التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ

          357- قَولُهُ: (عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ): (أبو النَّضر) بالضَّاد المعجمة، تقدَّم مرَّاتٍ أنَّه لا يلتبس؛ لأنَّ (نصرًا) بالصَّاد المهملة لا يأتي بالألف واللَّام، بخلاف (النَّضر) بالمعجمة، فإنَّه لا يأتي إلَّا بالألف واللَّام [خ¦152]، وتقدَّم أنَّه سالم بن أبي أميَّة، أبو النَّضر المدنيُّ، عن أنس، وكتب إليه ابنُ أبي أوفى، وعنه: مالكٌ واللَّيث، ثقةٌ نبيلٌ، تُوُفِّيَ سنة ░129هـ▒، أخرج له الجماعة، وإنَّما أعدتُ بعضَ ترجمتِه؛ لطول العهد بها [خ¦202].
          قَولُهُ: (أَنَّ أَبَا مُرَّة مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ): تقدَّم أنَّ (أبا مُرَّة) اسمُه يزيدُ، مولى عَقيل، ويُقال: مولى أختِه أمِّ هانئ، روى عنهما، وعن أبي الدَّرداء، وعنه: زيد بن أسلم وأبو حازم، ثقةٌ، أخرج له الجماعة، وقد قدَّمتُ بعضَ ترجمتِه، ولكن طال العهد بها [خ¦66].
          قَولُهُ: (أُمَّ هَانِئٍ): تقدَّم الكلام عليها أعلاه ♦ [خ¦8/4-591]، وقبلَه أيضًا [خ¦280].
          قَولُهُ: (عَامَ الفَتْحِ): تقدَّم أنَّه سنة ثمانٍ في رمضان [خ¦104]، وسيجيء ما وقع في ذلك من الاختلاف، كم كان في شهر رمضان، والوهم الذي وقع في «صحيح البخاريِّ» [خ¦1823]، وقد تقدَّم.
          قَولُهُ: (مَرْحَبًا): الكلام فيها معروف، وقد ذُكِرَتْ مرَّةً [خ¦53]، ولم أتكلَّم عليها كثيرًا؛ لظهورها، ثُمَّ عَنَّ لي أنْ أتكلَّم عليها، فأقول: (مرحبًا): كلمة تُقال عند المسرَّة للقادم، ولمن يُسَرُّ برؤيته والاجتماع به، وهو منصوب بفعلٍ لا يظهر؛ أي: صادَفْتَ رُحْبًا؛ أي: سَعة، وقيل: بل انتصب على المصدر؛ أي: رحَّب الله بك مرحبًا، فوضع المَرْحَب موضع التَّرحيب، وهو قول الفرَّاء، ومكانٌ رَحْب ورَحيب: واسع، والجمع: رِحاب. /
          قَولُهُ: (بِأُمِّ هَانِئٍ): كذا في أصلنا، وفي رواية أخرى ليست في أصلنا: (يا أمَّ هانئ)، قال القاضي: (والرِّوايتان معروفتان صحيحتان، والباء أكثر استعمالًا).
          قَولُهُ: (ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ): كذا في نسخة، وفي نسخة: (ثمانَ)، و(ثمانيَ) بنصب الياء، وكذا (ثمانَ) بنصب النُّون.
          قَولُهُ: (زَعَمَ ابْنُ أُمِّي): تعني عليَّ بن أبي طالبٍ، وهو أخوها لأبويها، كما تقدَّم قريبًا [خ¦8/4-591]، وإنَّما قالت ذلك؛ لتأكُّد الحرمة والقرابة والمشاركة في بطنٍ وكثرة ملازمة الأمِّ، وهو موافق لقوله تَعَالَى _حكاية عن هارون حين قال لموسى_: {يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي}[طه:94].
          قَولُهُ: (رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ): (رَجُلًا) بالنَّصب مع التَّنوين، مفعولُ اسمِ الفاعل، وهو (قَاتِلٌ).
          قَولُهُ: (فُلَانَ ابْنَ هُبَيْرَةَ): هو بالنَّصب بدلٌ من (رَجُلًا)، ويجوز الرَّفع على القَطْع، قال شيخنا الشَّارح في هذا المكان: (هو الحارث بن هشام بن المغيرة المخزوميُّ، كذا هو في «كتاب الزُّبير بن بكَّار»، وفي «الطَّبرانيِّ»: «فقلت: يا رسول الله؛ إنِّي أجرت حَمْوِيَ»، وفي رواية: «حَمْوِيَ ابنَ هُبَيرة»، وفي رواية: «حَمَوَيَّ ابني هبيرة»، وفي «كتاب الأزرقيِّ»: «أنَّها أجارت عَبْد الله بن أبي ربيعة المخزوميَّ والحارث بن هشام»، وقال ابن عبد البَرِّ: «استتر عندها رجلان من بني مخزوم وأجارتْهما، قيل: إنَّهما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أميَّة، وقيل: أحدهما جعدة»، وقال: «والأوَّل أصحُّ»، قال: «وهبيرة بن أبي وهب زوجها، وَلَدتْ له جعدةَ وغيرَه»، وقال ابن الجوزيِّ: قولها: «فلان ابن هبيرة» إن كان من أولاده منها؛ فالظَّاهر أنَّه جعدة، قلت: لكن رواية: «حموي» تُبْعِده، ولم تكن تحتاج إلى إجارة ابنها)، انتهى.
          وقال الخطيب البغداديُّ وابن بشكوال في قولها: (أجرت رجلين من بني مخزوم يوم الفتح، فأراد عليٌّ قتلهما...) الحديث: (هما الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة)، وقال ابن بشكوال: (الحارث بن هشام وزهير بن أبي أميَّة بن المغيرة، ذكره ابن إسحاق)، انتهى، وقال السُّهيليُّ: (قيل: إيَّاه _يعني: جعدة_ عنتْ في حديثِ مالكٍ: زعم ابن أمِّي عليٌّ أنَّه قاتلٌ رجلًا أجرته فلانَ ابن هبيرة) انتهى.
          [والحاصل من الرِّوايات: أنَّها أجارت جعدة بن هبيرة ولدَها، والحارث بن هشام، وزهير بن أبي أميَّة، وعبد الله بن أبي ربيعة، والله أعلم](1).
          والذي يظهر من هذا كلِّه ما قاله ابن الجوزيِّ في (فلان ابن هبيرة)، وأنَّه(2) ليس(3) واحدًا ممَّن تقدَّم ذِكْرُه أنَّها أجارته، (هبيرة): ليس(4) في(5) عمود نسبِ(6) الحارث بن هشام ولا عَبْد الله بن أبي ربيعة ولا زهير بن أبي أميَّة سوى جعدة(7)، وقول شيخنا متعقِّبًا: كلام ابن الجوزيِّ مُتعقَّبٌ أيضًا، بل الذِي يظهر أنَّه جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزوميُّ وَلدُها.
          وأمَّا رواية: (حَمْوِيَ) بالإفراد، و(حَمَوَيَّ) بالتَّثنية؛ لا تنافي إجارتَها جعدةَ ابنَها، وتكونُ قد أجارتِ الجميع، لكنَّ قولها: (حَمْوِيَ ابن هبيرة) و(حَمَوَيَّ ابني هبيرة) لا يظهر لي، ولعلَّه مؤوَّلٌ إن صحَّ الإسناد بذلك.
          وأمَّا حديث إجارتها الحارثَ بن هشام وزهيرَ بن أبي أميَّة؛ فكلٌّ منهما من أحمائها، فلعلَّها أجارتهما وأجارت ابنها، وكان الأحسن بنا ألَّا نذكُر هنا إلَّا جعدةَ بن هبيرة ابنَها؛ لأنَّه لَمْ يقع هنا تلك الرِّواياتُ التي ساقها شيخنا، ولا نطوِّل بذلك، ولا يظهر لي إلَّا أنَّه جعدةُ ابنُها.
          و(جَعْدة) هذا: ذكره ابن عبد البَرِّ في الصَّحابة ولم يتعقَّبْه، وقال الذَّهبيُّ في «تجريده»: (اختُلِف في صحبته)، انتهى، وقد قال ابنُ مَعِين: (إنَّه لَمْ يسمع من النَّبيِّ صلعم شيئًا)، وقد روى عن(8) خاله عليٍّ ☺، قال أبو عُمر: (قال أبو عبيدة: «ولدت أمُّ هانىء من هبيرة ثلاثةَ بنين؛ أحدهم: جَعْدة، والثَّاني: هانئ، والثَّالث: يوسف»، وقال الزُّبير والعدويُّ: «ولدت لهبيرة أربعةَ بنين: جَعْدة، وعَمْرًا، وهانئًا، ويوسف»)، قال أبو عُمر: (وهذا أصحُّ إن شاء الله)، انتهى، وهبيرةُ ابن أبي وَهْب المخزوميُّ زوجُها فرَّ يومَ الفتح، ولم يُسْلِم، ولَحِق بنجرانَ، ومات على شركه، انتهى.
          وقال ابن شيخنا البلقينيِّ: (ويُتعجَّب ممَّا في بعض الشُّروح من [قوله]: قولها: «فلان ابن هبيرة»: هو الحارث بن هشام بن المغيرة المخزوميُّ، كذا هو في «كتاب الزُّبير بن بكَّار»؛ فإنَّ الحارث بن هشام لا يقال له: ابن هبيرة) انتهى، [وما قاله ابن شيخنا صحيحٌ حسنٌ](9).


[1] ما بين معقوفين ليس في (ج).
[2] (وأنَّه): سقطت من (ج).
[3] في (ج): (وليس).
[4] (ليس): سقطت من (ب) و(ج).
[5] زيد في (ب): (نفس).
[6] في (ج): (نسبه لا)، وضرب على (لا) في (أ).
[7] (سوى جعدة): سقطت من (ج).
[8] في (ج): (له على).
[9] ما بين معقوفين ليس في (ج).