التوضيح لشرح الجامع البخاري

حديث: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم

          879- الحديث الثَّالث: حديث عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ مرفوعًا: (غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ).
          ويأتي أيضًا في الباب مكرَّرًا، وفي الشَّهادات بلفظ: ((أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلعم)). الحديثَ.
          وأخرجه مسلمٌ أيضًا، ووَهِم مَن قال: عَطَاء بن يزيد، كما نبَّه عليه الدَّارَقُطنيُّ، وطرَّقه.
          إذا تقرَّر ذلك فالكلام على ذلك من أوجهٍ:
          أحدها: اعترض أبو عبد الملك على البخاريِّ، فقال: بوَّب (هَلْ عَلَى الصَّبِيِّ شُهُودُ الجُمُعَةِ، أَوْ عَلَى النِّسَاءِ) وأراد به: (إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ) أي: إذا جاءها النِّساء والصِّبيان فليغتسلوا، وليس فيه ذكر وجود شهودٍ كما ذكر، ولا غير ذلك. وأجاب عنه ابن التِّين فقال: عندي إنَّما أراد البخاريُّ _والله أعلم_ أنَّها ليست بواجبةٍ عليهما لأنَّه قال: (وَهَلْ عَلَيهِمْ) فأبان بحديث: (غُسْلُ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) أنَّها غير واجبةٍ على الصِّبيان، وقال أبو جعفرٍ: فيه أيضًا دليلٌ على سقوطها عن النِّساء لأنَّ أكثرهنَّ إنَّما يجب عليه الفروض بالحيض لا بالاحتلام، والاحتلام في حقهنَّ كالحيض.
          ثانيها: هذه الأحاديث دالَّةٌ على مطلوبيَّة الغسل يوم الجمعة، ورواية: ((مَنْ جَاءَ)) أبلغ لأنَّه شرطُ وجزاءٍ، فهو يتناول كلَّ جاءٍ، وإذا جاءَ، وإن أعطى معنى الشرط فليس بشرطٍ حقيقيٍّ.
          وقوله: (فَلْيَغْتَسِلْ) أمرٌ، وهو مجزومٌ لأنَّه جواب الشرط، وهو أبلغ في الدلالة على ثبوت الغسل وتقريره والحثِّ عليه، وقد أسلفنا في باب وضوء الصِّبيان قريبًا خلاف العلماء في وجوبه، وأنَّ أكثر الفقهاء على عدم الوجوب، والمراد التأكُّد. [خ¦858]
          قال الشافعيُّ: احتملَ الوجوب أنْ لا يجزئ غيره أو في الاختيار والنَّظافة كما تقول: وَجَبَ حقُّك عليَّ. وفي روايةٍ لابن حزمٍ مِن حديث ابن عبَّاسٍ: ((كان رسولُ اللهِ صلعم ربَّما اغتسلَ يومُ الجُمُعةِ وربَّما لم يَغْتَسِل)). ويُسنُّ عندنا لكلِّ من أراد الحضور، وإن لم يجب عليه على الأصحِّ، وهو مذهب مالكٍ. وقيل لكلِّ أحدٍ بناءً على أنَّه لليوم، ويتأكَّد في الذُّكور أكثر مِن النِّساء لأنَّه في حقِّهنَّ قريبٌ مِن الطِّيب، وفي حقِّ البالغ أكثر من الصبيِّ.
          الثالث: في ألفاظه:
          قوله: (بَيَنَا هُوَ قَائِمٌ فِي الخُطْبَةِ يَوْمَ الجُمُعَةِ) فيه مطلوبيَّة القيام فيها، وفي روايةٍ: ((عَلى المِنبَرِ)) وهو مطلوبٌ أيضًا إجماعًا كما سيأتي في بابه، [خ¦917] فإن لم يكن، فعلى موضعٍ عالٍ ليسمعَ صوته جميعُهُم ويبصروه فيكون أوقعَ في النفوس.
          وقوله: (أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟) (أيَّةُ): تأنيث أيٍّ، وهي اسم يُستفهم به، تقول: أيُّ شخصٍ هو هذا؟ وأيَّة امرأةٍ هي هذه؟ وهو تقريرٌ وتوبيخٌ، إشارةً إلى أنَّها ليست مِن ساعات الرَّواح؛ لأنَّ الصُّحفَ طُويَت.
          والساعة اسمٌ لجزءٍ مِن الزمان مخصوصٌ، ويُطلق على جزءٍ مِن أربعةٍ وعشرين جزءًا هي مجموع اليوم والليلة، وعلى جزءٍ ما غيرُ مقدَّرٍ مِن الزَّمان، ولا يتحقَّق، وعلى الوقت الحاضر، والهندسيُّ يقسِم اليوم على اثني عشر قسمًا، وكذا اللَّيلة طالا أم قَصُرا يُسمُّونه ساعةً، ويسمُّون هذه السَّاعات المعوَجَّة وتلك الأُوَلة المستقيمة.
          ففيه تفقُّد الإمام رعيَّتَهُ، وأمرُهم بمصالح دينهم، والإنكارُ على المخالف وإن جلَّ، والإنكارُ على الكبار بمجمعٍ مِن النَّاس، والكلام في حال الخطبة بالأمر بالمعروف لأنَّه من باب الخطبة.
          والانقلاب: الرُّجوع مِن حيث جاء، وهو انفعالٌ من قَلَبت الشيء أَقْلِبه إذا كببتُهُ أو رددتُهُ.
          وفيه الاعتذار إلى ولاة الأمر، وإباحة الشُّغل والتصرُّف يوم الجمعة قبل النِّداء.
          وقوله: (التَّأْذِينَ) كذا هنا، وفي رواية أخرى: ((النِّداء))، وهو بكسر النُّون أشهر من ضمِّها.
          وقوله: (وَالوُضُوءُ أَيْضًا؟) كذا هو بإثبات الواو، ورُوي بحذفها، والأوَّل يفيد العطف على الإنكار الأوَّل؛ لأنَّه أراد بقوله: (أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟) التعريضَ بالإنكار عليه، والتوبيخَ على تأخُّر المجيء إلى الصَّلاة، وتركِ السَّبق إليها في أوَّل وقتها، وهذا مِن أحسن التعريضات وأرشقِ الكنايات، ثمَّ إنَّ عثمان لمَّا علم مرادَ عُمَر مِن سؤاله عن السَّاعة اعتذر بأنَّه لمَّا سمع النِّداء لم يشتغل بغير الوضوء، فقال له: أَلَمْ يكفكَ أنْ أخَّرت الوقت، وفوتَّ نفسك فضيلةَ السَّبق حتَّى أتبعته بترك الغُسْل، والقناعةِ بالوضوء، فتكون هذه الجملة المبسوطة مدلولًا عليها بتلك اللفظة، وهي معطوفةٌ على الجملة الأولى، فخشي عثمان فواتَ الجمعة، فرأى أن تركْهُ أَوْلى مِن تركها.
          وقال القرطبيُّ: الواو عوضٌ من همزة الاستفهام، كما قرأ ابن كثيرٍ: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَآمَنْتُمْ بِهِ} [الأعراف:123] وأمَّا مع حذف الواو فيكون _إن صحَّت الرِّواية_ إمَّا لأنَّه مبتدأٌ وخبره محذوفٌ، التقدير: الوضوء عذرُكَ أو كفايتُكَ في هذا المقام. أو لأنَّه خبر مبتدأٍ محذوفٍ، التقدير: عذرك وكفايتك الوضوء، ويجوز في الوضوء الرَّفع على أنَّه مبتدأٌ وخبره محذوفٌ، التقدير: الوضوء تقتصر عليه، ويجوز أن يكون منصوبًا بإضمار فعلٍ، التقدير: فعلتَ الوضوء وحدَه أو توضَّأت، ويَعْضِدُه قوله: (وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ)، وتكون هذه الجملة حالًا منه، والعامل فيها الفعل المقدَّر، ويكون العامل في الحال مع الرَّفع ما دلَّ عليه مجموعُ الجملة المقدَّرة، ولعلَّ عثمان رأى أنَّ سماعه للخطبة أَوْلى، ولذلك عمر لم يأمره بالخروج.
          وروى ابن القاسم في «المستخرجة»: من نَسِيَ الغُسْل حتَّى أتى المسجدَ / فإن علم أنَّه يغتسل ويدرك الجمعة خرج، وإلَّا صلَّى ولا شيء عليه، قال ابن حبيبٍ: لا يُؤثَمُ تاركه، وقد يجري فيه الخلاف من الوتر هل يُحرج تاركُهُ لأنَّهما سنَّتان مؤكَّدتان؟ والأصحُّ عند الشَّافعيَّة أن تَرْك الغُسْل يُوْصَف بالكراهة.
          وقوله: (أَيْضًا) منصوبٌ لأنَّه من آضَ يَئِيض أيضًا، أي: عاد ورجع، قاله ابن السِّكِّيت. تقول: فعلته أيضًا، إذا كنت قد فعلتَهُ بعد شيءٍ آخر، كأنَّك أفدتَ بذكرهما الجمعَ بين الأمرين أو الأمور.
          وقوله: (يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ) وفي روايةٍ: ((أمرنا ويأمرنا)) وهو من ألفاظ رواية الحديث ورفعه، وفي قوله: ((يَأمرنا)) زيادة حُجَّةٍ لعُمَر، فإنَّه عامٌّ، بخلاف (يَأمُرُ)، فإنَّه لا يدلُّ صريحًا عليه، والمحتلم: البالغ، وعبَّر به لأنَّه الغالب، ويعرفه كلُّ أحدٍ، وهو مشتركٌ فيه.
          وقوله: (غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ) هو أظهر بيانًا مِن رواية مسلمٍ: ((الغُسْلَ يومُ الجُمُعةِ)) لأنَّه أضاف الغُسْل إلى اليوم فكان مخصوصًا به، وليس غُسْلًا مطلقًا، فكأنَّه اعتبر فيه الاختصاص به والنِّيَّة فيه، وأمَّا إطلاق الغُسْل فلا، فإنَّه لو اغتسل فيه ولم ينوهِ لم يُجِزْه لأنَّه وجد صورة غُسْلٍ. ولمَّا ذكر ابن أبي شيبة في باب القائلين بإجزاء الوضوء عن الغسل، قولَ أبي الشَّعثاء وإبراهيم وعطاءٍ وأبي وائلٍ وأبي جعفرٍ: ليس غُسْلٌ واجبٌ إلَّا من جنابةٍ، ساق بإسناده حديث أبي سعيدٍ مرفوعًا.
          وفيه: قَرْنُ الغُسْلِ بالطِّيب والاستنان، والإجماع قائمٌ فيما ذكره الطَّحاويُّ والطَّبريُّ أنَّ تاركهما غير حَرِجٍ إذا لم يكن له رائحةٌ مكروهةٌ يؤذي بها أهل المسجد، فكذا حكم تارك الغُسْل لأنَّ مخرجَ الأمر واحدٍ.
          الرابع: الفاء في قوله: (فَلْيَغْتَسِلْ) للتَّعقيب، وهو مخصوصٌ بالإرادة، كما سلف في الرواية الأخرى، وعمَّم أبو ثورٍ، وقال أحمد: لا يُستحبُّ للمرأة إذا حضرت. وحكاه النوويُّ في «شرح مسلمٍ» وجهًا عندنا. وقال مالكٌ: لا تَغْتَسِل. قال: وكذا المسافر إنْ أتاها للصَّلاة لا للفضل، وإن أتاها للفضل اغتسل، ووقته مِن الفجر وتقريبه مِن ذهابه أفضلُ، وقال مالكٌ: لا يكون إلَّا عند الرَّواح. وبه قال اللَّيث في أحد قوليه، وخالفه ابن وهبٍ، وهو قول مجاهدٍ والحسن البصريِّ والثَّوريِّ والشَّافعيِّ وأحمد وإسحاق وأبي ثورٍ، وانفرد الأوزاعيُّ فقال بالإجزاء قبل الفجر، وقد أسلفنا عن الظَّاهريَّة وجوبَ الغُسْل.
          قال ابن حزمٍ: هو فرضٌ لازمٌ لكلِّ بالغٍ ولو امرأةٌ لليوم لا للصَّلاة، فإنْ صلَّى الجمعة والعصر ولم يَغْتَسل أجزأه ذلك، قال: ووقته اليوم إلى أن يبقى مقدار ما يتمُّ غسلُهُ قبل الغروب. قال: وهو لازمٌ للحائض والنُّفساء كغيرهما، وروى حديث البخاريِّ الآتي: ((اغْتَسِلوُا يومَ الجمُعة وإن لم تكُونُوا جُنُبًا))، وحديث مسلمٍ: ((حقٌّ على كلِّ مسلمٍ أن يغتسلَ في كلِّ سبعة أيَّامٍ، يَغْسِل رأسَهُ وجَسَدَهُ))، وحديثه أيضًا من طريق أبي هريرة: ((حقٌّ على كلِّ مسلمٍ أن يغتسلَ في كلِّ سبعة أيَّامٍ، يَغْسِلُ رأسَهُ وجَسَدَهُ))، ويأتي أيضًا.
          وللبزَّار: ((وهو يومُ الجُمُعة))، ورواه ابن أبي شيبة مِن حديث جابرٍ، ورُوي من حديث البراء أيضًا، فصحَّ بهذا أنَّه لليوم لا للصَّلاة، وكان ابن عمر يغتسلُ بعد طلوع الفجر يومَ الجمعة، فيجزئ به عن غُسْل الجمعة، وكذلك نُقِل عن مجاهدٍ: إذا اغتسلَ الرجل بعد طلوع الفجر أجزأه. وكذا عن الحسن والنَّخعيِّ، ثمَّ قال: فإن قيل رويتم عن ابن عمر مرفوعًا: ((إذا راحَ أحدُكُم إلى الجمعةَ فَلْيَغْتَسِل))، وعن ابن عمر مرفوعًا: ((إذا أراد أحدُكُم))، وعنه أيضًا أنَّ رسول الله صلعم قال وهو قائمٌ على المنبر: ((من جاءَ مِنْكُم الجُمُعةَ فليَغْتَسِل)).
          قلت: هذه آثارٌ صحاحٌ، ولا خلاف فيها لقولنا. أمَّا الأوَّل فهو نصٌّ فيه، وإنَّما فيه الأمر به لمن جاء، وليس فيه أيُّ وقتٍ، ولا إسقاطه عمَّن لا يأتي إليها، وفي الآخر إيجابُهُ على كلِّ مسلمٍ ومحتلمٍ، فهي زائدةٌ حُكمًا على ما في حديث ابن عمر، وكذا قوله: (إِذَا أَرَادَ) وقد يريد إتيانها مِن أوَّل النَّهار، ولفظ: (إِذَا رَاحَ) ظاهره أنَّ الغُسْل بعد الرَّواح.
          وقال مالكٌ: إن بالَ أو أحْدَثَ بعد الغُسْل لم ينقض غُسْله ويتوضَّأ فقط، وإن أكلَ أو نام انتقض غسله. وقال طاوسٌ والزُّهريُّ وقتادة ويحيى بن أبي كثيرٍ: من اغتسلَ للجمعة ثمَّ أحدَثَ فيُستحبُّ أن يعيد غُسْلًا.
          وعن أبي يوسف أنَّ الغُسْل لليوم، ثمَّ استدلَّ مَن قال بالوجوب بالأحاديث التي فيها: ((غُسْلُ يومِ الجُمُعة واجبٌ)).
          قال ابن حزمٍ: ورُوِّينا إيجاب الغُسْل مسندًا من طريق عمر بن الخطَّاب وابنه وابن عبَّاسٍ وأبي هريرة، كلُّها في غاية الصِّحَّة.
          قال: وممَّن قال بوجوب فرض غُسْل يوم الجمعة عمر بن الخطَّاب بحضرةٍ الصَّحابة لم يخالفه فيه أحدٌ، منهم أبو هريرة وابن عبَّاسٍ وأبو سعيدٍ وسعدُ بن أبي وقَّاصٍ وابنُ مسعودٍ وعمرُو بن سليمٍ وعطاءٌ وكعبٌ والمسيِّبُ بن رافعٍ.
          واحتجَّ مَن قال بعدم الوجوب بحديث عمر المذكور في هذا الباب وبحديث أبي هريرة: ((مَن توضَّأ فأحسنَ الوضوءَ، ثمَّ أتى الجُمُعةَ فاستمعَ وأنصتَ غُفِر لَه)) الحديثَ. وبحديث ((كان النَّاسُ يَنتابُون الجمعةَ مِن منازلهم، ومِن العَوَالي)) الحديث يأتي، وفيه: ((لو أنَّكم تَطَهَّرتم)) أخرجاه، وبحديث سَمُرة السالف في ذلك الباب: ((مَنْ توضَّأ يوم الجُمُعةِ فبها ونِعْمَت، ومن اغتسلَ فالغُسْل أفضل))، أخرجه الأربعة وحسَّنه التِّرمذيُّ، وبحديثٍ أوردَه ابن حزمٍ عن الحسن: أُنبِئنا أنَّ رسول الله صلعم كان لا يغتسلُ يومَ الجمعة، ولكن كان أصحابه يغتسلون. وبحديث ابن عبَّاسٍ: ((كان صلعم ربَّما اغتسلَ يومَ الجمعة وربَّما لم يغتسل)). وبحديثٍ مِن طريقه أيضًا: ((إنَّ غُسْل يوم الجمعة خيرٌ لمن اغتسلَ، ومَن لم يَغْتَسِل فليس بواجبٍ، وسأخبرُكُم كيفَ بدء الغُسْل، كان النَّاس مجهودِينَ يَلْبَسُون الصُّوفَ ويعملونَ على ظُهُورهم...)) الحديثَ بطوله، وهو في / أبي داود، ثمَّ علَّلها، وقالوا في حديث عمر وعثمان: لو كان واجبًا عند عمر وعثمان ومن حضرهما من الصَّحابة لَمَا تركه عثمان، ولا أقرَّ عمر وسائر الصَّحابة على تركه.
          قال ابن حزمٍ: ومن لكم بأنَّ عثمان لم يكن اغتسل في صدر يومه إذ ذلك عادةٌ له؟ ومن أين لكم مِن أنَّ عمر لم يأمره بالرجوع إلى الغُسْل؟ قالوا: فأنتم مِن أين لكم أنَّه اغتسل، وأنَّ عمر أمره بالرجوع له؟ قلنا: هَبكم أنَّه لا دليل عندنا بهذا فلا دليل عندكم بخلافه. ثمَّ ذكر حديث مسلمٍ عن حُمْرَانَ قال: ((كنتُ أَضَعُ لعثمانَ طُهُوره، فَمَا أَتَى عليه يومٌ إلَّا وهو يَفيض عليه)). فإذا كان ذلك كلَّ يومٍ فيومُ الجمعة أولى، وقد قطعَ عمرُ الخطبةَ وأنكر، فلو لم يكن ذلك فرضًا عندَه لَمَا قَطَعَها، وحلف: والله ما هو بالوضوء. فلو لم يكن فرضًا لَمَا كانت يمينهُ صادقةً.
          وقد ذكر البخاريُّ في الباب أحاديث تدلُّ على المطلوبيَّة، وتأتي، وفي أبي داود والنَّسائيِّ من حديث حفصة، وفيهما والتِّرمذيِّ من حديث أبي هريرة وأبي سعيدٍ، وفي أبي داود من حديث عائشة وغير ذلك.