التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث جابر: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد

          4528- قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين الحافظُ، و(سُفْيَانُ) بعده: هو الثوريُّ، سفيان بن سعيد بن مسروق، و(ابْنُ الْمُنْكَدِرِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ اسمه محمَّد، و(جَابِرٌ): هو ابن عبد الله ابن عَمرو بن حرامٍ الأنصاريُّ، تَقَدَّم.
          قوله: (كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: إِذَا جَامَعَهَا مِنْ وَرَائِهَا؛ جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ): اعلم أنَّ جمهور السَّلف وأئمَّةَ الفتوى على تحريم الوطء في الدُّبر، ولا عبرةَ بمَن خالف فيه، وفيه عدَّة أحاديثَ فوق العشرة، صحَّح ابن حزم منها حديثَ ابن عبَّاس ☻ مرفوعًا: «لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلًا أو امرأةً في دبرها»، وحديثَ خزيمة مرفوعًا: «إنَّ الله لا يستحيي مِنَ الحقِّ، لا تأتوا النساء في أدبارهنَّ»، ثُمَّ قال: (هما صحيحان، تقوم بهما الحُجَّة، ولو صحَّ خبرٌ في [إباحة] ذلك؛ لكانا ناسخَين، وقد جاء تحريمه عن عدَّةٍ مِنَ الصَّحابة وغيرهم، وما رُوِيَ إباحةُ ذلك عن أحد إلَّا عَنِ ابن عمر وحده باختلافٍ عنه، [و]عن نافعٍ باختلاف عنه، وعن مالكٍ باختلاف عنه فقط، وقد روى مالك عَنِ ابن عمر أنَّه قال: «أفِّ أفِّ! أوَيفعل ذلك مؤمنٌ؟!»).
          وقال ابن قيِّم الجوزيَّة في «الهدي»: (وأمَّا الدُّبر؛ فلم يُبَح على لسان نبيٍّ مِنَ الأنبياء، ومَن نسب إلى بعض السَّلف إباحةَ وطء الزوجة في دُبُرِها؛ فقد غلط عليه)، انتهى، ثُمَّ ذكر بعد ذلك تعليلَ سببِ غَلَطِ مَن غَلِطَ على بعضهم في ذلك، وهو كلام حسنٌ؛ أعني: كلامَه على الوطء في الدُّبر، وقد أطال فيه النَّفَس؛ فانظره مِنَ «الهدي»، وقال شيخُنا: (وجاء عنه _أي: عن مالك_ إنكارُه، ويؤيِّد الجمهورَ ردُّها بالرتق والقرَن، ولو ساغ الانتفاع بغيره؛ لما رُدَّت)، انتهى.
          وقد سمعتُ شيخنا الإمام العلَّامة البلقينيَّ يقولُ: (إنَّ الشافعيَّ نصَّ على تحريمه في ثلاثة أمكنة مِنَ «الأمِّ»)، هذا _غالب ظنِّي_ لفظُه، ويحتمل أنَّه قال: (مكانين)، وجاء الإمام نور الدين ابن الجلال القاهريُّ المالكيُّ بكتاب «السرِّ» إلى شيخنا المشارِ إليه، فأراه الكتاب، وأنا رأيتُه أيضًا، وهو كتاب صغير جدًّا في قدر «غاية الاختصار» الذي للشافعيَّة، فقال شيخُنا _وأظنُّ الشيخ نور الدين أيضًا قال_: (إنَّ هذا الكتابَ لم يثبت عن مالك، والله أعلم).
          وقال الذهبيُّ في ترجمة النَّسائيِّ في «التذهيب»: (وقال محمَّد بن موسى بن يعقوب بن المأمون الهاشميُّ عنه: (إنَّه لا يصحُّ في إباحته ولا تحريمه شيءٌ، ولكنَّ محمَّد بن كعب نقل عن جدِّك ابن عبَّاس: «اسقِ حرثَك مِن حيثُ شئتَ»، فلا ينبغي لأحد أن يتجاوزَ قولَه)، انتهى؛ يعني: فيحرم الإتيان في الدُّبر؛ لأنَّه ليس محلًّا للحرث، والله أعلم، وفي حديثٍ: (كان ◙ إذا حاضَتِ المرأةُ؛ حرَّم منها الجُحْرانِ)، نقل ذلك بعضُ أشياخنا الحلبيِّين، كما سمعتُه مِن لفظه، قال الخطَّابيُّ: (أي: استويا في الحرمة).
          تنبيهٌ: ذكر الذهبيُّ ما لفظه: (أخبرتنا خديجةُ بنتُ الرضيِّ: أخبرنا أحمد بن عبد الواحد: أخبرنا عبد المنعم الفراويُّ: أخبرنا عبد الغفَّار بن محمَّد: أخبرنا أبو سعيد الصيرفيُّ: أخبرنا أبو العبَّاس الأصمُّ: سمعتُ محمَّد بن عبد الله _يعني به: ابن عبد الحكم، الفقيه المصريَّ_: سمعتُ الشافعيَّ يقول: ليس فيه عن رسول الله صلعم في التحريم والتحليل حديثٌ ثابتٌ، والقياسُ: أنَّه حلال، قال الذهبيُّ: هذا منكرٌ مِنَ القول، بل القياس التحريم؛ يعني: الوطءَ في دُبر المرأة، وقد صحَّ الحديثُ فيه، وقال الشافعيُّ: «إذا صحَّ الحديثُ؛ فاضربوا بقولي الحائطَ، قال ابن الصبَّاغ [عَقيب] هذه الحكاية: قال الربيع: والله، لقد كُذِب على الشافعيِّ، فإنَّ الشافعيَّ ذكر هذا في ستَّة كتب مِن كتبه، وقد حكى الطحاويُّ هذه الحكايةَ عَنِ ابن عبد الحكم عَنِ الشافعيِّ، فقد أخطأ في نقله ذلك عَنِ الشافعيِّ، وحاشاه مِن تعمُّد الكذبِ)، انتهى.