِم خَمْسَ عَشْرَةَ». وسيأتي في الجهاد إن شاء الله تعالى.
          وقوله: (دُوْنَ أُولَئِكَ) يعني أن عدد المبعوثين دون عدد المشركين.
          وعند الطرقي: قنت بعد الركوع يسيرًا، قال الطرقي: أراد يسيرًا من الزمان لا يسيرًا من القنوت، لأن أدنى القيام يسمى قنوتًا، فاستحال أن يوصف بالحقارة.
          وعند ابن ماجه: وسئل عن القنوت في صلاة الصبح، فقال: «كُنَّا نَقْنُتُ قبلَ الرُّكوعِ وبعدَهُ».
          وروينا في «مُسْنَدِ السَّرَّاجِ»: حَدَّثَنا داود بنُ رُشَيْدٍ: حَدَّثَنا حسَّان بن إبراهيم، عن أبي حمزة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود قال: «ما قَنَتَ نبيُّ اللهِ صلعم قَطُّ في صلاةِ الغَدَاةِ إلا ثلاثينَ ليلةً، يدعو على فَخْذٍ مِنْ بني سُلَيْمٍ، ثم تركَهُ بعد».
          وفي كتاب «القنوت» لأبي القاسم بن منده من حديث أنس: «دعا على قَتَلَةِ القرَّاءِ تسعًا وعشرين ليلةً». ومن حديث الغزِّي: حَدَّثَنا شيبان: حَدَّثَنا غالب بن فرقد، كنت عند ابن سيرين: فلم يقنت في صلاة الغداة.
          وفي لفظٍ: «لم يقنتِ النبيُّ صلعم إلا شهرًا واحدًا حَتَّى ماتَ».
          واختلف العلماء في القنوت: فعن أبي حنيفة أنه واجبٌ، وفي «المبسوط» هو سنةٌ، وإليه ذهب الشافعي وغيره.
          وقال ابن التين: هو مستحب ليس سنةً، ومَن نسيه لم يسجد للسهو، وقال سحنون: هو سنةٌ، وفيه السهو في القياس، قاله الحسن وغيره، وحكاه ابن أبي شيبة عن حمادٍ.
          وقال علي بن زياد: من تركه متعمدًا فسدت صلاته.
          واختلف العلماء هل هو قبل الركوع أو بعده:
          فمذهب أبي حنيفة: أنه قبل الركوع، وحكاه ابن المنذر، عن عمر، وابن عباس، وعلي، وابن مسعود، وأبي موسى الأشعري، والبراء بن عازب، وابن عمر، وأنس، وعمر بن عبد العزيز، وعَبِيْدَةَ السَّلماني، وحميد الطويل، وابن أبي ليلى، وبه قال مالك، وإسحاق، وابن المبارك.
          وصحيح مذهب الشافعي: بعد الركوع، وحكاه ابن المنذر، عن أبي بكر الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي في قول، وحكى أيضًا التخيير قبل الركوع وبعده، عن أنس، وأيوب بن أبي تميمة، وأحمد ابن حنبل، وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله أحمد: روى عاصم، عن أنس: «أنَّ النبيَّ صلعم قَنَتَ قبلَ الركوعِ» هَلْ قَالَهُ أحدٌ غيره؟ قال: لا، قتادة عن / أنس، والتيمي عن أبي مجلز عن أنس، وأيوب عن محمد سألت أنسًا، وحنظلة السدوسي، أربعتهم كلهم عن أنس، رووه بعد الركوع. انتهى.
          ذكر السرَّاج من طرقٍ صحاحٍ عن عاصم بعد الركوع من رواية شَريك بن عبد الله وأبي معاوية.
          وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: أختار القنوت بعد الركوع، لأن كلَّ شيءٍ ثبت عن النبي صلعم في القنوت إنما هو في الفجر، لما رفع رأسه من الركوع، وقنوت الوتر أختاره بعد الركوع، ولم يصح عن النبي صلعم في قنوت الوتر قبلُ أو بعدُ شيءٌ.
          وقال أبو داود: قال أحمد: كل ما روى البصريون عن عمر في القنوت فهو بعد الركوع، وروى الكوفيون قبل الركوع، زاد الأثرم عن أحمد: ما أعجب هذا!.
          ولما روى البيهقي عن عبد الرحمن بن أبزى قال: صليت خلف عمر بن الخطاب [صلاة الصبح]، فسمعته يقول بعد القراءة وقبل الركوع: «اللَّهمَّ إياك نعبد...» الحديث. قال: كذا قال: قبل الركوع، وهو وإن كان إسنادًا صحيحًا فمَن روى عن عمر [قنوته] بعد الركوع أكثر، رواه أبو رافع، وعبيد بن عمير، وأبو عثمان النهدي، وزيد بن وهب، والعدد أولى بالحفظ من الواحد.
          ورُوينا عن الحازمي في «المنسوخ»، عن محمد قال: سألت أنسًا: أقنت عمر في صلاة الصبح؟ فقال: قنت مَن هو خير من عمر، [قنت] النبيُّ صلعم.
          ثم قال: قال [لي] أبو موسى الحافظ: قال أبو مسلم الليثي عقيب هذا الحديث: هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري عن مسدد، ومسلم عن أبي خيثمة، قال: غير أني تتبَّعته فلم أجده في الناس، ولعله أراد أن هذا الإسناد في الكتابين لغير هذا الحديث، والله أعلم. انتهى.
          عند ابن ماجه عن أُبَيِّ بن كَعْبٍ: «أنَّ رسولَ اللهِ صلعم كانَ يُوتِرُ فَيَقْنُتُ قبلَ الركوعِ» وسنده صحيح على رسم أبي عبد الله أحمد ابن حنبل وغيره، رواه عن علي بن ميمون الرقي: حَدَّثَنا مخلد بن يزيد، عن زُبَيْد اليامي، عن سعيدِ بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه عنه.
          قال البيهقي: ورواه عيسى بن يونس، عن فِطْرِ بنِ خليفةَ، عن زبيد، ورواه حفص بن غياث، عن مسعر، عن زبيد، عَنْ سَعِيْدٍ مثله، قال: ورواه عطاء بن مسلم _وفيه ضعف_ عن العلاء بن المسيب، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عباس، عن النبي صلعم. الحديث.
          وفي «الاستيعاب» عن أمِّ عبدٍ أنها / : «رأتْ سيدَنا رسولَ الله صلعم يقنت في الوتر قبل الركوع».
          قَالَ المُهَلَّبُ: وَجْهُ قول مالك القنوت قبل الركوع، ليدرك المستيقظون من النوم الركعة التي بها يدرك الصلاة.
          وحكاه المنذري عن عثمان، قال: ليدرك من سُبِقَ بالصلاة الركعة.
          ومذهب أبي حنيفة: لا يقنت في غير الوتر، كأنه نظر إلى ما رواه الدَّارَقُطْني من حديث عمرو بن شَمِر، عن جابر، عن أبي الطُّفَيْل، عن علي وعمار: «سَمِعَا رسولَ الله صلعم يَجْهَرُ في المكتوباتِ بالبَسْمَلَةِ [في فاتحة الكتاب]، ويَقْنُتُ في صلاةِ الفجرِ والوِتْرِ».
          وما ألزم الدَّارَقُطْني الشيخين تخريجه، وصححه ابن حبان وابن خزيمة وغيرها، عن الحسن بن علي بن أبي طالب قال: عَلَّمَنِي رَسول اللهِ صلعم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ في قنوتِ الوِتْرِ: «اللهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيتَ». زاد البيهقي بعد واليت: «وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ».
          قال ابن خزيمة: وهذا الخبر رواه شعبة، عن بُريد بن أبي مريم في قصة الدعاء، ولم يذكر القنوت ولا الوتر، وشعبة أحفظ مِنْ عدَّة مثل يونس بن أبي إسحاق، يعني راوي اللفظ الأول عن أبي إسحاق، عن بريد قال: وأبو إسحاق لا يعلم سمع هذا الخبر من بُريد أو دلَّسَه عنه، ولو ثبت أنه أمر بالقنوت في الوتر، أو قنت في الوتر، لم يجز عندي مخالفة خبر النبي صلعم، ولست أعلمه ثابتًا.
          وقد روى الزهري عن سعيدٍ وأبي سلمة عن أبي هريرة: «أنَّ النبيَّ صلعم لَمْ يكنْ يَقْنُتُ إلا أنْ يكونَ يَدْعُو لقومٍ، أو يَدْعُو على قومٍ». وروى قتادة عن أنسٍ مثله.
          وفي النسائي: عن أُبَيِّ بن كعب يرفعه: «كانَ يُوتِرُ بثلاثٍ [ركعات]، ويَقْنُتُ قبلَ الركوعِ» وقد تقدم.
          وفي «سؤالات الميموني»: وسألته _يعني أحمد ابن حنبل_ عن حنظلة السدوسي، فقال: له أشياء مناكير، روى حديثين منكرين عن النبي صلعم: أحدهما: عن أنسٍ «أنَّ النبيَّ صلعم قَنَتَ في الوترِ».
          عند الترمذي مُحسَّنًا، عن عليٍّ: «أنَّ رسولَ الله صلعم كان يقولُ في آخِرِ وترِهِ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أنْتَ كَمَا / أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ».
          وقَالَ السَّرَّاجُ: حَدَّثَنا أبو كريب: حَدَّثَنا محمد بن بشر، عن العلاء بن صالح: حَدَّثَنا زبيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه سأله عن القنوت في الوتر، فقال: حدَّثَنَا البراء بن عازب قال: سنةٌ ماضيةٌ. وخرَّجه أيضًا ابن خزيمة في «صحيحه» وقال: هذا وهمٌ، إنما هو الفجر.
          وفي «المصنف»: حَدَّثَنا وكيع عن عمرو بن ذر، عن أبيه رفعه، «أنَّهُ كانَ يَقْنُتُ في الوترِ قَبْلَ الركعةِ»، وحَدَّثَنَا يزيد بن هارون، عن هشام الدستوائي، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة: «أنَّ ابنَ مسعودٍ وأصحابَ النبيِّ صلعم كانوا يَقْنُتُونَ في الوترِ قبلَ الركوعِ».
          وحَدَّثَنَا يزيد، أَخْبَرَنا أبان بن أبي عياش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله: «أنَّ النبيَّ صلعم كان يقنتُ في الوترِ قبلَ الركوعِ»، قال: ثم أرسلتُ أمي _أم عبدٍ_ فباتت عند نسائه، فأخبرتني «أنَّهُ قنتَ في الوتر قبلَ الركوعِ».
          وحَدَّثَنَا هشيم: أَخْبَرَنَا منصور، عن الحارث العكلي، عن إبراهيم، عن الأسود: أنَّ عمرَ قنتَ في الوتر قبل الركوع.
          وحَدَّثَنَا هشيم: حَدَّثَنا ليثٌ، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه: كان ابن مسعود لا يقنت في شيء من الصلاة إلا في الوتر قبل الركوع، وكان الأسود يقنت في الوتر قبل الركعة.
          وقال إبراهيم: كانوا يقولون: القنوت بعد ما يفرغ من القراءة في الوتر، وكان سعيد بن جبيرٍ يفعله.
          وحَدَّثَنَا وكيعٌ، عن هارون بن أبي إبراهيم، عن عبيد الله بن عبيد بن عميرٍ، عن ابن عباسٍ أنه كان يقول في قنوت الوتر: «لكَ الحمدُ مِلْءَ السمواتِ السبعِ» الحديث.
          وحَدَّثَنَا وكيعٌ، عن حسن بن صالحٍ، عن منصورٍ، عن شيخ يكنى أبا محمدٍ، أن الحسين بن علي كان يقول في قنوت الوتر: «اللهمَّ إِنَّك تَرَى ولا تُرى، وأَنْتَ بالمنظرِ الأَعْلَى، وإنَّ إليكَ الرُّجْعَى، وإنَّ لكَ الآخرةَ والأولى، اللَّهمَّ إنَّا نَعُوذُ بكَ مِنْ أنَّ نَذِلَّ ونَخْزَى».
          وعن إبراهيم بسندٍ صحيحٍ، ليس في قنوت الوتر شيءٌ مؤقتٌ، إنما هو دعاءٌ واستغفارٌ.
          وعن عمرو بن ميمونٍ والأسود: أن عمر بن الخطاب لم يقنت في الفجر، وكذلك ابن مسعودٍ، وفي روايةٍ أنه قال: لا يقنت في صلاة الصبح، وكان ابن عباس وابن عمر ♥ لا يقنتان فيه، وكذلك ابن الزبير وجدُّه أبو بكر الصديق ☺ وسعيد بن جبيرٍ وإبراهيم.
          وقال الشعبي: إنما جاء القنوت _يعني في الفجر_ مِن قِبَلِ الشام.
          وفي «المنتقى» لأبي عمر، عن ابن عمر وطاوس، القنوت في الفجر بدعة، وبه / قال الليث ويحيى بن سعيدٍ الأنصاري ويحيى بن يحيى الأندلسي.
          وفي «المحلى» عن أشهب ترك القنوت جملة.
          وعند الدَّارَقُطْني بسندٍ ضعيفٍ، عن أمِّ سلمة قالت: «نَهَى رسولُ اللهِ صلعم عَنِ القنوتِ في الفجرِ» قال: وقال هيَّاج: عن عنبسة، عن ابن نافع، عن أبيه، عن صفيَّة بنت أبي عبيد، عن النبي صلعم بهذا.
          وعنده أيضًا من حديث شبابة: حَدَّثَنا عبد الله بن ميسرة، عن إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي حُرَّةَ، عن سعيدِ بن جبيرٍ قال: أشهد أني سمعت ابن عباس يقول: «القنوتُ في صلاةِ الصبحِ بدعة».
          وفي كتاب «القنوت» لأبي القاسم بن منده، ولما ذكر الطحاوي قول للشافعي: هو سنة في الفجر، ويقنت في الصلوات كلها عند حاجة المسلمين إلى الدعاء قال: لم يقل هذا أحدٌ قبله، لأنه صلعم لم يزل محاربًا للمشركين ولم يقنت في الصلوات.
          وردَّ ذلك النووي بأن أبا حامدٍ قال: هذا غلط، بل قد قنت عليٌّ في المغرب بصفِّين، انتهى كلامهما.
          وفيه غفلة شديدة عما في الحديث المتقدم عَنْ أَنَسٍ: «كَانَ القُنُوتُ فِي المَغْرِبِ وَالفَجْرِ» [خ¦798].
          وقَالَ السَّرَّاجُ في «مسنده»: حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بنُ سعيدٍ: حَدَّثَنا معاذ بن هشامٍ: حدَّثني أبي، عن يحيى بن أبي كثيرٍ: أخبرنا أبو سلمة بن عبد الرحمن: حَدَّثَنا أبو هريرة: «أنَّ نبيَّ الله صلعم كان إذا قالَ: سمعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه من الركعةِ الآخرةِ منْ صلاةِ العشاءِ الآخرةِ قَنَتَ» الحديث.
          وحَدَّثَنَا يوسف بن موسى: حَدَّثَنا وكيعٌ ويزيد بن هارون: حَدَّثَنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء: «أنَّ النبيَّ صلعم قَنَتَ في الفجرِ وفي المَغْربِ».
          وحَدَّثَنَا عبيد الله بن سعيدٍ: حَدَّثَنا معاذ بن هشامٍ: حَدَّثَنا أبي: حَدَّثَنا يحيى: حَدَّثَنا أبو سلمة: حدَّثني أبو هريرة قال: والله لأقرِّبَنَّ لكم صلاة رسول الله صلعم، فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر وصلاة العشاء الآخرة، وصلاة الصبح يدعو للمؤمنين ويلعن الكفار.
          وفي لفظ معمرٍ عن يحيى: ويذكر أن رسول الله صلعم كان يفعله.
          وحَدَّثَنَا أبو الأشعث: حَدَّثَنا خالد بن الحارث: حدَّثنا ابن عجلان، عن نافعٍ، عن ابن عمر «أنَّ النبيَّ صلعم كانَ يَدْعُو في أربعةٍ، فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٍ}[آل عمران:128]» الحديث.
          وأَخْبَرَنا أحمدُ بنُ إبراهيمَ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنا عبدُ الصمدِ: حَدَّثَنا ثابت: حَدَّثَنا هلال، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: «قَنَتَ النبيُّ صلعم شَهْرًا مُتَتَابِعًا، في الظهرِ والعصرِ / والمغربِ والعِشَاءِ والصُّبْحِ، في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ، إذا قالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حمدَه، منَ الركعةِ الآخرةِ، يدعو على رِعْلٍ وذكوان وعُصَيَّةَ، ويؤمِّنُ مَن خلفَه».
          وقد تقدَّم من عند البخاري القنوت في المغرب والفجر [خ¦798].
          وفي «المصنف» عن أبي جعفرٍ: كل صلاةٍ يجهر فيها يقنت فيها.
          وفي «المحلَّى» بسندٍ صحيحٍ، عن البَرَاء بن عازب: «كانَ رسولُ الله صلعم لَا يُصَلِّي صَلَاةً إِلَّا قَنَتَ فِيْهَا».
          وقد جاء في الترمذي صحيحًا ما يعارض هذه الأقوال ظاهرًا عن أبي مالك الأشجعي، عن أبيه قال: صليت خلف النبي صلعم فلم يقنت، وخلف أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعليٍّ فلم يقنتوا، يا بني إنه محدث.
          زاد ابن منده في «كتاب القنوت»: رواه جماعة من الثقات عن أبي مالكٍ.
          وفي «المصنف»: ولما سئل عنه ابن عمر لم يعرفه، وقال: أَيْشٍ القنوتُ؟ قيل: يقوم الرجل ساعةً بعد القراءة يدعو، فقال ابن عمر: ما شعرت، وسنده لا بأس به.
          وفي لفظٍ: ما شهدت ولا علمت.
          ولما قنت عليٌّ في الصبح أنكر الناس ذلك، فقال: إنما استنصرنا على عدونا.
          وقال أبو جعفرٍ: خرج عليٌّ من عندنا وما يقنت، وإنما قنت بعد ما أتاكم. يقوله لأبي إسحاق.
          وسئل سعيد بن جبيرٍ عن القنوت، فقال: إذا قرأت فاركع.
          وفي «المحلى» روينا عن ابن عباس أنه لم يقنت.
          وعن عبد الرزاق، عن معمرٍ، أن الزهري كان يقول: من أين أخذ الناس القنوت؟ وتعجب: «إِنَّمَا قَنَتَ رسولُ اللهِ صلعم أَيَّامًا ثم تركَ ذلكَ». قال أبو محمدٍ: فهذا الزهري جهل القنوت ورآه منسوخًا.
          وقال ابن أبي نجيحٍ: سألت سالمًا: هل كان عمر يقنت في صلاة الصبح؟ قال: لا، إنما هو شيءٌ أحدثه الناس.
          قال أبو محمدٍ: وذهب قومٌ إلى أن القنوت إنما يكون في حال المحاربة فقط، واحتجوا بما روِّيناه من طريق ابن المجالد عن أبيه، عن النخعي، عن علقمة والأسود قالا: «ما قنتَ رسولُ الله صلعم في شيءٍ مِنَ الصَّلَواتِ إِلَّا إذا حاربَ، فَإِنَّه كانَ يَقْنُتُ في الصَّلَواتِ كلِّهن، ولا قَنَتَ أبو بَكْرٍ، ولا عُمر، ولا عثمان ♥ حتى ماتوا، ولا قنتَ عليٌّ حتى حَاربَ أهلَ الشَّامِ، فكانَ يَقْنُتُ في الصلوات كلهن، وكان معاوية يقنت أيضًا، يدعو كلُّ واحدٍ مِنْهُما / عَلَى صَاحِبِه».
          قال أبو محمدٍ: وهذا لا حجَّة فيه لإرساله، ولا حجَّة في المرسل.
          وقوله: (عنْ أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وعثمانَ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْنُتُوا) قد صحَّ عنهم بأثبت من هذا الطريق أنهم كانوا يقنتون، والمُثْبِتُ العالِمُ أولى من النافي الذي لم يعلم، أو نقول: كلاهما صحيحٌ، وكلاهما مباحٌ.
          وقد جاء في كتاب الدَّارَقُطْني عن أنسٍ: «ما زالَ رسولُ اللهِ صلعم يَقْنُتُ في صلاةِ الغَدَاةِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» في سنده الربيع بن أنس، وفيه كلامٌ، لا سيما من رواية أبي جعفر الرازي عنه على ما قاله ابن حبان وغيره، ورواه أيضًا من طريق عمرو بن عبيد المعتزلي وغيره من الضعفاء.
          ويؤوَّل على تقدير الصحة بطول القيام في صلاة الغداة، فإن طول القيام يُسمَّى قنوتًا.
          وعنده أيضًا من حديث قيسٍ، عن أبان بن تغلب، عن ابن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ «ما زالَ رسولُ اللهِ صلعم يَقْنُتُ حَتَّى فَارقَ الدُّنْيَا». انتهى.
          يشبه أن يكون هذا أمثلَ من الأول، والله أعلم.
          وفي «القواعد» لابن رشدٍ: وقال قومٌ: لا قنوت إلا في رمضان، وقال قومٌ: [بل] في النصف الأخير منه، وقال قومٌ: [بل] في النصف الأول.
          وقَالَ المُهَلَّبُ: ولم يحفظ عن النبي صلعم أنه تمادى على القنوت في المغرب، بل تركه تركًا لا يكاد يثبت معه [أنه لو قنت فيها لترك الناس نقله].
          وكانت هذه السرية في صفر، على رأس ستَّة وثلاثين شهرًا من الهجرة، إلى بئر معونة _ماءٍ لبني عامر بن صَعْصَعَةَ_ على أربعة مراحل بالمدينة، وقيل قرب حَرَّةِ بني سُلَيْم.
          قال ابن سعدٍ: قدم أبو براءٍ عامر بن مالك بن جعفر الكلابي مُلاعِبُ الأسنَّة _ولُقِّبَ بذلك لقول الشاعر يخاطب أخاه:
فَرَرْتَ وأَسْلَمْتَ ابنَ أمِّكَ عَامرًا                     يُلاعِبُ أَطرَاف الوَشِيجِ المُزَعْزَعِ
          وفي شعر لبيدٍ: (مُلاعبُ الرماح)
_ فأهدى للنبي صلعم فلم يقبل منه، وعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد، وقال: لو بعثتَ معي نفرًا من أصحابك إلى قومي، لرجوت أن يجيبوا دعوتك، فقال: «إِنِّي أَخَافُ عَلَيْهِمْ أهلَ نجدٍ»، قال: أنا لهم جارٌ أن يعرض لهم أحدٌ، فبعث معه القرَّاء، وهم سبعون رجلًا.
          وفي «مُسْنَدِ السَّرَّاجِ»: أربعون [أو سبعون].
          وفي «المعجم»: ثلاثون، ستَّةٌ وعشرون من الأنصار، وأربعةٌ من المهاجرين، وأمَّر عليهم المنذر بن عمرو / الساعدي، الذي يقال له: المُعْنِق ليموتَ، فخرج عليهم عامر بن الطفيل فقتلوا جميعًا غيرَ عمرو بن أمية الضمري وكعب بن زيد، فقال حسان بن ثابت:
على قتلى المعونة فاستهلِّي                     بدمع العين سَحًّا غيرَ نَزْرِ
          وفي الصحيح [خ¦4090]: أن رِعْلًا وذكوان وعُصيَّة وبني لحيان استمدوا رسول الله صلعم على عدوهم، فأمدهم بسبعين من الأنصار، الحديث.
          ورِعْل ورِعْلَة جميعًا قبيلة باليمن، وقيل: هم من سُلَيمٍ، قاله ابن سِيْدَه، وفي «الصحاح»: رِعْل _بالكسر_ وَذَكْوَانُ قبيلتان من سُلَيْمٍ.
          وقال ابن دريد: رِعْل من الرَّعْلَة، وهي: النخلة الطويلة، والجمع: رعال، وهو ردٌّ لما قاله ابن التين: ضبط بفتح الراء، والمعروف أنه بكسرها، وهو في ضبط أهل اللغة بفتحها.
          وقال الرشاطي: هو رِعْلُ بن مالك بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس [بن] عيلان بن مضر.
          وقال ابن دحية في «المولد»: ولا أعلم في رعل وعصية صاحبًا له رواية صحيحة عن النبي صلعم.
          وعُصَيَّة هو ابن خُفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم، ذكره أبو علي الهَجَري في «نوادره».
          وأما عيب المزني على أبي حنيفة من أنه زاد تكبيرةً في القنوت، لم يثبت بها سُنَّةٌ، فغير جيدٍ لما رواه ابن أبي شيبة، عن عبد السلام بن حربٍ، عن ليثٍ، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه: أن ابن مسعود كان إذا فرغ من القراءة كبَّر ثم قنت، فإذا فرغ من القنوت كبَّر ثم ركع.
          وحَدَّثَنَا أبو الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم أنه قال: إذا أردت أن تقنت فكبِّر للقنوت، وكبِّر إذا أردت أن تركع.
          وفي لفظٍ: ارفع يديك للقنوت.
          وعند أبي جعفر الطحاوي عنه: ترفع الأيدي في سبعة مواطن: في افتتاح الصلاة، وفي التكبير للقنوت... الحديث. رواه عن سليمان بن شعيب، عن أبيه، عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة، عن طلحة بن مصرِّف عنه.
          قال ابن أبي شيبة: حَدَّثَنا غندر: حَدَّثَنا شعبة قال: سمعت الحكم وحمادًا وأبا إسحاق يقولون في قنوت الوتر: إذا فرغ كبَّر ثم قنت.
          وحَدَّثَنَا معاوية بن هشام: حَدَّثَنا سفيان، عن ليثٍ، عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله: أنه كان يرفع يديه في قنوت الوتر. وفي رواية عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن ليثٍ: كان يرفع يديه إذا قنت في الوتر / . وعن أبي عثمان النهدي: كانَ عمرُ إِذَا قَنَتَ يرفعُ يَدَيْهِ حتى يَبْدُوَ ضَبْعَاهُ.
          وعن خِلاس بن عمرو: أن ابن عباس قنتَ بهم فرفع يديه حتى مدَّ ضَبْعَيْهِ.
          وعند البيهقي عن أنسٍ في قصة القرَّاء وقتلهم قال: «فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسول اللهِ صلعم كُلَّمَا صلَّى الغداةَ رَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو عَلَيْهِمْ»، يعني: على الذين قتلوهم.
          وروى مسلم عن عائشة، وسألها أبو سلمة عن صلاة رسول الله صلعم، فقالت: «كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي ثَمَان رَكَعَاتٍ، ثُمَّ يُوتِرُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالإِقَامَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ».
          وعند ابن خزيمة: «يقرأ فيهما بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ}، و{إِذَا زُلْزِلَتِ}».
          وفي حديث أنسٍ يقرأ فيهما بالرحمن والواقعة وهو جالسٌ بعد ما أسنَّ.
          قال أنسٌ: ونحن نقرأ بالسور القصار {إِذَا زُلْزِلَتِ}، {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ}، ونحوهما.
          ولما سأل ابن أبي حاتمٍ أباه عن حديث قتادة، عن أنسٍ يرفعه: «يُصَلِّي بعدَ الوترِ ركْعَتَيْنِ، يقرأ في الأولى: بأمِّ القرآن، و{إِذَا زُلْزِلَتِ} وفي الثانية: بأمِّ القرآن، و{قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ}». قال: هذا حديثٌ منكرٌ من حديث قتادة.
          وعند الترمذي عن أمِّ سلمة: «أنَّ النبيَّ صلعم كانَ يُصَلِّي بعدَ الوترِ ركعتينِ خَفِيْفَتَيْنِ وهو جَالسٌ».
          وقال: روي نحو هذا عن أبي أمامة وعائشة وغير واحدٍ عن النبي صلعم.
          وذكر الخلَّال في «العلل»: أن سُلَيمًا ذاكر أحمد بهذا الحديث، فقال: ما سمعت بأغرب منه.
          وقال الأثرم: ذكرت لأبي عبد الله حديث ميمون هذا، فقال: كان يدلس الحديث.
          وقال إبراهيم بن الحارث: إن أبا عبد الله سئل عن الركعتين بعد الوتر، وأنها رُوِيَت عن النبي صلعم من وجوه، ما تقول فيها؟ قال: أرجو أن لا يضيق، ولكن يكون ذاك وهو جالس كما جاء الحديث.
          وعند النسائي بسندٍ لا بأس به، عن أبي أمامة: «أنَّ رسولَ الله صلعم كانَ يُصَلِّي ركعتينِ بعدَ الوترِ وهو جالسٌ». وعند الدَّارَقُطْني مثله عن أنسٍ بسندٍ جيدٍ، ثم قال: قال لنا أبو بكرٍ النيسابوري: هذه سُنَّةٌ تفرَّد بها أهل البصرة، وحفظها أهل الشام.
          وعنده أيضًا: حدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ العَبَّاسِ الوَرَّاقُ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنا عبدُ الله بنُ صالحٍ: حدَّثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عبدِ الرَّحمن بْنِ جُبَيْرِ / بنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ثَوْبَانَ قال: كُنَّا مَعَ رَسول اللهِ صلعم فِي سَفَرٍ فَقَالَ: «إِنَّ السَّفَرَ جَهْدٌ وَثُقْلٌ، فَإِذَا أَوْتَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ وَإِلَّا كَانَتَا لَهُ».
          وخرَّجه أيضًا ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، وعندهما أيضًا ، عن طَلْقِ بن عليٍّ: سمعت رسول الله صلعم يقول: «لَا وِتْرَانِ في ليلةٍ». وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
          وقد اختلف أهل العلم في الذي يوتر من أول الليل [ثم نام]، ثم يقوم من آخره:
          فرأى بعض أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم نقض الوتر، وقالوا: يضيف إليه ركعة، ويصلي ما بدا له، ثم يوتر في آخر صلاته، لأنه لا وتران في ليلةٍ، وهو الذي ذهب إليه إسحاق.
          وقال بعض أهل العلم من الصحابة وغيرهم: إذا أوتر من أول الليل ثم قام من آخر الليل فإنَّه يصلي ما بدا له، ولا ينتقض وتره، ويدع وتره على ما كان عليه، وهو قول الثوري، ومالكٍ، وابن المبارك، وأحمد، وهذا أصح، لأنه قد روي من غير وجهٍ «أنَّ النبيَّ صلعم قَدْ صَلَّى بعدَ الوترِ» انتهى.
          وهو قول أبي حنيفة ⌠.