التلويح شرح الجامع الصحيح

حديث: إن أول ما نبدأ من يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر

          951 #حَدَّثَنا حَجَّاجٌ: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي زُبَيْدٌ، سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، عَنِ البَرَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلعم يَخْطُبُ فَقَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ».
          وفي لفظ: «وذكرَ هَنَةً منْ جِيْرَانِهِ» [خ¦5561].
          وفي موضع آخر: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلعم يَوْمَ الأَضْحَى بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَنَسَكَ نُسُكَنَا، فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ، وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَا نُسُكَ لَهُ». فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ ابْنُ نِيَارٍ خَالُ البَرَاءِ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنِّي نَسَكْتُ شَاتِي قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَعَرَفْتُ أَنَّ اليَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ شاةٍ تُذْبَحُ فِي بَيْتِي، فَذَبَحْتُ شَاتِي وَتَغَدَّيْتُ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الصَّلَاةَ فَقَالَ: «شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ» فقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عِنْدِي عَنَاقًا لَنَا جَذَعَةً هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْنِ، أَفَتجْزِئ عَنِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ وَلَن تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ».
          وفي لفظ: إِنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنَ المَعْزِ، قَالَ: «اذْبَحْهَا، وَلا تَصْلُحُ لِغَيْرِكَ» ثُمَّ قَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ».
          وفي لفظ: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَلَا يَذْبَحْ حَتَّى يَنْصَرِفَ» وفيه: عِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّتَيْنِ، قَالَ عَامِرٌ: هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْهِ.
          وعِنْدَ مُسْلِمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَسَكْتُ عَنِ ابْنٍ لِي، وفيه: فَقَالَ: «ضَحِّ بِهَا، فَإِنَّهَا خَيْرُ نسيكة» وفيه: [إن] هَذَا يَوْمٌ اللَّحْمُ فِيهِ مَكْروه، وَإِنِّي عَجَّلْتُ نَسِيكَتِي لِأُطْعِمَ أَهْلِي وَجِيرَانِي وَأَهْلَ دَارِي، فَقَالَ النبيُّ صلعم: «أَعِدْ نُسُكًا» فَقَالَ: عِنْدِي عَنَاقُ لَبَنٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، فَقَالَ: «هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ، وَلَا تَجْزِي جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ».
          اختلف الناس في صلاة العيد:
          فالصحيح من مذهب أبي حنيفة أنها واجبة، وقيل: سنة مؤكدة كمذهب مالك، وقيل عن أبي حنيفة: أنها فرض كفاية، وقال به بعض المالكية وأبو سعيد الإصطَخْري الشافعي وأحمد بن حنبل، ومذهب الشافعي سنة مؤكدة.
          وعن القرطبي: قال الأصمعي: هو فرض.
          وقوله: (ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ) يستدل به من يرى أن النحر كصلاة العيد، فإن كان واجبًا فالنحر معطوف عليه، وكذا إن كان سنة.
          وفيه أن الخطبة / بعد صلاة العيد.
          وقوله: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ» يستدل به من يرى وجوب الأضحية، ووقت الذبح عند مالك بعد صلاة الإمام وذبحه إلا أن يوجد تأخير يتعدَّى فيه فيسقط الاقتداء به، وعند أبي حنيفة الفراغ من الصلاة، وعند الشافعي دخولها وقت دخول الصلاة ومقدار ما يوقع فيه، فاعتبر الوقت دون الصلاة، وقال عياض: أجمع العلماء على الأخذ بهذا الحديث وأنه لا يجزئ الجَذَعُ من المعز.
          وقال ابن سِيْدَه في «المخصص» عن أبي عبيد: عَنَاق، والجمع عُنُوق وأَعْنُقٌ، وعن ابن دريد: وَعَنَق، قال أبو عبيد: ثم يكون التيس جَذَعًا في السنة الثانية، والأنثى جَذَعَةٌ، وفي «المُحْكَمِ»: الجَذَعُ الصغير [السِّنِّ]، وقيل: الجذع من الغنم تيسًا كان أو كبشًا، الداخل في السنة الثانية، وقيل: الجذع من الغنم لسنة، والجمع جُذْعان وجِذْعان وجِذَاعٌ، والاسم الجذُوعة، وقيل: الجُذُوعة في الدواب والأنعام قبل أن يُثني بسنة، وهو زمن ليس بسنٍّ تسقط وتعاقبها أخرى، وفي «المُوعِبِ» لابن التياني: الكثير العنق مثال طنب، والجَذَعة السمينة من الضأن، والجمع جُذُع، وفي «التهذيب» لأبي منصور: العَنَاقُ تُجْذِعُ لسنة، وربما أجذعت العَنَاقُ قبل تمام السنة للخصب، وسمعت المنذري، سمعت إبراهيم الحربي، سمعت ابن الأعرابي في الجذع من الضأن قال: إذا كان ابن شابّين أجذع لستة أشهر إلى سبعة أشهر، وإذا كان ابن هَرِمتين أجذع لثمانية أشهر إلى عشرة أشهر، قال الأزهري: فابن الأعرابي فرَّق بين المعزى والضأن في الإجذاع، فجعل الضأن أسرع إجذاعًا، [قلتُ:] وهذا إنما يكون مع خصيب السنة، وقال يحيى بن آدم: إنما يُجْزِئ الجذع من الضأن في الأضاحي، لأنه ينزو فَيُلقِح، وإذا كان من المعزى لم يُلقِح حتى يُثني، وعن الأصمعي الجذع من المعز لسنة، ومن الضأن لثمانية أشهر أو تسعة، وَفِي «الصِّحَاحِ»: الأنثى جَذَعةٌ، والجمع جَذَعات، وفي «الجامع»: العَنَاقُ تجمع في القليل على أَعْنُق، وتصغَّر عُنَيِّقٌ، ومن حذف الألف قال: عُنَيْقَة فيزيد الهاء، لأنه يصير مؤنثًا على ثلاثة أحرف، وعن عياض: الجَذَعُ ما قوي من الغنم قبل أن يحول عليه الحول، فإذا تمَّ له حول صار ثَنِيًّا.
          و(الهَنَةُ) الحاجة والفقر، وحكى الهروي عن بعضهم شدَّ النون في هَنَّ وهَنَّه، وأنكره الأزهري، وقال الخليل: من العرب من يسكِّنه يجريه مجرى «مَنْ»، ومنهم من ينوِّنه في الوصل، قال ابن قُرْقُولٍ: وهو أحسن من الإسكان، وقال ابن الجوزي: لما ذبح الأولى ظنًّا منه أنها تكفيه أُثِيْبَ بِنِيَّتِه، فكذلك سمَّاها النَّبِيُّ صلعم نَسِيكَةً وهي الذبيحة المتقرَّب بها إلى الله تعالى.
          وفيه جواز الأكل قبل الصلاة لقوله: (تَغَدَّيْتُ / قَبْلَ أَنْ آتِيَ الصَّلَاةَ) وإن كان الأفضلُ غيرَه. وقوله: (تَجْزِي) هي بفتح التاء، قال أبو عبيد: المعنى: لا تقضي عن أحد بعدك، قال ابن العربي: ظن بعض الغافلين أن قوله: (تَجْزِيك ولن تَجْزِي عنْ أحدٍ) يريد الشاة التي ذبحها أولًا قبل الصلاة، لأنه ذبح بتأويل يُعْذَرُ به، قال: وهذا باطل إنما الإجزاء عن الشاة الثانية.
          الخروجُ إلى الصلاةِ بِغَيْرِ مِنْبَرٍ، تقدم في (باب ترك الحائض الصوم) في (كتاب الطهارة).