التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ

          3673- قوله: (عَنِ الأَعْمَشِ): تقدَّم مِرارًا كثيرة أنَّه سُلَيمان بنُ مِهران، و(ذَكْوَان) بعده: هُوَ أبو صالحٍ السَّمَّانُ الزَّيَّاتُ، و(أبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ): سَعْدُ بن مالك بن سِنان، صحابيٌّ مشهورٌ، تقدَّم مِرارًا.
          قوله: (لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي): اعلم أنَّ سبَّ الواحد منهم حرامٌ من فواحش المحرَّمات، كبيرةٌ من الكبائر، سواءٌ مَن لابَسَ منهم الفِتَن وغيره؛ لأنَّهم مجتهدون في تلك الحروب، وسبُّ الواحد منهم كبيرة، كما قاله القاضي عياض، ومذهب الجمهور أنَّه يُعزَّر سابُّهم ولا يُقتَل، وقال بعض المالكيَّة: يُقتَل، ذكره النَّوويُّ في «شرح مسلم» انتهى، وعن القاضي الحسين في (باب إمامة المرأة) من (كتاب الصلاة): (أنَّ مَن سبَّ الشَّيخين والحسن والحسين هل يكفر أو يفسق؟ فِيْهِ وجهان) انتهى.
          تنبيهٌ: الصَّحابة كلُّهم عدولٌ؛ لقولِه تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة:143]، ولقولِه: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:110]، ولغيرِ حديثٍ صحيحٍ، ولإجماعِ مَن يُعتدُّ به في الإجماع مِنَ الأئمَّة على تعديل مَن لم يُلابِسِ الفِتَنَ منهم، وأمَّا مَن لابس الفِتَن منهم وذلك مِن مقتل عثمان؛ فأجمع مَن يُعتَدُّ به في الإجماع على تعديلهم؛ إحسانًا للظَّنِّ بهم، وحملًا لهم في ذلك على الاجتهاد، كذا حكى إجماعَ الأُمَّة على تعديل مَن لم يُلابس الفتن منهم أبو عمرو بنُ الصَّلاح، وفيه نظرٌ؛ فقد حكى الآمديُّ وابنُ الحاجب قولًا: أنَّهم كغيرهم في لزوم البحث عن عدالتهم مطلقًا، وقولًا آخَرَ: أنَّهم عدولٌ إلى وقوع الفِتَن، فأمَّا بعد ذلك؛ فلا بدَّ من البحث عمَّن ليس بظاهر العدالة، وذهبت المعتزلة إلى فسق مَن قاتل عليًّا منهم، وقيل: يُرَدُّ الداخلون في الفتن كلُّهم؛ لأنَّ أحد الفريقين فاسقٌ من غير تعيينٍ، وقيل: يُقبَل الداخل فيها إذا انفرد؛ لأنَّ الأصل العدالة، وشككنا في فسقِه، ولا يُقبَل مع مخالفه؛ لتحقُّق فِسق أحدهما من غير تعيين، والذي عليه الجمهور _كما قال الآمديُّ وابنُ الحاجب_ أنَّهم عدولٌ كلُّهم مطلقًا، وقال الآمديُّ: (إنَّه المختارُ)، وحَكى ابنُ عبدِ البَرِّ في «الاستيعاب» إجماعَ أهلِ الحقِّ مِنَ المسلمين _وهم أهل السُّنَّة والجماعة_ على أنَّ الصَّحابة عدولٌ.
          تنبيهٌ: حكى بعضُهم عن الإمام الشَّافعيِّ: (أنَّهم عدولٌ إلَّا أربعة: معاوية، وعمرو بن العاصي، والمغيرة بن شُعبة، وزياد) انتهى، وزياد ليس صحابيًّا، والله أعلم.
          تنبيهٌ ثالثٌ: لو قال قائلٌ من النَّاس: أنا لا أسبُّ أحدًا منهم، لكنِّي أُقدِّم عمر على أبي بكر، أو أُقدِّم عليًّا على أبي بكر، أو أُقدِّم فلانًا(1) من الصَّحابة على أبي بكر، فماذا يلزمني؟
          والجواب: أنَّ مذهب عمر وعليٍّ ☻ أنَّ من فضَّل على أبي بكر أحدًا من الصَّحابة؛ فإنَّه يُجلد حدَّ المفتري؛ يعني: ثمانين جلدةً، وقد روى شعبة عن حُصين عن عبد الرحمن(2) بن أبي ليلى: أنَّ الجارود بن المُعلَّى العَبْديَّ قال: أبو بكر خيرٌ من عمر، فقال آخر: عمر خيرٌ من أبي بكر، فبلغ ذلك عمرَ ☺، فضربه بالدِّرَّة حتَّى شغر بِرِجْليه، وقال: (إنَّ أبا بكر صاحب رسول اللهِ صلعم، وكان أخيرَ النَّاس في كذا وكذا، مَن قال غير ذلك؛ وجب عليه حدُّ المفتري)، ورَوى حجَّاج بن دينارٍ عَنْ أبي معشرٍ عَنْ إبراهيم عَنْ علقمة قال: (سمعت عليًّا ☺ يقول: بلغني أنَّ قومًا يفضِّلوني على أبي بكر وعمر، مَن قال شيئًا من ذلك عليه ما على المفتري)، وعن أبي عُبيدة _بن الحكم عَن الحكم، كذا في «الاستيعاب» لابن عبد البَرِّ_ ابن جَحْلٍ: (أنَّ عليًّا قال: لا أوتى برجلٍ فضَّلني على أبي بكر وعمر إلَّا جلدته حدَّ المفتري)، ذكر هذه الآثارَ الذهبيُّ في «الكبائر» له، وهو في (الكبيرة السابعة والخمسون)، والله أعلم، وذَكَر الطريقَ الآخرَ إلى عليٍّ ابنُ عبد البَرِّ في «الاستيعاب» في ترجمة أبي بكر ☺.
          قوله: (أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا؛ مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ): الحديث في «مسند عبد بن حميد» من حديث أبي سعيدٍ: «لو أنفق كلَّ يومٍ مثلَ أُحُدٍ ذهبًا؛ لم يبلغ مُدَّ أحدهم» انتهى.
          قوله: (مُدَّ أَحَدِهِمْ): هو المُدُّ المعروف بضمِّ الميم، وهو واحد الأمداد؛ وهو ربع الصَّاع، وقال شيخنا: (قال الخطَّابيُّ: ويُروى: «مَدَّ»؛ بفتح الميم، يريد: الفضل والطَّول)، انتهى.
          قوله: (وَلَا نَصِيفَهُ): النَّصِيف؛ بفتح النون وكسر الصاد: النِّصف، وفي النِّصف ثلاث لغات: نُـِصْف؛ بكسر النون وضمِّها، ونَصيف؛ بزيادة ياءٍ، حكاهنَّ غيرُ واحدٍ، وقال شيخنا: (النَّصيف هنا: مكيالٌ يُكالُ به)، انتهى.
          قوله: (تَابَعَهُ جَرِيرٌ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَمُحَاضِرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ): الضمير في (تابعه) يعود على شعبة، ومتابعةُ جَرِيرٍ أخرجها مسلمٌ في (الفضائل) عَنْ عثمان ابن أبي شيبة، عَنْ جَرِير، عَن الأعمش، وباقي المتابعات لَمْ تكن في شيء من الكتب السِّتَّة، ولا عزا شيخُنا شيئًا من جميعها، و(جَرِيرٌ): هُوَ ابنُ عبد الحَمِيد، تقدَّم، و(عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ): جدُّه اسمه عامر بن الرَّبيع الخُريبيُّ، والخُريبة: محلَّة بالبصرة، وهو أحدُ الثِّقات الأعلام، تقدَّم [خ¦132]، أخرج له البخاريُّ والأربعة، و(أَبُو مُعَاوِيَةَ): محمَّد بن خازم _بالخاء المعجمة_ الضريرُ، تقدَّم، أخرج له الجماعةُ، وهو أحدُ الأئمَّةِ الثِّقاتِ، له ترجمةٌ في «الميزان»، و(مُحَاضِرٌ): هو ابن المورِّع، صدوقٌ مغفَّلٌ، علَّق له البخاريُّ، وروى عنه مسلمٌ حديثًا واحدًا، وأبو داود، والنَّسائيُّ، تُوُفِّيَ سنة ░206هـ▒، له ترجمةٌ في «الميزان»، وهو فردٌ، والله أعلم.


[1] كذا في (أ)، ثمَّ ضرب عليها وكتب فوقها: (عليًّا، صح)، ولعلَّ المثبت هو الصواب.
[2] زيد في (أ): (عن)، وليس بصحيح.